الثورة والفصائل

  • 2018/07/08
  • 9:14 ص
حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

ليس من باب اليأس أو الإحباط، القول إن الفصائل المسلحة التي كانت تقاتل النظام السوري وحلفاءه قد قضى عليها التدخل الروسي أو كاد، وليس من زاوية الانتقاد لها أو الحديث عن مشاكلها التي أضعفت قوتها وإمكانياتها وحولتها بنظر الداخل والخارج إلى ما يشبه مجموعات يترأسها أمراء حرب يعتبرون أن الأولوية في أعمالهم لمواقف الداعمين، ثقة بنواياهم الحريصة على مصلحة الشعب السوري أو وعيًا بتقاطع مصالحهم الكبرى مع مصلحة الثورة، أو، وهو الأهم، لحاجتهم المادية التي ارتبطت سياسيًا بهم، فقد وقع معظم قيادات الفصائل في شراك كان من العسير جدًا تجاوزها حين أحاط بهم الخطر.

وإذا وضعنا جانبًا مشكلة الاختراقات الأمنية، فإن أمورًا ثلاثة كانت على رأس الأولويات التي أوصلتهم إلى هذه النتائج المحزنة:

–         شعارات الأسلمة التي كانت من جهة رد فعل على طائفية النظام الأسدي وحلفائه، ومن جهة أخرى لإرضاء الداعمين، مما ترك فرصة للإعلام المحلي والعالمي ليشبكهم مع الإرهاب، وكان ذلك التشابك صحيحًا بعض الأحيان وفي بعض المناطق وبشكل خاص في سنوات 2013 و2014 ولا سيما مع النصرة، التي تردد بعض أفرادٍ من هيئات المعارضة بشأنها، وبذلك اختفى من الإعلام دور الجيش الحر، وتحقق إلى حدٍ ما هدف التشكيلة الأسدية باتهام الثوار بالإرهاب.

–         الارتهان للداعمين الماليين ومصالحهم السياسية، ونتيجة لتنوع الداعمين واختلاف مصالحهم حدثت الشرذمة والتناحر.

–         فقدان الالتزام بقيادة عسكرية واحدة تضع الاستراتيجيات وتخطط على مستوى الأرض السورية كلها، تنسق وضعها مع القيادة السياسية، التي يُفترض في أي ثورة أن تكون لها اليد العليا.

وبالطبع فإن وجود الفصائل داخل المدن السورية، الذي بدأ مع الأشهر الأولى للتسلح بسبب الخوف على الأعراض والمنازل، ودفاعًا عنها، ثم استمر إما بسبب الجهل العسكري وعدم وعي طبيعة النظام، أو لحماية أنفسهم من خلال الالتصاق بالمدنيين، جعل القصف على المدنيين وحصار التجويع والموت عاملًا مهمًا من عوامل اضطرارهم للاستسلام تحت اسم المصالحات، ولكن هذا العامل ينتج بدوره عن فقدان القيادة العسكرية الخبيرة المتوحدة.

وللحقيقة الموضوعية، فإن كثيرًا من وجهاء السياسة، أصدقاء ومحللين ومشاركين بالثورة نبهوا لهذا الخلل الجوهري، ولكن الاستجابة كانت تأتي أحيانًا وقت الذبح -كما يُقال- وقت لا تنفع بتغيير النتائج، والأسوأ عندما كانوا يواجهون سكين الذبح وهم لا يزالون يتقاتلون ويتلاومون!

أدت هذه الأسباب لفتح أبواب التلاعب الروسي على الفصائل والتشويش الإعلامي الذي دفع الغربيين شعوبًا وحكومات إلى الانكماش عن الدعم الحاسم لنصرة الثورة، والسكوت الملحق بالاستراتيجيات الروسية- الأمريكية حمالة الأهداف الحقيقية لخذلان الفصائل والثورة.

