سلسلة يكتبها منصور العمري
تحدثتُ في المادة السابقة عن جريمة “الإبادة الجماعية” (جينوسايد Genocide)، التي تعتبر واحدة من الجرائم ضد الإنسانية.
قمت بتعريفها وشرح معناها الذي تأخذ به المحاكم الدولية والقضاء العالمي، بالإضافة إلى المفهوم المتداول غير القانوني بين السوريين، والذي يعتبر جنوحًا عن المعنى القضائي. ففي سوريا لم يستهدف الأسد فقط مجموعات من السنة، بل معارضيه من جميع الطوائف والأعراق، كالكرد والعلويين والدروز. حرب الأسد ليست موجهة لطائفة أو عرق بحد ذاته بل ضد أفراد الأعراق والطوائف السورية على اختلافها، وأساس استهدافه هو لمن يعارضه، فالأسد لا يكترث بدينك أو عرقك لطالما كنت على دينه وعرقه السياسي.
رأت كاترينا بيرغيد، مديرة المناصرة في منظمة العفو الدولية- السويد، في تصريح لعنب بلدي، أنه “لا بد للسوريين من التعرف على المفاهيم القانونية للجرائم المرتكبة في سوريا، لعدة أسباب من بينها القدرة على تعريف أفضل لماهية نظام الأسد ودوافعه وأغراضه، ولأن القانون الدولي هو أداة لتحقيق العدالة، فبالتالي تجب معرفة المفاهيم القانونية، والطرق التي يجب اتخاذها للمضي نحو هذا الهدف”.
لا بد للسوريين أن يعوا تمامًا ما الجرائم المرتكبة ضدهم بلغة القانون والمحاكم الدولية، كي يستطيعوا متابعة سعيهم في التوثيق القانوني، والمطالبة بالعدالة، بالشكل الأصلح، وكي لا تتكرر مآسي الماضي التي كان أحد أسبابها الفهم المغلوط أو المنقوص لما يحيق بالسوريين، والاعتماد على لغة العواطف وما نرغب به، لا على مبادئ القانون الدولي.
“الجرائم ضد الإنسانية”
يعود استخدام مصطلح “الجرائم ضد الإنسانية” إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين استخدم في سياق جرائم العبودية وتجارة الرقيق، ووصف الأعمال الوحشية المرتبطة بالاستعمار الأوروبي في إفريقيا وأماكن أخرى، مثل الفظائع التي ارتكبها ملك بلجيكا ليوبولد الثاني في دولة الكونغو. طُبّق هذا المصطلح رسميًا أول مرة على المستوى الدولي عام 1915 من قبل حكومات الحلفاء (فرنسا وبريطانيا العظمى وروسيا) عندما أصدروا بيانًا يدين القتل الجماعي للأرمن في الإمبراطورية العثمانية.
لم يتم إجراء محاكمات لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية إلا بعد الحرب العالمية الثانية في عام 1945، للمرة الأولى في المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ أو محكمة نورمبرغ، التي حوكم فيها مجرمو القيادة النازية.
منذ ذلك الحين، تطور مفهوم الجرائم ضد الإنسانية بموجب “القانون العرفي الدولي” ومن خلال ولايات المحاكم الدولية مثل “المحكمة الجنائية الدولية” و”المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة” و”المحكمة الجنائية الدولية لرواندا”. كما قامت دول كثيرة بتجريم الجرائم ضد الإنسانية في قوانينها المحلية، ولم يفعل بعضها الآخر كسوريا، لذلك يجب أن يكون هذا التجريم في قائمة أولويات فقهاء القانون في سوريا، لتشميلها في قانون البلاد المحلي.
الجرائم ضد الإنسانية لم تُقنن بعد في معاهدة، بعكس جرائم الإبادة الجماعية، لكن حظر الجرائم ضد الإنسانية هو قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي، لا يُسمح فيها بأي تقييد وينطبق على جميع الدول.
نظام روما الأساسي لعام 1998 الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي) هو الوثيقة التي تعكس أحدث توافق للآراء في المجتمع الدولي بشأن هذه الجرائم، وهي أيضًا المعاهدة التي تقدم قائمة شاملة من الأفعال المحددة التي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية.
تعريف الجرائم ضد الإنسانية الوارد في نظام روما الأساسي التي تعتمده المحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الدولية الاستثنائية والخاصة، التي قد تنشأ واحدة منها لسوريا:
يشكل أي فعل من الأفعال التالية “جريمة ضد الإنسانية” عندما: أولًا يرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، وثانيًا عندما يكون مقصودًا:
– القتل العمد.
– الإبادة: )إكستيرمنيشن(Extermination وليست “الإبادة الجماعية )العرقية أو الدينية(“ Genocide. تشمل “الإبادة) إكستيرمنيشن(“ تعمّد فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان، وهو ما فعله نظام الأسد في أنحاء سوريا لسنين طويلة وبشكل ممنهج وعلى نطاق واسع، تشاركه المسؤولية في ذلك ميليشيات طائفية صنعتها إيران المسؤولة بالتالي، في مناطق مثل الغوطة الشرقية، والزبداني بمشاركة حزب الله اللبناني، أحد مكونات الحكومة اللبنانية المسؤولة أيضًا.
– إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان: يعني نقل الأشخاص المعنيين قسرًا من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر دون مبررات يسمح بها القانون الدولي، كتنفيذ قوات الأسد لسياستها المعلنة تحت شعار “الركوع أو الجوع”، مما يضطر من يرفض الركوع إلى الابعاد.
– السجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي.
– التعذيب: “تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة، سواء كان بدنيًا أو عقليًا بشخص موجود تحت إشراف المرتكب أو سيطرته”، وهو من أوضح الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الأسد ولا يزال، بحق مئات آلاف السوريين، وترتكبها أيضًا فصائل معارضة أخرى على الأرض السورية.
– الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، وهي جرائم ضد الإنسانية ارتكبها نظام الأسد، وداعش.
– اضطهاد أي جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس، أو لأسباب أخرى من المسلّم عالميًا بأن القانون الدولي لا يجيزها. يعني “الاضطهاد” هنا، حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرمانًا متعمدًا وشديدًا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي، وذلك بسبب هوية الجماعة، وهي جريمة ضد الإنسانية ارتكبها نظام الأسد ضد الكرد في سوريا، بحرمانهم من حقوق أساسية، وداعش ضد الإيزيديين.
– الإخفاء القسري للأشخاص: وهو إلقاء القبض على أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو مجموعة مسلحة، ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويل، وهو ما تفعله أجهزة مخابرات الأسد، بعدم إعطاء أي معلومة عمن تعتقلهم، وحرمانهم من زيارات الأهل والمحامين.
– الفصل العنصري.
– الاسترقاق.
ارتكب نظام الأسد أغلب الجرائم ضد الإنسانية المعروفة في نظام روما الأساسي، والتي تعتمدها المحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الدولية الاستثنائية والخاصة والغربية، مثل الألمانية والسويدية وغيرها.