أورفة – برهان عثمان
بابتسامة عريضة على وجهها، تستقبل عبير (18 عامًا) زوارها من المهنئين بنجاحها في الثانوية العامة قائلة، “كانت فترة عسيرة والحمد لله تغلبت عليها”.
شيء من الفرح دخل إلى أحياء الجورة والقصور، خلال الأيام الماضية، مع صدور نتائج الثانوية العامة، رغم الصعوبات التي تحاصر حياة الطلاب، كما تقول عبير، “لفترة من الزمن ظننا أن حياتنا انتهت، وكنا ننتظر الموت، أما اليوم فأبواب الدنيا مشرعة أمامي وأنا أخطط لمستقبل أفضل”.
وتساعد هذه الشابة عائلتها في مصاريف منزلهم المتواضع، عبر عملها في خياطة الملابس .
وكانت نتائج الشهادة الثانوية بفروعها العلمي والادبي والمهني والشرعي صدرت، في 28 من حزيران الفائت، لكن نسب النجاح كانت متدنية مقارنة بالعام الماضي، إذ لم تتجاوز في الفرع العلمي 58% بينما بلغت 41% في الفرع الأدبي، وهو ما يعكس الظروف التي عانى منها الطلاب خلال العام الدراسي.
لا تعرف عبير الكثير خارج أحياء الجورة والقصور، مجيبة عن سؤال حول نشاطاتها وأبرز ما عايشته خلال العام الدراسي بقولها “هم الأهالي الأساسي هنا هو تدبير تكاليف معيشتهم، محاولين الابتعاد عن أي هم آخر خارج هذه الأحياء، والاكتفاء باستكمال ما بقي من حياتهم”.
في مكان آخر من مدينة دير الزور، وغير بعيد عن أصوات الزغاريد والرصاص المبتهج بالنجاح، لا تزال أغلب أحياء المدينة تعيش وسط الصمت والدمار، خالية من السكان وتحتاج إلى الكثير من الإصلاحات .
ويؤكد ناشطون مدنيون من المحافظة أن امتحانات الثانوية شابها كثير من الفوضى والغش ولا تعبر بشكل واضح عن المستوى الحقيقي للطلاب والتعليم.
حازم زغير (43 عامًا)، المعروف بـ “أبو عبد الله”، يعمل مدرّسًا في مدينة دير الزور، يصف الأوضاع بالمأساوية رغم ثنائه على بعض الطلاب، ويقول “لقد انخفض مستوى التدريس كثيرًا، وأغلب الطلاب يعتمدون على وسائل الغش”.
ودون أن يوجه اللوم إلى جهة بعينها، يرى المدرّس أن الأوضاع الحالية لن تساعد على إنتاج تعليم أفضل رغم وجود بعض الطلبة المتميزين بقدراتهم وجهودهم الذاتية، موضحًا أن “وسائل الشرح معدومة وأعداد الطلبة ضخمة في الصفوف وقد تصل إلى 50 طالبًا في الصف الواحد، مضيفًا أن الفلتان الأمني أثر بدوره على سلطة المعلمين داخل المدارس.
لكن “أبو عبد الله” يرى في مثل هذه الأوقات فرصة جيدة لإعادة بعض الأمل للشباب ورفع معنويات الأهالي لاستكمال حياتهم وبناء مستقبلهم من جديد، بعد كل ما عانوه من ويلات الحرب والجوع والفقر .
وربما تكون هذه الأوقات “فرصة لبناء واقع أفضل”، كما تقول ازدهار المحمد (39 عامًا)، وهي معلمة وأم لثلاثة أطفال، أكبرهم محمد، الذي نجح في امتحانات الشهادة الثانوية، وتقول لعنب بلدي، “خوفنا يكون مضاعفًا، فهي فترة عسيرة يتحدد خلالها مصير أبنائنا”.
“الظروف المحيطة كلها ضدنا، فلا غذاء منتظم ولا كهرباء دائمة، ومن يعيش هنا يحارب ضد محيطه ويسبح ضد تيار جارف من الجهل والفقر والظروف القاسية”، تقول ازدهار، موضحة، “الطلاب كانوا يدرسون على ضوء الشمع وقناديل الكاز (…) إنهم يستحقون بعض الفرح والتقدير”.
ورغم أن السيدة تقدم لضيوفها العصير وبعض الحلويات وتمازحهم مبتسمة، لكنها لا تزال تفكر بمصير أبنائها، “يدي على قلبي خوفًا على مستقبل بقية أطفالي فلا شيء ثابت هنا”.
تشعر ازدهار بالقلق في كل لحظة، خوفًا من سحب محمد إلى جبهات القتال، لكن نجاحه أعطاها أملًا جديدًا وسكونًا مؤقتًا، آملةً بإرساله إلى دمشق لاستكمال دراسته الجامعية .
ورغم وجود جامعة الفرات في دير الزور، وبعض المعاهد التعليمية، إلا أن أغلب من تواصلت معهم عنب بلدي من الشباب الناجحين وذويهم يأملون بالابتعاد عن هذه المنطقة، إلى مدن أخرى أو إلى خارج سوريا بحثًا عن مكان أكثر استقرارًا وأمنًا.