حرب الأسد الكبرى الآن لم تعد عسكرية
انتهت الثورة السورية.. فما هي المرحلة المقبلة؟
منصور العمري
بعيدًا عن الحديث العاطفي ورمزية نهاية ثورة كرامة يتيمة، رغم أن ذلك يدمي القلب.
اليوم، لا شيء سيثني الأسد عن محاولته السيطرة على كل شبر في سوريا، بدعم من نظام بوتين، وتخلي المجتمع الدولي عن السوريين.
المجتمع الدولي
أوروبا تريد إنهاء الحرب في سوريا بأي شكل، وتصنيفها بلدًا آمنًا لإعادة اللاجئين الذين شكلوا بنظرهم أزمة اقتصادية وأمنية أدت إلى تصاعد التيارات الشعبوية فيها، وهددت بتفكيك الاتحاد الأوروبي نفسه.
لا ترى الولايات المتحدة أن لها مصلحة في سوريا تستوجب منها الضغط لإيقاف روسيا.
الدول الحدودية
إسرائيل تريد حدودًا آمنة، ونتنياهو لا يعترض على قيام بشار الأسد بإعادة السيطرة على البلاد واستقرار نفوذ نظامه، بشرط استبعاد إيران وتنظيم “حزب الله” من سوريا. المستفيد الأول من اقصاء إيران من سوريا هو أيضًا الأسد، الذي سيتخلص من السطوة الإيرانية التي توغلت في أجهزته الأمنية والعسكرية.
الأردن ولبنان يريدان التخلص من اللاجئين بأي شكل، بسبب الأعباء التي يتحدثون عنها.
العراق في تحالف وثيق مع نظام الأسد، بمباركة وسيطرة إيرانية.
سوريا
كل ما سبق لم يكن لينهي ثورة شعب، لولا أن ساستهم تحولوا إلى أوراق وموظفين بأيدي الجميع إلا السوريين. لولا أن فصائله العسكرية انحرفت عن مطالبات الثورة الأولى، واقتتلت فيما بينها وجنحت إلى الارتزاق، وارتكاب ذات الجرائم والانتهاكات ذاتها التي ثار عليها السوريون.
المسؤول الأول والأخير هم السوريون.
سيكرر الأسد مجازره في مناطق إدلب ليسيطر عليها، وبعدها سيعقد اتفاقا مع الكرد ويستعيد المناطق التي يسيطرون عليها، لينهي ما تراه تركيا تهديدًا لها، لتسحب يدها من الشمال السوري.
ما المتبقي من ثورة شعب قدّم أعز ما يملك، وكل ما يملك، كي يبني وطنًا حقيقيًا لا مزرعة لآل الأسد؟
لا شيء.. انتهت الثورة، وسيعود نظام الأسد متوحشًا أكثر من قبل.
في المرحلة المقبلة، ستتحول سوريا إلى بؤرة فساد واستبداد لا مثيل لها في العالم. قد لا تعترف بعض الدول الأوروبية بنظام الأسد مرة أخرى، وأقول قد، ولكنه سيعود إلى ممارسة دوره في المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بدعم من روسيا وإيران والصين وغيرها من الأنظمة الديكتاتورية.
سيكون من الضروري استمرار التواصل مع السوريين تحت سيطرة النظام، وتسجيل الانتهاكات المرتكبة هناك.
تبقى مسألتان رئيسيتان مؤثرتان في ملايين السوريين خارج سوريا، وهما العدالة والإعادة.
ستشهد المرحلة القادمة أزمة إعادة السوريين إلى سوريا، رغم احتمال تعرضهم لأخطار وانتهاكات كثيرة.
أما العمل لتحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم، فلن يتوقف، ويجب أن يشهد قفزة ونشاطًا كبيرًا في هذه المرحلة.
سيحاول نظام الأسد، بعد تفرغه من المعركة العسكرية، مدّ يده الإجرامية إلى السوريين المغتربين بالإضافة إلى الأجانب الذين يعملون في مجال تحقيق العدالة في سوريا، كسابق عهده في اغتيال وملاحقة معارضيه في أصقاع الدنيا، أو حتى الترغيب والمغريات المادية. لذلك على أي ناشط سوري أو أجنبي في هذه المجال وأي مجال حقوقي أو سياسي معارض، اتخاذ الاحتياطات الأمنية بعين الاعتبار، والحفاظ على عمله وتحمل مسؤولية المعلومات السرية ومعلومات التواصل والبيانات في لابتوبه أو كمبيوتره المنزلي أو هاتفه، ووسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها، كي لا يتسبب بأذى لمن يتواصل معهم، أو يحتفظ بمعلومات عنهم، كالشهادات وغيرها. وإن أمكن اتباع دورات أمنية متعلقة بهذا الشأن.
حرب الأسد الكبرى الآن لم تعد عسكرية، بل سيبرانية بالدرجة الأولى.
هل ضاعت دماء الشهداء، وكل التضحيات؟
ربما، ولكن على الأقل يجب العمل الآن لمحاسبة المجرمين وعلى رأسهم نظام الأسد، فوق داعش وكل من ارتكب جرائم بحق السوريين. ربما ضاعت الدماء ولكن لن يضيع حق الضحايا بالعدالة مهما طال الزمن، فقط إن كان هناك من يعمل من أجلها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :