ازدادت مؤخرًا مؤشرات «الفساد الأخلاقي» في مدارس دمشق الابتدائية والثانوية بين الطلاب والمعلمين، بتأثير الصراع الدائر في البلاد وسط غياب الرقابة والإرشاد الاجتماعي، في حين يجد الطلاب النازحون إلى دمشق المدينة اختلافًا وصعوبة في التأقلم مع نظام الاختلاط الجديد.
ويقول طلابٌ ومدرسون إن «بؤر الفساد التعليمي» تبرز في «مدارس باسل الأسد المختلطة» التي توزعت في العاصمة وضواحيها، حيث غدا الاختلاط بين الذكور والإناث في المرحلتين الإعدادية والثانوية، سبيلًا لإدخال الفتيات والشباب إلى أجواء جنسية وعاطفية تفوق أعمارهم.
محمد، شابٌ في المرحلة الثانوية، انتقل إلى صحنايا إثر المعارك الدائرة في مدينته داريا، تحدث لعنب بلدي عن انتشار «آفاتٍ اجتماعية» في «مدرسة الباسل» التي انتقل إليها لإكمال دراسته، وأبرزها التحرش بالفتيات، مشيرًا إلى سهولة القيام بهذا السلوك في أطراف المدرسة بسبب «غياب الرقابة الإدارية عن فرض عقوباتٍ على مرتكبي المخالفات».
وأشار محمد إلى شيوع هذا السلوك في كثيرٍ من المدارس «فكّرت بالانتقال إلى مدرسة أخرى في المنطقة نفسها، إلا أن التفلّت الأخلاقي لا يختلف كثيرًا عن هنا».
ولم يتوقف الأمر على الطلاب، بل تعدا ذلك إلى بعض الأساتذة الذين يتحرشون بالطالبات، كما يقول عمر الذي يرتاد المدرسة نفسها، وحين اشتكت إحدى الطالبات للإدارة كان الرد: «أنت لست أول واحدة تتعرض لنفس الموقف».
التدخين أيضًا بات أمرًا عاديًا لدى الطلاب وبعض الطالبات، إذ يجدون في المدرسة ملاذًا آمنًا بعيدًا عن أهاليهم، وبحسب عمر فقد «أصبحت جدران حمامات المدرسة سوداء لكثرة إطفاء السجائر بها، كما أن الدخان يخرج من نوافذها دون تدخل من أحد».
الطالبة ريم نازحة من الغوطة الشرقية، تدرس البكالوريا في إحدى مدارس حي الميدان الدمشقي، وجدت في الشهر الأول لانتقالها «تغييرًا إيجابيًا في الحياة الاجتماعية»، على اعتبار أن وجودها جانب الشباب يقوي من شخصيتها، إلا أن بعض «السلوكيات الخاطئة» دفعتها إلى تغيير فكرتها، «عندما أرى رفيقاتي يمازحن الشباب ويخرجن معهم في مواعيد عاطفية، أنسف أفكاري ونواياي الطيبة، فالشيطان لم يترك لها محلًا».
بدورها لفتت زميلتها هبة، إلى أن بعض الفتيات يغيرن مبادئهن تجنبًا للاستهزاء من الآخرين «عندما ترى فتاةً ملتزمةً في مدرستنا لا تجالس الشباب، فإنها تقابل بالسخرية وتوصف بقلة الوعي، ما يدفع بضعهن إلى الانحراف لدرء هذا الكلام».
سلمى، مدرسة اللغة العربية في إحدى المدارس الثانوية في الفحامة، أفادت أن الانتقال إلى الاختلاط بشكل مفاجئ يضر بالنواحي التعليمية، إذ «يفتح مجالًا للعواطف في مرحلة المراهقة، ما يجعل التلميذ في انشغالٍ عن التعليم».
المدارس الابتدائية المختلطة كذلك لم تخل من بعض المظاهر، إذ تنقل أماني انطباعها عن زيارة مدرسة ابنها بالقرب من شارع بغداد وسط دمشق، «تسمع الألفاظ النابية من أفواه الفتية والفتيات، كما أنهم يتناقلون أحاديث لا تناسب مرحلتهم العمرية، بينما تنصرف المعّلمات إلى الاهتمام بمظهرهن وكأنهنّ في حفلة».
لميا الباحثة في الأمور التعليمية والإرشاد النفسي قالت لعنب بلدي إن للاختلاط إيجابيات تتمثل في «تهيئة الإنسان لمجتمع مختلطٍ واقعي، فلا يكون العزل في المدرسة والبيت، ثم فجأةً يجد الطفل أو الشاب الشوارع والمؤسسات في أجواء الاختلاط العادية».
لكنها أردفت أن تلك الإيجابية تحتاج لضوابط لنجاحها إذ «لا بد من إشرافٍ واعٍ لتغيرات النمو والتفكير بكل مرحلةٍ عمرية، وخصوصًا في مرحلة اليافعين».
يذكر أن وزارة التربية والتعليم بدأت في خطتها لدمج المدارس في المراحل الابتدائية قبل الثورة لتصبح مدارس مختلطة، لكنها سارعت في هذه الخطوة مؤخرًا للمرحلتين الإعدادية والثانوية، وسط تدنٍ في المستوى التعليمي تأثرًا بالصراع الدائر منذ قرابة 4 سنوات.