عنب بلدي – ضياء عودة
دخلت قوات الأسد والميليشيات المساندة لها الجنوب السوري بعد 17 يومًا من بدء الهجوم البري، وما رافقه من جلسات تفاوضية دخلت فيها روسيا كطرف أساسي، لتتمكن من فرض الرؤية العسكرية للنظام السوري على المنطقة وتتحكم بمستقبلها.
تطورات كبيرة شهدتها الأيام الماضية، لم تكن وتيرتها السريعة متوقعة، فتقدم قوات الأسد إلى مناطق المعارضة جاء بصورة مختلفة عما شهدته الجبهات الأخرى، إذ تمكنت من التوغل في مساحات واسعة في الريف الشرقي لدرعا، لينتقل الأمر فيما بعد إلى اتفاقيات تسوية كانت النقطة الأساسية لسقوط المناطق بشكل كبير على حساب الفصائل المعارضة المنتشرة فيها.
وبالتوازي مع المعارك، استحوذت جولات التفاوض بين الفصائل والروس على مشهد الجنوب، إذ بلغ عددها خمس، وكانت الأخيرة الحاسمة فقد أفضت إلى اتفاق بدخول قوات الأسد والشرطة الروسية لمناطق سيطرة الفصائل، بعد تسليم السلاح الثقيل والخفيف والمتوسط وخروج من لا يرغب بالتسوية إلى الشمال السوري.
ويشبه الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الجانبين ما شهدته الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي وأحياء حلب القديمة في عام 2016، بدءًا من التصعيد العسكري للمنطقة حتى الوصول إلى اتفاقيات “استسلام” لفصائل المعارضة لصالح النظام السوري وحلفائه.
على ثلاث مراحل
وقف إطلاق النار كان الخطوة الأولى للاتفاق، وشهدت معظم مدن وبلدات ريف درعا الشرقي وأحياء درعا البلد هدوءًا بعد تسريب البنود الأساسية للاتفاق، والتي تنفذ على ثلاث مراحل بدأت الأولى منها في السادس من تموز الحالي، بدخول قوات الأسد والشرطة الروسية إلى معبر نصيب الحدودي بعد سنوات من سيطرة فصائل المعارضة عليه.
أما المرحلة الثانية فتبدأ بتقدم قوات الأسد والميليشيات المساندة لها من معبر نصيب الحدودي إلى منطقة خراب الشحم، لتليها مرحلة ثالثة يمتد فيها نفوذ الأخيرة من خراب الشحم إلى محيط حوض اليرموك حتى حدود مدينة نوى في الريف الغربي.
وأعلنت قوات الأسد، الجمعة 6 من تموز، السيطرة الكاملة على معبر نصيب، وعرضت وسائل إعلام النظام السوري تسجيلات مصورة أظهرت دخول العشرات من عناصر النظام إلى المعبر، ورفع علم النظام عليه.
وبحسب المتحدث باسم غرفة عمليات “البنيان المرصوص”، الملقب “أبو شيماء”، يضم الاتفاق الحالي المناطق الخاضعة للمعارضة من بصرى الشام إلى حوض اليرموك، بينما تبقى مناطق المعارضة في الريف الشمالي الغربي لدرعا والقنيطرة خارج أي اتفاق.
خروج دفعات من المقاتلين الذين لا يرغبون بتسوية أوضاعهم مع النظام السوري كان على رأس بنود الاتفاق، وأفضى إلى نشر الشرطة الروسية في المناطق التي تقدمت إليها قوات الأسد في درعا، وأولها الجيزة، كحيل، السهوة، المسيفرة.
وجاء فيه عودة جميع النازحين إلى مدنهم وقراهم التي خرجوا منها، وستكون إدارة معبر نصيب مشتركة بإشراف روسي، ويرفع علم النظام السوري عليه فقط.
أما موضوع المنشقين والمطلوبين أمنيًا فنص الاتفاق على تسوية أوضاعهم خلال فترة زمنية تحدد لاحقًا، بينما تنتشر قوات الأسد في مواقعها ما قبل عام 2011، ضمن اتفاق فصل القوات الأممي في الجولان.
وسيكون تسليم السلاح الثقيل والخفيف بشكل تدريجي، وتخضع محافظة درعا بالكامل لإدارة النظام السوري، مع مشاركة بعض الشخصيات التي سوّت أوضاعها.
وفيما يتعلق بالجبهات العسكرية، وضع الاتفاق الطريق الحربي الذي يصل الريفين الشرقي والغربي لمحافظة درعا تحت سيطرة النظام بشكل كامل.
لمعبر نصيب أهمية بالنسبة للنظام السوري، فبالسيطرة عليه يعيد العلاقات الاقتصادية مع الأردن ويخفف الحصار المفروض عليه، ما يعيد إليه الشرعية لكونه يتحكم بالحدود والمعابر الحدودية.
ومن الناحية الاقتصادية يبحث النظام عن تصدير منتجاته إلى السوقين الأردنية والخليجية، إضافة إلى تحقيق عوائد مالية ضخمة ورفد خزينته من القطع الأجنبي من خلال الجمركة على المعبر والترانزيت عبر دخول الشاحنات الأردنية إلى سوريا، إضافة إلى مرور الشاحنات اللبنانية عبره. |
القنيطرة خارج الاتفاق
وبحسب بنود الاتفاق يعتبر الريف الشمالي الغربي لدرعا ومحافظة القنيطرة خارج ما تم التوصل إليه، وبحسب ما قالت مصادر مطلعة على المفاوضات لعنب بلدي، عرضت البنود على القادة المسؤولين في المناطق المذكورة.
وأوضحت المصادر أن الريف الشمالي الغربي لدرعا وافق على الدخول في عملية التفاوض وخاصة مدن انخل، جاسم، وكامل منطقة الجيدور، دون تحديد الموقف الأساسي سواء على غرار ما تم التوافق عليه في الريف الشرقي، أو التوجه إلى اتفاق آخر يختلف في بنوده وطريقة تنفيذه.
أما محافظة القنيطرة فلم تبدِ أي موقف، سواء بالدخول في التفاوض أو الموافقة على اتفاق الريف الشرقي، وبحسب المصادر يتعلق مستقبل القنيطرة بالتفاهمات الروسية- الإسرائيلية على خلاف محافظة درعا، والتي أعطت فيها أمريكا الضوء الأخضر لروسيا للدخول إليها، بعد رفع يدها عن الفصائل بشكل كامل.
وشهدت محافظة القنيطرة بعد توقيع الاتفاق بساعات قصفًا متبادلًا بين الفصائل العسكرية العاملة فيها وقوات الأسد التي حشدت في الأيام الماضية على الطرف المقابل، الأمر الذي اعتبر إشارة إلى رفض الاتفاق بشكل كامل.
وفي وقت سابق، كانت فصائل القنيطرة قد شكلت غرفة عمليات موحدة تحت مسمى “النصر المبين”، وقالت إنها لحفظ المناطق “المحررة” من الحملات العسكرية التي تهدف لتهجير أهلها.
وتعمل عدة فصائل معارضة في ريف القنيطرة بينها “هيئة تحرير الشام”، “الفرقة 404″، “ألوية صلاح الدين”، “الفرقة الأولى مشاة”، “لواء شهداء القنيطرة”، “ألوية الفرقان”، و”حركة أحرار الشام الإسلامية”.
ما مصير “جيش خالد”؟
مع الحديث عن قرب إغلاق ملف الجنوب لصالح قوات الأسد وروسيا، يبقى مصير المناطق التي يسيطر عليها فصيل “جيش خالد بن الوليد” التابع لتنظيم “الدولة الإسلامية” مجهولًا، خاصة مع تأكيد قوات الأسد استلام الجبهات المحاذية لمناطق سيطرته بموجب الاتفاق المبرم.
وشهدت مناطق الفصيل في الأيام الماضية تحركات عسكرية عديدة، بدءًا من العروض العسكرية التي قام بها في حوض اليرموك، وصولًا إلى المعسكرات التي أقامها للشبان الجدد الذين انتسبوا إليه بعد تهاوي مناطق المعارضة أمام قوات الأسد.
وفي تسجيل مصور نشرته وكالة “أعماق”، 4 من تموز، أظهر تجهيز الفصيل لآلياته وعرباته الثقيلة، بالإضافة إلى عشرات العناصر في أثناء قيامهم بمعسكر تدريبي.
ودعا قائد عسكري من “جيش خالد” ضمن التسجيل أهالي درعا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة للالتفاف حول المقاتلين التابعين له، في إشارة إلى عملية عسكرية قد يبدؤها في الأيام المقبلة.
لكن وبحسب ما يفرضه المشهد الميداني الحالي لا ينوي “جيش خالد” بدء أي عمل عسكري تجاه قوات الأسد في الأيام المقبلة بعد استلامها الجبهات على خط التماس، بل سيتجه إلى تعزيز جبهاته الأساسية لصد أي هجوم محتمل، والتي تمكن على مدار السنوات الماضية من عرقلة أي محاولة اقتحام من جانب فصائل المعارضة.
وسيطر الفصيل على معظم بلدات حوض اليرموك، بعد أن شن هجومًا مباغتًا في شباط الماضي، انتزع إثره بلدات وتلالًا أبرزها سحم الجولان وتسيل وتل الجموع، ويتمركز مقاتلوه في مناطق حوض اليرموك وقرية جملة وعابدين الحدوديتين مع الجولان المحتل، إضافة لمنطقة القصير وكويا على الحدود مع الأردن.
وفي وقت سابق، فتح الفصيل معبر جلين- مساكن جلين، في 27 من حزيران الحالي، بموجب اتفاق مع فصائل المعارضة العاملة في ريف درعا الغربي.
ويريد “جيش خالد” من استقبال النازحين كسب الحاضنة الشعبية، خاصةً بعد انسحاب الفصائل من مناطق في درعا لصالح قوات الأسد.