اضحك مع الرياضة المحلية

  • 2018/07/15
  • 12:33 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

دخلت الرياضة حياتنا بالغلط. بيئتنا، كما تعلمون، فلاحية. الفلاح في مناطقنا يلبس السروال الأسود ذا الكمين اللذين يصلان حتى مشطي القدمين، وفوقه “الملتان” الأبيض ذا الكمين الطويلين، والقمباز الخارجي المقلم المفتوح عند الرقبة. وكان القسم الأكبر من رجال بلدتنا حريصين على أن يرتدي أبناؤهم الذكور ثيابًا تشبه ثيابهم، بقصد أن يتعلم الولد الرجولة من صغره، ويا حبذا لو يعتمر قبعة بيضاء مما يصنعه المساجين، ويشكل الموس في زناره، ويمشي على العريض.

في تلك الأيام وجدَتْ مديرية التربية والتعليم في محافظة إدلب أن الرياضة التي تمَارَس في مدارسنا تشبه عملية البيع بالـ “مطابشة” في سوق الهال، حيث توضع الخضار في كومة غير منتظمة، ويقف أمامها دلّال سمين أكرش يصيح على طول صوته: أونا، دوي، تري، قَرّب يا حجي قرب، هـ الكومة كلها بخمس ليرات شيله بيله، يللا قرب، مين عنده زود؟ فقررت، أعني المديرية، أن تجعل الرياضة مادة علمية، إن لم نقل “أكاديمية”، ولذلك استقدمت بعض الأساتذة المتخرجين من المعهد العالي للرياضة في مصر، أو من المعهد الرياضي السوري “نظام السنتين”، ووزعتهم على المدارس. وكان حظنا السيئ قد جعلنا نبتلى بالأستاذ “إبراهيم” القادم لتوه من مصر وهو متشبع بالألعاب الرياضية وقوانينها الصارمة.

كان إبراهيم شابًا طويلًا عريضًا، شبيهًا بالمعلم شعبان الذي قال عنه سيد مكاوي: لو دَبّ بإيدُه الحيط.. يقدر يسلم بيها ع الجيران! وكان عنيدًا، دماغه، على حد تعبير عادل إمام، جزمة قديمة، لذلك لم يسمح لأي طالب أن يدخل الصفّ إذا كان لا يرتدي الشورت الأسود والكنزة البيضاء، ولأجل الزيادة في النكاية طبع نسخًا كثيرة من صورة لولد وسيم، مرتب، يرتدي اللباس الرياضي المطلوب، وينتعل بوطًا رياضيًا نظاميًا عُقِدَتْ رباطتاه على نحو جميل، ووزعها على التلاميذ، في الاجتماع الصباحي، وقال: كل واحد منكم يفرجي الصورة لوالده، ويقول له: بدي لباس رياضة مثل هاد.

مع دخول هذا المدرس العجيب في حياتنا انقلبت أحوال التلاميذ وأهاليهم، وبدأت أخبار المدرسة تحتل مكان الصدارة في مجالس الرجال ومجالس النساء، ومنها أن حوالي عشرين تلميذًا أجبرهم أهاليهم على ترك المدرسة، وبَعَثُوا للإدارة برسالة تقول: أولادنا ليسوا “سرسرية” حتى يلبسوا كلاسين قصيرة! وتقدمت مجموعة من الطلاب إلى إدارة المدرسة بطلبات نقل إلى مدارس لا يطالَبُ فيها التلاميذُ بارتداء اللباس الرياضي، وأعيد خمسون تلميذًا إلى بيوتهم لأن ألبسة الرياضة التي أحضروها، كانت، بحسب الأستاذ إبراهيم، مخالفة للمواصفات، وتنادت مجموعة من الرجال المحسنين إلى تشكيل جمعية خيرية لمساعدة الآباء الذين لا تمكنهم ظروفهم المادية من شراء ألبسة رياضية لأبنائهم.

وأما سيرة الفتى “حمدان” فقد نشرت الضحك والمرح في أرجاء البلدة، وملخصها أنه، في العادة، يرتدي السروال الفلاحي الأسود والملتان الأبيض، وقد جاء أبوه بمقص تقليم الشجر، وقص كمي السروال، وكمي الملتان، وألبسه الجزمة الشتوية ذات الساق القصير، وقال له:

– هادا لباس رياضة، متل لباس الولد اللي في الصورة، البسه وروح فرجيه للأستاذ بلكي بيمشي الحال!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي