عنب بلدي – هنا الحلبي
منذ انتقال الثورة السورية إلى العمل المسلح ظهرت تيارات إسلامية مختلفة، سعت في نقل ثقافتها إلى العوام في المساجد والدورات الشرعية وإلى الأطفال والمعلمين في المدارس، ما أثر على المناهج وطريقة تعاطي المدرسين معها في كل منطقة وفق السيطرة العسكرية أو طريقة الحصول على الدعم المالي.
عنب بلدي تدرس آثار الخلاف الفكري والديني على المناهج المدرسية، وتناقش الحلول لتخطي التشتت الذي يرهق الطلاب والمدرسين.
تقول روان سامح، مسؤولة جمعية أمل سوريا الداعمة لعدة مدارس في حلب، لعنب بلدي «تضاربت في المناطق المحررة منذ تحريرها التيارات الفكرية من سلفية وصوفية وعلمانية»، موضحة «وعلى أثرها انقسمت المدارس إلى: مدارس لم تُدرّس سوى الشريعة، ومدارس اعتمدت مناهج النظام مع حذف كتب القومية، ومدارس أبقت على مناهج النظام مع تغيير كتب الديانة».
ويعود ذلك إلى أن الجهتين اللتين تكفلتا بالنشاطات التعليمية هما، الهيئة الشرعية من جهة ومجلس المحافظة ومجلس المدينة من جهة أخرى، وقد جرت جهود حثيثة لتوحيد العمل بينهما لكنها باءت بالفشل، سوى أنها استطاعت توحيد الامتحانات.
كما أن لتدخّل «الدولة الإسلامية» في العملية التدريسية أثرًا أوضح، إذ يقول مصطفى مصطفى مسؤول مديرية التربية التي كانت تتبع للهيئة الشرعية «اعتمد التنظيم في مناطق سيطرتها على المعاهد التي لا تدرس سوى الشريعة الإسلامية، واعتمدت كتبًا خاصة فيها ذات توجه سلفي».
وأضاف مصطفى أن التنظيم «افتتح عدة مدارس نظامية متكاملة لكن بعدد قليل، درّست فيها مناهج النظام مع حذف كتب الفلسفة والتاريخ والقومية، بالإضافة إلى حذف العديد من المواضيع والدروس الخاصة بالنظام من باقي المناهج»، لكن «عندما خرج التنظيم من أحياء حلب ذهبت معه مدارسه وكوادرها جميعًا».
وكان ناشطون بدأوا بافتتاح بعض المدارس حتى شكلوا «مديرية تربية» نهاية عام 2012، ما لبثت أن انضمت بعدها إلى الهيئة الشرعية، ثم «أنشأت الهيئة مدارس تدرّس الشريعة فقط، ككتيبات طبعتها جمعية أهل الأثر عن العقيدة والأخلاق، التي اتخذت أيضًا منحىً سلفيًا» وفق ما ينقله مصطفى لعنب بلدي.
أما غالبية المدارس التي تتبع لمديرية التربية فقد اعتمدت مناهج النظام مع حذف كتب القومية وحذف بعض الدروس التي تتحدث عن إنجازات مزعومة للنظام، وإضافة بعض الكتيبات التي طبعتها جمعية أهل الأثر من كتب عقيدة وأخلاق إسلامية وأحاديث شريفة؛ في حين اعتمدت مدارس أخرى مناهج النظام دون تغيير سوى حذف كتاب القومية، وتتميز هذه المدارس بأن تمويلها يأتي من قبل جمعيات خاصة في الغالب.
وفيما يخص تأمين الكتب، يقول مصطفى «كان بحوزتنا مستودعات كتب وزعناها على كافة المدارس لتغطي سنة دراسية كاملة، لكن عندما بدأ العام الجديد (2014-2015)، برزت مشكلة نقص الكتب، لذا قامت هيئة الشام الإسلامية بتصوير كتب وتوزيعها بعد حذف كل مايتعلق بفكر النظام».
في هذه الغضون برزت في حلب الهيئة السورية للتربية والتعليم (هيئة علم)، وكان لعنب بلدي لقاءٌ مع السيد عبد الله زنجير عضو الأمانة العامة للهيئة والمشرف على المكتب الإعلامي، إذ يقول «تأسست الهيئة مطلع عام 2013 وجعلت عملها متفرغًا للتربية والتعليم، حيث طبعت إلى الآن 8 ملايين كتاب أي بمعدل 800 ألف طالب وصلتهم كتبنا خلال عامين».
«لا نرى من المناسب في الوقت الحالي إجراء أي تعديل على المناهج» وفق زنجير، إذ يحتاج التعديل إلى موافقة اليونسكو في البداية، كما أن «الشعب السوري في هذه المرحلة تتجاذبه خلافات فكرية حادة ولا تحتمل المزيد من التضاربات الفكرية التي قد تسببها مناهج جديدة».
وأضاف زنجير «نحن نأخذ بعين الاعتبار التنوع في مجتمعنا، فمع أن الغالبية سنية إلا أن هناك الدرزي والكردي والتركماني وغيرهم، وربما حين تستقر الأمور سيكون لتعديل المناهج دراسة عميقة، أما في الوقت الحالي فقد اكتفينا بحذف القومية وحذف كل ما يتعلق بالنظام والبعث وما إلى ذلك»، مشيرًا إلى أن «أكاديميين قيّموا مناهج النظام فصنفوها من أرقى المناهج من الناحية العلمية المجردة، لكن طبعًا توجد مشاكل في التاريخ والتربية الإسلامية بشكل كبير».
وتولي «علم» حاليًا اهتمامًا في البحث عن طرق إيصال التعليم إلى أكبر عدد ممكن من السوريين، وذلك عن طريق دراسة مشروع المدارس التلفزيونية والذي تشرف عليه الدكتورة بيان الطنطاوي، حيث تصور حلقات تلفزيونية تشرح المنهاج كاملًا بأساليب سلسة وطرق متطورة، وتنتشر هذه الحلقات عبر محطات تلفزيونية بالإضافة إلى الإنترنت، وستكون هناك عربات متنقلة تحمل شاشات ضخمة تستطيع الوصول إلى المناطق التي يوجد فيها تجمعات بشرية.
وقد بدأت هيئة علم بتوحيد أغلب المدارس في المحافظة، مع دول الجوار بالتعاون مع الائتلاف السوري المعارض «عسى أن نتمكن من تجاوز كل التجاذبات الفكرية والمذهبية، التي أفرغت الأمة من روح الإسلام الحقيقي، والتي ستبقى أبدًا عائقًا في وجه تقدم أمتنا ونهوضها»، وفق تعبير زنجير.
وفي هذه المرحلة الحرجة هناك كارثة تهدد جيلًا بأكمله مضى عليه أربعة أعوام دون دراسة، بين مشرد ولاجئ في مخيمات لا تملك مقومات تمكنها من افتتاح مدارس، ووفق إحصائيات الأمم المتحدة فإن 5 آلاف مدرسة مدمرة من أصل 22 ألفًا، في حين يبقى 3 ملايين طفل بلا تعليم من أصل 5 ملايين، فهل تسدّ الاختلافات الفكرية الطريق أمام إكمال تعليمهم؟