يتناول الباحث الأمريكي مايكل إدواردز، في كتابه “المجتمع المدني.. النظرية والممارسة”، مجالًا شغل العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي، واحتل مساحة واسعة من النقاشات حوله في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، قبل أن يصل إلى الشرق الأوسط، حاملًا معه الأسئلة والتناقضات ومجالات التوظيف المختلفة.
يسلط الكتاب الضوء على المفاهيم المختلفة لـ “المجتمع المدني” من وجهة نظر أكاديمية (تعريفات وآراء)، ومن وجهة نظر عملية عبر توظيف المفهوم في أحداث ومواقف سياسية واقتصادية واجتماعية، ويسعى للوصول إلى مبادئ تضع عمليتي التنظير والممارسة لمفهوم “المجتمع المدني” بعيدًا عن المصالح والتجاذبات.
ويستمد الكاتب أمثلته في مناقشة تداول فكرة المجتمع المدني من تجارب سياسية ومدنية، ودينية وتاريخية، وأيضًا من مواقف وتجارب في دول عدة كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول شرق أوسطية، إذ يسعى من خلال ذلك إلى الإحاطة بامتدادات المفهوم، واستخداماته المختلفة.
كما يسعى الكاتب مايكل إدواردز إلى تقديم أفكار أكثر وضوحًا حول “المجتمع المدني”، ويدعو إلى التخلّي عن “الأحكام التعميمية الخادعة” في تناوله أو ممارسته، مقابل ضرورة الإيمان باستحالة الوصول إلى إجماع في الرأي حوله، أي أنه يقدم شروحًا وتوضيحات يمكن أن تمهد لمداولة فكرية وعملية أفضل وأنسب في المستقبل.
تقع النسخة المترجمة للعربية من الكتاب في 224 صفحة، وهو مقسم إلى ستة فصول، وسابع يتناول مجموعة من التعريفات الأكاديمية لمصطلحات تأسيسية تتعلق بالمجتمع المدني، والمناقشات الواردة حوله في الكتاب.
يوفّر الفصل الأول، “ما الفكرة العظيمة؟”، نبذة مكثّفة عن تاريخ فكرة المجتمع المدني، الذي “كان ولا يزال نقطة انطلاق مرجعية للفلاسفة منذ العصور القديمة في نضالهم من أجل فهم قضايا العصر الكبيرة”، وفق الكتاب، الذي يحدد هذه القضايا بـ “طبيعة المجتمع الصالح، وحقوق المواطنين ومسؤولياتهم، وممارسة السياسة والحكومة”.
أما الفصل الثاني، “المجتمع المدني بوصفه حياة مجتمعية ترابطية”، فيصوّر المجتمع المدني بصفته جزءًا من المجتمع، متميزًا عن الدول والأسواق، وليس “مجتمعًا” بحد ذاته، أي أنه القطاع “غير الحكومي”، أو “الثالث”.
و”المجتمع المدني” هو “المجتمع الصالح” في الفصل الثالث من الكتاب، حيث يشرح الكاتب طبيعة العلاقة ومدى تعقيدها بين “المجتمع المدني القوي”، والمجتمع القوي والمترابط بحد ذاته.
بينما ينتقل الكاتب في الفصلين الرابع والخامس، إلى تحليل علاقة المجتمع المدني بالمجال العام، ومناقشة عدد من المدارس الرئيسة المتعلقة بالمجتمع المدني، ومن بينها مدرسة الثقافة المدنية ومدرسة الترابطية المقارنة.
وتنتهي مناقشات الكتاب في الفصل السادس إلى مرحلة “ما الذي ينبغي فعله؟”، وهنا يصبّ الكاتب خلاصة أفكاره في نقطة من شأنها أن تحفظ سلامة ومرونة نظرية وممارسة المجتمع المدني، وهي أن “الطلب” أو حاجة كل مجتمع هي التي تحدد طبيعة المجتمع المدني المطلوب، وعلى أساسها يجب أن يُبنى.
صدرت ترجمة الكتاب عن “المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات” عام 2015، ونقله إلى العربية المترجم الفلسطيني، عبد الرحمن عبد القادر شاهين.