حلا إبراهيم | ضياء عودة | نور عبد النور | مراد عبد الجليل
ترفض أم محمد تصديق خبر وفاة زوجها المعتقل، وتؤكد أنه لا يزال حيًا، معتمدة بذلك على حدسها، وعلى خبرة متوارثة لدى السوريين، تفيد التشيكيك بأي رواية يسوقها النظام حول المعتقلين.
“أخبرني أحد الاشخاص الذين زاروا دائرة السجل المدني في مدينة السقيلبية بوجوب حضوري لتوفية زوجي”، تقول أم محمد، التي تحفظت على اسمها الكامل لأسباب أمنية، مضيفة لعنب بلدي “يريدون بذلك ألا أسأل عنه وألا أطالب به”.
اعتقل أبو محمد، وهو من سكان بلدة السقيلبية بريف حماة، بداية عام 2013 في فرع المخابرات الجوية في المزة بدمشق، تاركًا خلفه زوجة وستة أطفال، نصفهم من القاصرين.
ومنذ ذلك الحين تحولت حياة زوجته إلى كفاح مستمر لإعالة أطفالها، كما زادت رحلة النزوح مشقتها، وجعلتها حبيسة إحدى أحد المخيمات التركية، بانتظار “الفرج” الذي طالما ربطته “بعودة زوجها سالمًا”.
لم تذهب أم محمد لتستلم شهادة وفاة زوجها، ليس فقط بسبب حالة “الإنكار” التي تعيشها، ولكن لأسباب أمنية أيضًا، إذ تخشى اعتقالها كونها مقيمة في تركيا، وزوجة معتقل.
تقول أم محمد لعنب بلدي، “النظام لا يحتاج مراجعتي كون الوفاة تمت على السجلات، وهو ما أكده لي العديد من الأشخاص الذين وصلتهم تبليغات مماثلة”.
تحركات سريعة ومتزامنة لتوفية معتقلين
رصدت عنب بلدي مؤخرًا تزايد حالات إعلام أهالي المعتقلين في عدد من المناطق بوفاة أبنائهم في سجون النظام السوري، الذي يستخدم دوائر النفوس للتبليغ، بعد أن كان يكتفي بتسليم متعلقات أبنائهم الشخصية مع ورقة صغيرة تخبر أنهم فارقوا الحياة بسبب عارض صحي.
رئيس المجلس المحلي في قبر فضة بريف حماة، عبد المعين المصري، قال لعنب بلدي إن “النظام عمد مؤخرًا إلى تبليغ أهالي المعتقلين عن طريق دوائر النفوس، من أجل إظهار أن الوفاة كانت طبيعية ومقيدة بسجلات النفوس، بعكس ما تروج له المعارضة عن الوفيات المغيبة، ومن أجل طمس الجريمة وإخفاء معالمها بوفاة طبيعية”.
وتسجل واقعة الوفاة في النفوس على أنها حدثت في عام 2015، مع الطلب من الأهل عدم الحديث عن هذه الوفاة لأحد.
مدينة معضمية الشام بريف دمشق شهدت أيضًا في الأسابيع الأخيرة حالات توفية لعدد من معتقليها، إذ نشرت دائرة النفوس في المعضمية أسماء 165 معتقلًا من أبناء المدينة قتلوا تحت التعذيب في الفروع الأمنية التابعة خلال السنوات الماضية.
الأمر ذاته تم في مناطق سورية عدة، مثل داريا والزبداني واللاذقية بالتزامن، وهو ما طرح أسئلة حول سبب هذا التحرك في الوقت الحالي، وأبعاده السياسية، وسط تخوف من توجه النظام لطمس ملف المعتقلين.
من أرقام إلى قوائم رسمية
يقول مروان العش، أمين سر اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات، في حديث لعنب بلدي، “يوم 4 من تموز الجاري الحالي وردتنا معلومات أن هناك قوائم سلمت في دمشق وريفها منذ الأسبوع الماضي، وتسربت قائمة منها، لم ننشرها، فيها اسم الشهيد المهندس الفلسطيني السوري باسل خرطبيل الصفدي، الذي قيل فيها إنه توفي نتيجة أزمة قلبية”.
ويشرح العش كيف يحاول النظام الالتفاف على نظام المحاسبة بنشر قوائم لأسماء معتقلين تم إرسالها إلى سجلات النفوس للعمل على توفيتهم هناك أصولًا، ودائمًا يكون سبب الوفاة “طبيعيًا”.
ويضيف، “باسل كان زميلي في الاعتقال وهو محال للمحكمة الميدانية العسكرية ولكنه مودع في سجن عدرا وتم ترقين (شطب) قيده من السجن، واقتياده إلى مكان مجهول ثم تبين أنه تم تنفيذ حكم الإعدام به في سجن صيدنايا”.
المحامية نورا غازي الصفدي، زوجة باسل خرطبيل الصفدي، أوضحت أن اسم زوجها لم يرد في أي قائمة، وأكدت أنه في حال تم تنفيذ حكم الإعدام بزوجها أو أي معتقل آخر فلا يذكر سبب الوفاة، ولا تصدر شهادة وفاة أساسًا، وإنما تقوم المحكمة الميدانية بإرسال أمر إلى دوائر الأحوال المدنية لتوفية الشخص المعدوم، دون ذكر السبب.
وعن أبرز المناطق التي شملت القوائم أسماءً لأبنائها، يوضح مروان العش، “وصلتنا أخبار متتابعة أن هناك شهادات وفاة أرسلت من وزارة الداخلية إلى إدارة السجل المدني ثم إلى شعب السجل المدني في المناطق والنواحي والمدن (…) وهي ثلاثة قوائم رئيسية، واحدة من داريا وأخرى من المعضمية وجزء من قائمة حماة، بينما توصلنا إلى جزء من قائمة الزبداني بجهود شخصية، وبمتابعة من عدة جهات”.
جاءت القوائم بمجموعتين، قائمة شهادات وفاة أصدرتها المشافي العسكرية (تشرين، المشفى العسكري 601، ومشفى حرستا العسكري، وبعض النقاط الطبية الأخرى)، وكان سبب الوفاة في هذه القوائم “الوفاة بأمراض سارية ومعدية”، رغم أن بعض الضحايا قتلوا تحت التعذيب، إلى جانب شهادات يكتب فيها عبارة، “بناء على قرار محكمة الميدان الأولى والثانية”، وهؤلاء يكونون قد أعدموا بموجب أحكام المحكمة الميدانية.
وضمت القائمة الخاصة بالمعضمية مثلًا، 20 حالة إعدام، والبقية تحت التعذيب أو بالأمراض السارية.
من لم يمت تحت التعذيب مات بـ “القوباء”
وعلى الرغم من الشكوك حول حقيقة وفاة جميع من ينشر النظام أسماءهم ضمن القوائم في مديريات النفوس، إلا أنلكن أسباب الوفاة داخل المعتقلات كثيرة حقًا.. وإن كان الإعدام أبرزها، إلا أن الأمراض الناتجة عن ظروف الاعتقال تودي شهريًا بحياة مئات المعتقلين وفق شهادات لمعتقلين سابقين.
تتألف الزنزانات الجماعية داخل المعتقلات من غرف مغلقة طولها خمسة أمتار وعرضها خمسة أمتار، فيها ضوء بسيط جدًا انعكاس للشمس، تفتقر لأبسط شروط الحياة البشرية، ويجلس فيها أكثر من مئة شخص، بعضهم يتعرضون لحالات ضيق تنفس نتيجة عدم وجود تيار هوائي، بالإضافة إلى تفشي الأمراض الجلدية نتيجة سوء النظافة.
هذا النظام ليس معممًا على كل المعتقلات في سوريا، إلا أنهلكنه يمثل تصورًا تقريبيًا عن ظرف المعتقلين، وأحيانًا تضم الزنزانات “الانفرادية” (2.7*3 متر) أكثر من 20 معتقلًا.
“القوباء”، هي التي غالبًا ما تتسبب بوفاة المعتقلين الذين لا يموتون تحت التعذيب، وهي جرثومة تدخل الجلد المفتوح من الجروح والكسور نتيجة التعذيب، وتؤدي إلى الموت، على حد وصف مروان العش الذي كان نزيل إحدى تلك الزنزانات.
“تذليل عقبات التفاوض بتوفية المعتقلين”
النظام يحاول تقليص ورقة المعارضة الأخيرة
أثارت تحركات النظام الأخيرة لتوفية أعداد من المعتقلين مخاوف المعارضة حول محاولة حرق ورقة المعتقلين قبل الدخول في أي مفاوضات، خاصة مع التوجه لعقد مؤتمر “سوتشي” على غرار “أستانة” نهاية تموز الحالي.
ورغم أن المعارضة لم تؤكد بعد حضورها المحادثات المقبلة، لكنها فعليًا لم تعد تمتلك أي أوراق ضغط على النظام في أي جولات تفاوضية عدا ملف المعتقلين، بعد أن بات الملفان العسكري والسياسي خارج يدها.
عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض، ياسر فرحان، اعتبر في لقاء مع عنب بلدي أن “النظام يقوم بسلسلة إجراءات استباقية لينفي وجود أي قضية لها علاقة بالمعتقلين، كما يحاول حل الموضوع الذي يشكل له عقبة أساسية، والذي يمنع إعادة إنتاجه وتأهيله ويقوده إلى العدالة والمحاسبة”.
وأضاف أن النظام يهرب من ملف المعتقلين، وأنه وروسيا يحاولان أن يقلبا ملف المعتقلين إلى قضية تبادل أسرى.
ويرى المحامي أنور البني، مدير مركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، أن لجوء النظام إلى إرسال هذه القوائم حاليًا يأتي في سياق تغطية جرائمه التي ارتكبها في المعتقلات.
ويلفت البني إلى أن هذا التوجه جاء بعد الشهادات المعروضة في الدعاوى التي قدمها ناجون من المعتقلات في محاكم أوروبا، حين وصفوا كيف يتم قتل المعتقلين تعذيبًا أو جوعًا بسبب عدم العناية الصحية، إذ يتوقع النظام أن يتم فتح هذه الملفات في سوريا، من قبل محاكم ومنظمات حقوقية أوروبية.
“بالتالي يجهز النظام الأدلة القانونية التي يعتقد أنها يمكن أن تنقذه من التسبب بقتل عشرات الآلاف في السجون، وهذه الخطوة ليست ذات جدوى وهي مجرد محاولة فاشلة، وهي من جهة أخرى يمكن أن تبرد قلوب أهالي عشرات الألوف من أهالي المعتقلين بتخفيف قلقهم وابتزازهم من قبل بعض عناصر النظام”، وفق تعبير البني.
أكثر من مجرد “ملف”..
تحركات للمعارضة من أجل “قضية المعتقلين”
على الرغم من أن المعتقلين السوريين يشكلون أحد ملفات الصراع السوري، لكنهم مع تراجع العمليات العسكرية وانحسار إمكانية تحصيل أي مكاسب سياسية للمعارضة، أصبحوا القضية الأبرز بالنسبة للمعارضة، على اعتبارها قضية إنسانية بحتة، تخفي خلفها جرائم حرب لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلًا لها.
ويستمر تحرك المعارضة لإحراز تقدم على مستوى قضية المعتقلين، ووفق عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض، ياسر فرحات، فإن “ملف المعتقلين لم يتم تهميشه بالنسبة للمعارضة لأنه يتعلق على الأقل بخمسة ملايين إنسان سوري من المعتقلين وذويهم الذين يعيشون القهر والانتظار والألم بشكل يومي”.
ويضيف فرحان في لقاء مع عنب بلدي “الأسبوع الماضي حضرنا في جنيف اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، وطرحنا قضية المعتقلين من خلال ندوة دعت إليها منظمة (لا سلام بدون عدالة) بالتنسيق مع المعارضة، واجتمعنا مع اللجنة الدولية للتحقيق ومع فريق دي ميستورا، وكانت الأجندة حول المعتقلين فقط، كما كان لنا لقاء مع الصليب الأحمر الدولي لتحريك الموضوع”.
وحول الهيئات والجهات الرسمية للمعارضة التي تقود التحرك من أجل قضية المعتقلين، أوضح فرحان أن “الهيئة الوطنية السورية للدفاع عن المعتقلين والأسرى” تدعم الجهود التي قام بها الحقوقيوين في تحريك الدعاوى ضد النظام، لافتًا إلى أن الهيئة تشكلت بقرار من الائتلاف الوطني السوري، وتعمل بصورة مستقلة وتتعاون مع المنظمات الحقوقية.
ويشير فرحان إلى وجود أمل فيما يخص قضية المعتقلين، ويقول، “استطعنا من خلال أستانة إنجاز شيء مهم، مفاده أن التفاهمات أنجزت باتجاه إخضاع الموضوع لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، والذي من ضمن مهامه حماية الأفراد من سلوك الحكومات المستبدة، وليس وفق أحكام القانون الدولي الإنساني والذي يساوي بين الأطراف غالبًا في زمن الحروب”.
لكن “بعض الأطراف الدولية تحاول أن تترك الملف إلى ما بعد الاتفاق النهائي على الحل في سوريا كي لا يعيق التفاهمات الدولية للسلام”، وفق فرحان الذي يرفض هذا الطرح، مضيفًا، “نحن من وجهة نظر قانونية ضد هذا التصور، ونرى أن هذاه الملف ليس تفاوضيًا وليس للمساومة والابتزاز السياسي، يجب إطلاق سراح المعتقلين والمطالبة بهم، وفتح السجون أمام المنظمات الدولية لتقييمها وإلزام النظام بتقديم قوائم بالمعتقلين لديه وكشف مصير المفقودين ويتوقف والتوقف عن الاعتقال التعسفي”.
“أنقذوا البقية”..
حقوقيون يتحركون من أجل المعتقلين
أنشئت محكمة الإرهاب في سوريا بموجب المرسوم “رقم 22” لعام 2012، على أنقاض محكمة أمن الدولة، بهدف محاكمة الأشخاص الذين تقول الرواية الرسمية إنهم يهددون أمن الدولة، سواء بجرائم الانتماء إلى جماعات مسلحة، أو تمويل الإرهاب، أو التظاهر وغيرها من الجرائم المستحدثة زمن الثورة في سوريا.
ولكن رغم إحداثها، بقي عشرات الآلاف من المختفين قسريًا لم يعترف النظام بوجودهم لديه، وبقي متشبثًا بمقولة إن جميع المعتقلين يحاكمون أمام القضاء.
ثم حاول النظام تفتيت ملف المعتقلين عبر سياسة “التنقيط”، فيفرج عن بعض المعتقلين سواء بعفو أو بتسويات ثم يتبع سياسة “الباب الدوار” باعتقال آخرين على الحواجز الأمنية أو بمداهمات.
ومع غياب الأرقام الرسمية، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وجود أكثر من 118 ألف معتقل سوري بالأسماء، 88% منهم موجودون في معتقلات النظام السوري، إلا أنلكن التقديرات تشير إلى أن العدد يفوق الـ 215 ألف معتقل.
كما وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل أكثر من 13 ألف شخصًا تحت التعذيب في سوريا، 99% منهم أيضًا على يد النظام.
وفي هذا السبيل يحاول ناشطون حقوقيون التواصل مع ذوي المعتقلين في مبادرات عدة، من أبرزها “أنقذوا البقية”، بغية حفظ حق المعتقل المقتول أو المتوفى من جهة، وتوثيق واقعة الاعتقال من قبل أهالي المعتقلين في إحدى منظمات حقوق الإنسان، ثم تتابع المنظمة ما إذا أفرج عن المعتقل أو بقيما زال قيد الاعتقال.
ويتم توثيق الأسباب “الحقيقية” لوفاة المعتقلين بشهادة الشهود في المنظمات الدولية وفي بعض الدول التي أقيمت فيها دعاوى شهود ممن خرجوا من المعتقلات، قدموا وثائق وشهادات وحالات موثقة تمت مقاطعتها مع صور “قيصر” وكل هذه المنظمات والدول توصلت إلى نتيجة واحدة وهي أن النظام يقتل المعتقلين بأساليب متعددة ويحاول الهروب بجريمته على اعتبار أنهم توفوا.
يقول مروان العش، أمين سر اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات، “يومًا ما إذا استطاعت هذه المنظمات الوصول إلى جثث المعتقلين أو إلى بقايا جثثهم، وباعتماد شهادات الشهود أمام القضاء بصورة قانونية خاصة في ألمانيا وفرنسا والنمسا والسويد والدنمارك، فستكون خطوة إيجابية جدًا للأمام لكي نبين أن هؤلاء قتلوا تحت التعذيب إما المباشر أو لسبب ناتج عن التعذيب وهو الأمراض”.
من هو “قيصر”
“قيصر” لقب أطلق على عسكري سوري سابق انشق عن النظام وسرّب عشرات آلاف الصور لضحايا التعذيب من المدنيين السوريين، اعتمدت عليها لجنة التحقيق الدولية المكلفة ببحث جرائم الحرب في سوريا لإثبات وقوع انتهاكات على يد النظام السوري. |
ويؤكد العش أن “الأسماء الواردة في القوائم معظمها اعتقال أعوام 2011 و2012 و2013 والذين لم يظهروا بصور (قيصر) ظهروا في هذه القوائم، تم التعرف على حوالي نصفهم، بينما لم يتم التعرف على الباقيالبقية”.
ويضيف “شهادات ملف قيصر بينت الجانب المخفي من القضية، وحفظًا لحق المعتقل الشهيد، فمن واجب أهالي المعتقلين توثيق الاعتقال بإحدى منظمات حقوق الإنسان، فهناك منظمات تستقبل هذه المعلومات عن طريق توثيق تاريخ الاعتقال والجهة المعتقلة وظروف الاعتقال، وآخر مشاهدة أو معلومة عن المعتقل، وهذا ضروري جدًا للتوثيق”.
وفي حال كان ذوو المعتقل يحملون إقامة دائمة أو مؤقتة في إحدى الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا، أو النمسا، أو وفرنسا، أو يحملون جنسية هذه الدول ومعهم إقامة مؤقتة أو إقامة دائمة أو جنسية فبإمكانهم اللجوء إلى القضاء فيها وتقديم تلك الدول ويقدموا دعاوى شخصية، فالقضاء الأوروبي لديه الولاية العالمية للقضاء، وخاصة في ألمانيا إذ توجد مادة في الدستور لمتابعة منتهكي حقوق الإنسان.
القانون الدولي يضمن حقوق المعتقلين وذويهم
يتخذ النظام المعتقلين ورقة تفاوض وابتزاز ومساومة، وخاصة من بقي منهم على قيد الحياة فيكونون وسيلة لتمرير مطالب سياسية له، وهذا يتنافى مع قواعد القانون الدولي.
فالمعتقل هو إنسان تضمن له اتفاقية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 مجموعة من الحقوق أهمها الحق في البقاء على قيد الحياة.
ولضمان حقوق المعتقلين في دول العالم، أصدرت المنظمات الدولية قرارات وتوصيات خاصة بحقوق السجناء بالاعتماد على مقررات مؤتمر الأمم المتحدة في جنيف، إذ تم إقرار القواعد النموذجية لمعاملة السجناء، وهي عبارة عن مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، وضمان معاملتهم بإنسانية والحفاظ على كرامتهم الإنسانية الأصيلة، والتمتع بالحقوق المتعارف عليها في المواثيق الدولية، كحق المعتقل في التظلّم مما يتعرض له في السجن من ممارسة غير قانونية من قبل السلطة.
ولا يجوز أبدًا أن تستخدم السلطة أدوات تقييد الحرية كالأغلال والسلاسل والأصفاد وثياب التكبيل كوسائل للعقاب، كما يجب أن يعرف المعتقل أسباب اعتقاله، وحق الإدلاء بالأقوال بحضور محاميه.
مسؤولية النظام
تقع المسؤولية الأولى والأخيرة على عاتق النظام الذي يسيطر على الأفرع الأمنية، و”لن ينجو أحد من المحاسبة وفق القانون السوري والقانون الدولي”، بحسب تعبير مروان العش، أمين سر اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات، فتطبيق أحكام المحاكم الميدانية استنادًا إلى قانون الطوارئ لا يفترض أن يسري على المدنيين وفق القانون الدولي، وتوجد لمحاسبة العسكريين في ظروف الحرب محاكم استثنائية وليس لها صفة المحاكم القانونية بشرعة الأمم المتحدة.
ويقول القاضي السابق أنور مجني، في حديث إلى عنب بلدي، “يتبادر إلى الذهن أن النظام يبيض سجونه وسجلاته بحجة أن هؤلاء المعتقلين توفوا بأسباب طبية للتنصل من المساءلة، لكني أرى أن هذه القوائم يمكن أن تشكل دليل إدانة ضده، فهؤلاء الأشخاص كانوا معتقلين لديه ولم يحالوا إلى القضاء خلال المدة القانونية، وهذا يشكل جرائم يحاسب عليها لاحقًا”.
ويشرح العش ظروف الاعتقال في الأفرع الأمنية لدى النظام وسجن صيدنايا، فيقول “سياسة النظام دائمًا الإنكار المطلق لأي معتقل لديه، علمًا أن هذا المعتقل احتجز على الأرض السورية، والدولة هي المسؤولة عن حياته كما نص القانون الدولي، والاعتقال التعسفي وممارسة أبشع أنواع التعذيب وزج أعداد كبيرة من المعتقلين في أماكن ضيقة وغير مؤهلة للحياة تعرضهم للوفاة وهذا ما شاهدته بأم عيني كشاهد عيان”.
معتقلون وليسوا “أسرى حرب”
يحاول النظام تمرير فكرة أن المعتقلين هم “أسرى حرب”، متساوون مع مقاتليه الذين يتم أسرهم لدى فصائل معارضة، لكن ذلك لا يمكن أن ينطبق عليهم لكونهم مدنيين وسلميين.
وذلك يعني ضرورة إطلاق سراحهم وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان ووفق نصوص القرارات الدولية، بدءًا من مبادرة كوفي عنان المتضمنة في قرارات مجلس الأمن 2042 و2043 في عام 2011، وليس انتهاءً بالقرار 2254، وفق ما أكده عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض، ياسر فرحان.
هل يعتبر إرسال قوائم الوفيات قانونيًا؟
القانون الذي يحكم هذه القضية هو قانون الأحوال المدنية الصادر بالمرسوم التشريعي 26 لعام 2007، والذي يحدد يضع الشروط الواجب توفرها لتسجيل واقعة الوفاة.
وأي واقعة وفاة يجب أن تسجل ضمن المدة القانونية، وفي حال تسجيلها بعد مدة عام من الوفاة يجب تنظيم ضبط إداري من قبل أمين السجل المدني، بالإضافة إلى تحقيق بالوفاة عن طريق ضبط شرطة، فالمعلومات الموجهة إلى أمين السجل المدني لا تكفي قانونيًا لتسجيلها، إذ توجد وسائل قانونية لتسجيل الوفاة، منها قرار قضائي أو ضبط شرطة.
بينما يؤكد مروان العش أن استلام شهادة الوفاة لا يحتاج إلى إخبار، إذ يمكن لأي شخص من العائلة بمجرد انتمائه لنفس الخانة في دائرة النفوس أن يتستلم الشهادة.
ويناشد العش من خلال عنب بلدي أهالي المعتقلين لإعلام المنظمات الحقوقية بالأسماء المذكورة ضمن القوائم، ويقول “هناك قوائم أخرى ترسل إلى محافظات أخرى ولكن ليس لدينا قنوات للتواصل معها، نرجو من المواطنين الذين تصلهم هذه القوائم إعلامنا بها لنتمكن من التواصل مع المنظمات الحقوقية ومع الجهات الإنسانية”.
سجون الأسد..
معتقلات أمنية بهيئة “مسالخ بشرية”
تحولت الأفرع الأمنية والسجون في سوريا خلال سنوات الثورة الماضية، إلى “مسالخ بشرية” نتيجة الإعدامات التي تتم داخلها لأشخاص معارضين للنظام السوري، بحسب تقارير لمنظمات حقوقية.
تنقسم السجون في سوريا إلى قسمين، رسمية مثل سجن دمشق المركزي (عدرا)، وسجن عدرا المركزي للنساء، وسجن حلب المركزي، وسجن حماة المركزي.
وأشهر السجون صيدنايا الواقع شمالي دمشق، ويعتبر أكبر السجون في سوريا، وتم تشييده في عام 1987 على أساس سجن عسكري من أجل اعتقال العناصر والضباط المخالفين للقوانين العسكرية.
لكن السجن تحول فيما بعد إلى مكان اعتقال أصحاب الفكر السياسي والناشطين السياسيين أو أي شخص إسلامي يشعر النظام بأنه خطر عليه، ليكون السجن من البقع الغامضة على الأرض، حتى بات حال لسان حال السوريين يقولب “الداخل إلى صيدنايا مفقود والخارج منه مولود”.
وشهد السجن تصفيات جماعية كان أبرزها في أثناء اقتحامه من قبل الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، عام 2008.
ووجهت منظمات حقوقية، وأبرزها “العفو الدولية”، اتهامات متكررة إلى النظام السوري بسبب السجن، واصفة إياه بأنه “المكان الذي تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء”، وتحدثت عن “روايات مرعبة” حول التعذيب، وتعدّد طرقه داخل أروقة السجن، فمنها السلق بالمياه الساخنة وصولًا إلى الضرب حتى الموت، وانتزاع الأظافر، ونتف الشعر واللحية، إلى جانب الإعدامات الميدانية التي تتم دون محاكمة وخارج القضاء.
معتقلات أمنية لوأد التظاهرات
وإلى جانب السجون الرسمية، اعتمد النظام على المعتقلات الأمنية التابعة لأفرع المخابرات في قمع المتظاهرين ضده في سنوات الثورة الأولى، حتى اكتظت بالمعتقلين وصارت أشبه بالسجون.
ومن أشهر المعتقلات الأمنية مقرات فرع المخابرات الجوية، الذي يعتبر من أكثر الأجهزة ولاء للنظام برئاسة جميل حسن، وتيتبع له عدة فروع في مناطق مختلفة أشهرها فرع مطار المزة العسكري، وفرع 261 الشهير بتعذيب المعتقلين.
كما يعتبر فرع 235، المشهور باسم “فرع فلسطين”، من أهم أفرع المخابرات العسكرية في سوريا، ويقع في منطقة القزاز بدمشق ويشتهر بتعذيبه الوحشي للمعتقلين إلى جانب حالات الاغتصاب، إلى جانببالإضافة إلى الفرع 215 وفرع التحقيق العسكري (248).
كما توجد أفرع أمنية تابعة لفرع أمن الدولة أهمها الفرع 255 والفرع 251، لا تقل وحشية عن المعتقلات السابقة في تعذيب المعتقلين.