منع الاتفاق الدولي الأسلحة المؤثرة (ولا سيما مضادات الطيران) عن الفصائل، وكانت روسيا تقف بالمرصاد خوفًا من تسريب ذلك السلاح، وضمنت من خلال تأثيرها السياسي وإثارة أنواع من المصالح المشتركة عدم ذلك التسريب، إقليميًا ودوليًا، أما تَرَدُّد ما يُسمى بالعالم الحُر في دعم الثورة تحت شعار “البديل” فقد أخفى في البدء موقف المراقب من شعار إسقاط النظام الأسدي، ثم تحوّل إلى موقف واضح لإعادة تأهيله، على الأقل لمرحلة زمنية معينة يلف مصيرها الغموض.

مع كل ما سبق من أسباب، أثّرت في إضعاف الفصائل تأثيرًا غير بسيط، ومع خلفية ما فعله النظام من تدمير البنية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية السورية خلال خمسين عامًا، مع تلك الظروف جميعها استطاعت هذه الفصائل أن تؤلم النظام في مراحل متعددة، وتُهدده بعقر داره، بل أوشكت على إسقاطه لولا تدخل الداعمين الإقليميين المرتهنين بدورهم للدول الكبرى، ذلك لأنه كان نظامًا هشًا نخره الفساد والطائفية، وبات واضحًا أنه اضطر حين انكشف أمام الفصائل والمعارضة الشعبية هو وحلفاؤه الإيرانيون –من أجل استمراره في الحكم- لبيع سوريا كلها لاحتلالاتِ دول كبيرة وصغيرة ولغزاة الأرض القادمين من مجاهل التاريخ.

واليوم، لم يعد شأنًا ذا تأثير بمجريات الواقع أن تُطلَقَ أحكامٌ أخلاقية أو وطنية على ما حدث، فما مضى حدث وانتهى، واستعادته اليوم ودراسته وتحليل جوانبه المختلفة لأخذ العبر، وتلافي السلبيات وتوظيف الإيجابيات لعمل مستقبلي أكثر نجاحًا، ومن أجل ذلك، فإن من الأهمية بمكان الحوار حول الأفكار الآتية والإجابة عن أسئلتها:

–         هل هزيمة الفصائل المسلحة هي هزيمة للثورة، وهل كانت الفصائل تعبيرًا أمينًا عما أراده الثوار من ثورتهم تلك؟

–         هل كان بالإمكان التوصل إلى نتائج أفضل بوجود قيادة سياسية أكثر خبرة وأشد التزامًا بقضية الثورة، ضمن الظروف الموضوعية للنظام الأسدي والمواقف الدولية؟

–         هل كان بالإمكان تأسيس صندوق وطني يعتمد على إسهام السوريين فقط ويستطيع تغطية الاحتياجات الشعبية التي نتجت عن الحروب والصراع، تُمسكه أيدٍ أمينة، تتصف بالشفافية وتقبل المحاسبة؟

–         ما مصير الفصائل بعدما حدث ما حدث؟ وهل بالإمكان لبقاياها ممن اكتسب خبرة عسكرية وسياسية أن يعيد تشكيل نفسه من أجل خوض حرب تحرير شعبية ربما تكون طويلة المدى تعتمد أساليب مختلفة تتناسب مع الوقائع الجديدة، وألا يضيع بالفوضى التي لا بد آتية؟

تلك تساؤلات قد يُجيب عنها حوار جدي، وقد يكون المستقبل في الاتفاق حول أجوبتها، ذلك المستقبل آتٍ شرط ألا يطول وقت انتظاره، وتتحول الثورة إلى يأسٍ يورث خضوعًا وذلًا وعبودية خوفًا من قمع لا حدود لبربريته.

لقد ودع جيل القرن العشرين العمل الوطني السياسي عندما تصدى لقيادة ثورة كانت أكبر بكثير من إمكاناته، فهل يفعلها جيل القرن الواحد والعشرين ويفجر ثانية ثورته الجديدة المنتصرة.

إن لم يمتد بنا العمر لنعيشها بأجسادنا فنحن نراها الآن في عقولنا وقلوبنا.

لا بد من الكرامة والحرية والعدالة، لا بد من دولة المواطنة الديمقراطية، لا بد من الانتصار.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي