أقصى المنتخب السويدي إيطاليا من التصفيات وحل محلها في النهائيات، ولكن بقي أسلوب اللعب الذي عرف به الطليان منذ عقود هو السائد لدى كثير من المنتخبات المغمورة، والتي تأهلت بفضل الأسلوب الدفاعي إلى الأدوار الإقصائية من المسابقة.
استخدم البرازيليون أسلوب الهجوم بابتكار خطة 4-2-4 واكتسحوا الجميع بالاعتماد على رباعي هجومي في المقدمة.
ولعب الهولنديون الكرة الشاملة معتمدين على نفس المنهاج في الكرات السريعة والقصيرة والاعتماد على خط الوسط بالسيطرة والاستحواذ على الكرة ومن ثم اختراق دفاعات الخصوم.
وبات المصطلح المعروف “الهجوم هو الوسيلة الأنسب للدفاع”، أو “الهجوم أفضل وسيلة للدفاع” هو الرائج في عالم كرة القدم.
ويوضح هذا المصطلح أنه كلما هاجمت أكثر خف الضغط عن دفاعك وكانت الأفضلية لك، ولكن مع مرور الأيام وتطور أساليب كرة القدم تبين أن الهجوم ليس أفضل وسيلة للدفاع وإنما العكس الدفاع هو أفضل وسيلة للفوز.
قالها المدير الفني لنادي أتلتيكو مدريد، دييغو سيميوني، بالفم الملآن “الدفاع هو خير وسيلة للهجوم”، وأضاف عليه الخشونة والقدرة البدنية مما يمنح الفريق الفوز بالاعتماد على فرصة واحدة أو فرصتين خلال المباراة لقتلها.
نظرة تاريخية على أسلوب الدفاع
ابتدع المدرب النمساوي كارل رابان عام 1932 مع فريق سيرفيت السويسري خطة جديدة دفاعية، يعجز المنافسون عن فك شيفرتها، وهي “خطة القفل” والمعروفة بـ”كاتيناتشو”.
ويكون توزيع الخطة في عدة حالات بين الهجوم والدفاع والانتقال بأساليب اللعب من تشكيلة “1-4-2-2-1” إلى “4-1-2-2-1”.
ويعتمد أسلوب اللعب على خط دفاعي مكون من أربعة لاعبين يلعبون بأسلوب الرقابة اللصيقة مع الخصوم (لاعب للاعب)، إضافةً إلى لاعب خامس ذي نزعة دفاعية خلف الخط مباشرةً وأمام حارس المرمى واسمه رجل القفل أو “الليبرو” أو “القشاش”.
ويتكون خط الوسط من قلبين مع جناحين يتقدمان للأمام، وأمام متوسط الميدان المهاجم الوحيد للفريق.
وعلى عكس الصورة النمطية المأخوذة عن “الليبرو” بأنه ذو مهام دفاعية فقط، فهو صاحب مهام هجومية تشابه مهام صناع اللعب الكلاسيكيين (صانع الألعاب) وخاصةً عند الهجمات المرتدة.
لاقى أسلوب كارل رابان نجاحًا كبيرًا مما جعله يعتمد عليه بشكل دائم مع الفرق التي يواجهها، وأهّله لتدريب المنتخب الفرنسي لاحقًا، ومكنته الخطة من الفوز على منتخبات قوية وإقصاء ألمانيا من كأس العالم عام 1938.
ألمانيا التي وقعت بالفخ مرتين
وعاد المنتخب الألماني ليتجرع من نفس الكأس التي أذاقته منها سويسرا، وأقصي بعد 80 عامًا على يد كوريا الجنوبية والمكسيك في مواجهتين مختلفتين تكتيكيًا، ولكن كانت النتائج ذاتها.
وبتحليل المواجهات التي خاضها المنتخب الألماني في دور المجموعات، تستخلص عدة أمور على رأسها أن الكرة الشمولية ليست دائمًا هي الحل، ولا الضغط بالهجوم هو الحل أيضًا.
المكسيك وألمانيا
لعب المنتخب المكسيكي بنفس الخطة الألمانية بلاعب مهاجم صريح وجناحين وصانع ألعاب ولاعبين في متوسط الميدان وأربعة مدافعين بخطة “1-3-2-4″، واختلفت طريقة لعبه بين الشوطين الأول والثاني، أو قبل الهدف الأول وبعده.
وحاول المكسيكيون الضغط في بداية اللقاء وخطف الهدف الأول من ألمانيا، وهذا ما حصل فعليًا في الشوط الأول، ليعودوا في الشوط الثاني ويغلقوا مناطقهم في وجه المد الهجومي الكبير للمنتخب الألماني الذي لم يستطع التقدم وخسر نقاطه الثلاث لصالح المكسيك.
سيطر المنتخب الألماني على 66% من مجريات اللعب في حين بلغ معدل الاستحواذ للمكسيكيين 34%، سددوا خلالها 13 تسديدة أربع منها على المرمى، بينما سدد المنتخب الألماني 26 تسديدة تسع منها على المرمى، وبلغ معدل التمريرات الصحيحة للألمان 87% مقابل 75% للمنتخب المكسيكي الذي سجل الهدف الوحيد في المواجهة.
وتظهر الخريطة الحرارية تحركات كلا الفريقين في الملعب كاملًا خلال 90 دقيقة، إذ تركز الهجوم الألماني في الجانب الأيمن من الثلث الثاني من الملعب في حين غاب الأيسر في الكثير من الأحيان.
وتظهر ذات الخريطة تحركات المنتخب المكسيكي في جبهته اليسرى التي تمكن من خلالها تسجيل هدف الفوز.
ومنع مدافعو المنتخب المكسيكي الهجوم الألماني من تشكيل خطورة كبيرة على المرمى لاسيما في منطقة الـ 16 مترًا، ليضطروا بذلك للاستحواذ على الكرة في وسط الملعبين المكسيكي والألماني.
واختلفت مواجهة كوريا الجنوبية، التي كانت الثالثة والأخيرة في دور المجموعات، عن المواجهة السابقة مع المكسيك من حيث التشكيلة وطريقة لعب المنتخب الكوري الذي حافظ على هدوئه في مناطقه، واعتمد على لعب المرتدات السريعة ومحاولة خطف هدف قاتل والحفاظ عليه.
وأغلق المنتخب الكوري مناطقه منذ الصافرة الأولى للمباراة حتى نهايتها معتمدًا على خطة “2-4-4″، في تشكيل جدار وسط الملعب وإغلاق خطوطه الخلفية والاعتماد على قطع تمريرات لاعبي وسط الماكينات باتجاه الهجوم والارتداد بها وتشكيل الخطورة المطلوبة.
بلغت نسبة استحواذ المنتخب الألماني على الكرة خلال المباراة 74%، في حين استحوذ الكوريون على الكرة بنسبة 26%، فيما بلغت تسديدات “المانشافت” 28 تسديدة، ست منها على المرمى مقابل 12 تسديدة فقط لكوريا الجنوبية من بينها خمس على المرمى.
ويظهر مستوى معدل دقة التمريرات قلة هفوات الألمان، والتي تمكن الكوريون من استغلالها على الرغم من ندرتها، وتسجيل هدفين من هجمتين مرتدتين فقط طوال وقت المباراة.
وبلغ معدل دقة تمريرات المنتخب الألماني 90% مقابل 69% لكوريا الجنوبية.
وتظهر الخريطة الحرارية لتمركز وتركز هجمات ودفاع كلا الفريقين التحرك الألماني بشكل كبير في الثلث الثاني من الملعب، مما يؤكد قوة الدفاع الكوري ومنعه اختراق المهاجمين الألمان لصفوفه وتشكيل خطورة حقيقية أو تسجيل الأهداف، على عكس التحركات القليلة بالنسبة للمنتخب الكوري داخل مناطق العمليات الألمانية، واقتصرت على حركة قليلة أمام منطقة الجزاء الألمانية وليس داخلها.
الدفاع القوي يكسبك نقطة على الأقل
بات تشكيل الخط الدفاعي أهم أساسيات سرقة النقاط والفوز إلى حد ما خلال اللقاءات التي جمعت منتخبات كبيرة مع منتخبات أقل منها حجمًا وكفاءة، وهذا ما حدث في العديد من المواجهات خلال دور المجموعات والأدوار الإقصائية في المونديال الحالي، ولعل المباريات التي خاضها المنتخب الألماني خير دليل، إلى جانب مواجهات أخرى كلقاء الأرجنتين وأيسلندا الذي خطف فيه الأخير نقطة مهمة كادت أن تؤهله لولا الخسارة الأخيرة التي مني فيها أمام كرواتيا.
كذلك الأمر بالنسبة للقاء الذي خاضه المنتخب السويدي مع نظيره السويسري في مواجهات الدور 16، وقد خطف السويديون التأهل، بعد تنسيق عالٍ ما بين الدفاع والارتداد إلى الهجوم ووضع حد لأي اختراق في مناطق عملياتهم.
أما الروس فكانوا أبرز اللاعبين على وتر خط الدفاع، إذ استطاع المنتخب أن يصمد في وجه إسبانيا، أكثر الفرق تمريرًا واختراقًا للوسط، وجعل الدب الروسي من استحواذ “لاروخا” طيلة المباراة استحواذًا سلبيًا، ليخطف هدفًا ويتعادل الفريقان في الأشواط الأصلية والإضافية، ثم يتأهل الروس بركلات الترجيح.
ويعتبر المنتخب الروسي بعد انتهاء الجولة الثانية من نهائيات كأس العالم الأفضل دفاعيًا بعد أن حقق مدافعوه 196 إبعادًا وتدخلًا صحيحًا.
خطة لعب منتخب إسبانيا وروسيا
خطة لعب الأرجنتين وأيسلندا
الخطة المثالية بين الهجوم والدفاع
يبحث المنتخب البرازيلي عن ممارسة كرة قدم جميلة والبحث عن الفوز بأي ثمن، معتبرًا أن المبدأ الأول لا يلغي الثاني والعكس صحيح.
وعلى الرغم من خسارته الأخيرة أمام بلجيكا إلا أن فريق المدرب تيتي لم تستقبل شباكه أي هدف طوال 25 مباراة باستثناء الهدفين الأخيرين في شباكه، اللذين تلقاهما أمام بلجيكا في ربع النهائي.
نجح البرازيليون في تعبيد طريق سهل إلى ربع النهائي، ففي مواجهاتهم السابقة لم يستطع المنتخب السويسري والكوستاريكي والصربي والمكسيكي تسديد سوى خمس تسديدات فقط على مرمى أليسون، وذلك بما لدى البرازيل من دفاع جيد إلى جانب عقلية هجومية ومن توازن بين الجانبين.
وقال ويليان البرازيلي “يبدأ دفاعنا من خط الهجوم، نحاول المساعدة كثيرًا في هذا الجانب، كرة القدم أصبحت معقدة وتنافسية بشكل متزايد”.
ولكن الأمر اختلف في لقاء منتخب بلجيكا، الذي سرق هدفين في شوط المباراة الأول بعد هجمات مرتدة بشكل متكرر على مناطق دفاع البرازيلين.
حاول ممثل أمريكا الجنوبية مضاعفة الضغط على مواقع أبناء بلجيكا الذين ركنوا للدفاع أكثر من الشوط الأول، ولكن في كل مرة كانت الكرة تصطدم بالكثافة العددية للمدافعين وتكتلهم على حامل الكرة ومنعهم من التسديد أو التمرير إلى عمق منطقة الجزاء، وفي حال تمكن أبناء “السامبا” من الوصول إلى التسديد يكون الحارس ثيبو كورتوا بالمرصاد.
وتميل كرة القدم إلى التعقيد التكتيكي أكثر من المهارات، فيما تحاول منتخبات أخرى الجمع بين المهارة الفردية والتكتيك لمحاولة كسب المواجهات التي تخوضها.
ويغلب في حب الفوز والانتقال لمراحل متقدمة أكثر خلال المونديال الحالي الطابع الفني على جمالية كرة القدم، والمهارات الفردية واللعب الجماعي، ما يجعل اللعبة تفقد بعضًا من جمالها وكمالها، ولكن يبقى الذهب والتاريخ هو الهدف الأعلى الذي يضعه كل من منتخب وكل لاعب نصب عينيه.