عنب بلدي – مراد عبد الجليل
تتجه أنظار العالم، والسوريين بشكل خاص، إلى قمة الرئيسي الأمريكي، دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة الفنلندية (هلسنكي) في 15 من الشهر الحالي.
القمة تعتبر الأولى بين الرئيسين منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض بداية العام الماضي، إذا استثنينا لقاءهما على هامش مؤتمرات دولية، إذ سبق أن التقيا في اجتماع مجموعة العشرين التي عقدت في ألمانيا في تموز العام الماضي، وتلتها قمة فيتنام في تشرين الثاني.
وتعقد القمة في ظل تعقيدات سياسية وتضارب مصالح الطرفين في عدة أمور، خاصة في منطقة الشرق الأوسط والمعارك العسكرية التي تدور في سوريا، باعتبار الطرفين قطبين من أقطاب النزاع السوري ويحاول كل قطب منهما كسب القضية لصالحه.
كما تأتي القمة بعد جفاء سياسي بين البلدين واتهام واشنطن لموسكو بالتدخل في الانتخابات الأمريكية، إضافة إلى تصريحات بلهجة تصاعدية وصلت إلى إمكانية التصادم العسكري فوق الأراضي السورية.
الرئيسان يهدفان لعلاقة روسية- أمريكية
بالرغم من بقاء أيام قليلة على القمة التي يمكن وصفها بالتاريخية، يلف الغموض حتى الآن أجندتها وبرنامج عملها والمواضيع التي سيناقشها الرئيسان، في ظل عدم وجود لقاء مسبق بين وزيري خارجية البلدين، ما أثار قلق الدول الأوروبية من عقد أمريكا اتفاقات مع روسيا على حساب الاتحاد الأوروبي، خاصة أن لدى الرئيس الأمريكي تجربة مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الشهر الماضي.
مسؤول في الإدارة الأمريكية أشار، الخميس الماضي، إلى المواضيع التي يمكن أن يتم نقاشها بين الرئيسين، لكنه لم يحددها بشكل مباشر، وقال، بحسب ما نقل موقع “روسيا اليوم”، إن هدف القمة الأولى هو “بناء حوار حول الحالة الحقيقية للعلاقات الروسية الأمريكية”، لافتًا إلى أن مواضيع تتعلق بالتدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، و”أفعال روسيا الضارة” والاستقرار العالمي ستكون على طاولة البحث.
أما على صعيد الملف السوري فمن المتوقع بحث عدة ملفات منها الوجود الإيراني في سوريا، إلى جانب صفقة الجنوب السوري الأخيرة، وتشكيل اللجنة الدستورية لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في سوريا.
واعتبر الباحث في مركز “عمران” للدراسات ساشا العلو، في حديث إلى عنب بلدي، أن لدى روسيا مجموعة من المطالب، في حين تصب مطالب أمريكا في مصلحة حلفائها إسرائيل والدول الخليجية، وأهم هذه المطالب خروج القوات الإيرانية من سوريا.
إيران على طاولة بوتين- ترامب
تبحث القمة موضوع الوجود الإيراني في سوريا، إذ تريد أمريكا “مساعدة” روسيا في إخراجها من المنطقة.
ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، في 26 من حزيران الماضي، عن مصادر دبلوماسية غربية أن هجوم قوات الأسد وسيطرتها على مساحات واسعة في الجنوب السوري جاء عقب تفاهمات بين روسيا وأمريكا، وتتضمن عودة قوات الأسد إلى الجنوب مقابل إخراج مقاتلي المعارضة إلى إدلب، وتعهد الجانب الروسي بإضعاف ثم إنهاء الدور الإيراني في سوريا.
من جهتها قالت وكالة “بلومبيرغ” إن ملف إيران سيكون محوريًا في القمة ويمكن أن يتم التوصل إلى اتفاق خلال القمة بشأن انسحاب إيران وقواتها من سوريا، إضافة إلى أن موسكو تجري مفاوضات مع طهران حول هذا الأمر.
لكن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، نفى الخميس الماضي، ما تداولته وسائل إعلام حول التحضير لاتفاق بين الرئيسين حول خروج القوات الإيرانية من سوريا.
كما اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن انسحاب إيران من المنطقة بشكل كامل أمر لا يمكن تحقيقه، قائلًا خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، الأربعاء 4 من تموز، إن “الوسائل الإعلامية تقنع متابعيها بأنه يجب على طهران مغادرة سوريا والمنطقة، والعمل داخل حدودها فقط وفي هذه الحالة سيعم السلام في كل مكان”، لكن “من المفهوم أنه أمر لا يمكن تحقيقه”.
من جهته اعتبر العلو أن أي تسوية متوقعة في سوريا ستكون على حساب الإيرانيين، لأن وجود إيران العسكري لا يتناسب مع الحلول السياسية، كون وجودها وميليشياتها تعتمد وتعتاش على حالة الفوضى.
وقال العلو لعنب بلدي إن الدول المعنية في سوريا (تركيا وإسرائيل وروسيا وأمريكا والدول الخليجية) لا مصلحة لها في بقاء إيران في سوريا، مشيرًا إلى أن العملية السياسية ستحاصرها، وفي حال رفضت الخروج فإن إسرائيل وأمريكا ستتولاها عسكريًا في حين يحاصرها الروس اقتصاديًا عبر منعها من أخذ عقود اقتصادية وخاصة الفوسفات، إلى جانب محاصرتها أمنيًا داخل سوريا.
مصير الأسد بين الرئيسين
صحيفة “الشرق الأوسط” توقعت إعطاء أولوية لتشكيل لجنة من حكومة النظام السوري والمعارضة وإجراء إصلاحات دستورية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في العام 2021، ويعني ذلك القبول برئيس النظام، بشار الأسد، حاليًا كأمر واقع مع استمرار رفض إعطائه الشرعية بل استمرار التصريحات الرافضة لذلك.
في حين أكدت المصادر الغربية للصحيفة أن “معظم الدول الأوروبية لن تقبل ذلك وستبقى متمسكة برفض الشرعية للأمر الواقع وستبقى رافضة للإسهام في إعادة الإعمار ما لم يحصل انتقال سياسي”، في حين تشكك بعضها بقدرة روسيا على تحجيم الدور الإيراني في سوريا.
العلو رأى أن كل الأطراف متوافقة على بقاء الأسد خلال الفترة الحالية وتعتبر وجوده ضروريًا، لكن تبقى قمة بوتين- ترامب والمفاوضات بينهما حول قضية ترشحه في 2021، وهذا الترشح في حال رفضته أمريكا يقابله تقديم صفقات لروسيا.
وأشار العلو إلى أن الأحداث في سوريا أساسها سياسي وليس عسكريًا، فالعسكرة مرحلة من مراحل الصراع، ونهايتها لا تعني نهاية المعارضة السورية أو نهاية الثورة.
وسيطرت قوات الأسد على مساحات واسعة من مناطق المعارضة وخاصة قرب العاصمة دمشق مثل مخيم اليرموك ومدن وبلدات الغوطة الشرقية، إضافة إلى ريف حمص الشمالي، في حين توصلت إلى اتفاق مع فصائل الجنوب السوري يتضمن تسليم السلاح وخروج من لا يرغب بالتسوية إلى إدلب في الشمال السوري.
وساد بين المعارضين السوريين وناشطي الثورة عقب هذه السيطرة شعور بانتصار الأسد، وأن “الثورة تلفظ أنفاسها الأخيرة”، باستثناء ما تبقى للمعارضة من مناطق في الشمال.
لكن العلو أكد أن العسكرة طور من أطوار الثورة وانتهت منذ سيطرة النظام السوري على الأحياء الشرقية في حلب، إذ كان واضحًا حينها وجود توافق دولي لإنهاء حالة العسكرة لصالح قوة دولية تمسك النفوذ على الأرض وليس لصالح النظام.
أما عن تمسك روسيا بالأسد، فقال العلو إن الأسد فتيل صراع وعبء على روسيا، إذ لا توجد حالة استقرار في ظل وجوده في السلطة، كما لا تستطيع موسكو أن تبقي سوريا منعزلة عن محيطها الإقليمي والدولي على المدى البعيد، وكون بشار الأسد موجودًا فهذه الحالة ستبقى خاصة وأن الدول الأوروبية ودول الخليج ترفض الدخول بإعادة الإعمار في ظل وجود الأسد، مشيرًا إلى أن هناك أولويات بالنسبة للمجتمع الدولي قبل الأسد، منها ضبط السلاح في سوريا وإنهاء جيوب يعتبرها “إرهابية”، مثل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) وتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وينتظر السوريون القمة وأعينهم على خروج الرئيسين باتفاق ينهي حالة الصراع بين الأطراف على الأراضي السورية، على الرغم من تأكدهم من أن قرارات القمة لن تصب في مصلحتهم وإنما ستكون تقاسم حصص في الكعكة السورية.