إيران والدواء القاتل
إبراهيم العلوش
في صيف عام 2015، تجاوز قاسم سليماني العقوبات الدولية، وتنكر للوصول إلى الكرملين، واجتمع بقادة المافيا الروسية، وأقنعهم باستكمال تدمير سوريا واستكمال تهجير شعبها من أجل إنقاذ بشار الأسد، فالقدرات الإيرانية استنفدت إمكاناتها، وبشار الأسد يومها كان على وشك السقوط هو وأجهزة مخابراته وشبيحته، تحت ضربات “الجيش الحر”، ومعاركه التي كانت منتشرة على طول البلاد وعرضها.
وكان نظام الأسد قد لجأ إلى إيران منذ اليوم الأول لثورة الحرية، واستقبل مستشاريها وقبض أموالها ورحب بميليشياتها الطائفية، واعتبر أن إيران هي الترياق لوباء الحرية، الذي يطلبه الشعب السوري.
وقبل أيام من اجتياح الجنوب السوري، وصل مستشار الأمن القومي الأمريكي إلى موسكو لإقناع الروس بإزالة الميليشيات والقوات الإيرانية من سوريا، مقابل السماح بتدمير سوريا وتهجير شعبها. استقبل الروس التفويض الأمريكي برحابة صدر، وأشعلوا فتيل عبقريتهم الغروزنية، وبدأوا قصف المدنيين، الذين يلذ للروس تشريدهم وتهجيرهم، وهذا تقليد عسكري عريق لدى الروس منذ أيام القياصرة، وأيام الاتحاد السوفياتي، الذي كان يحتقر المشاعر الفردية ويعتبرها رجسًا لا يستحق إلا القصف والمطاردة والاعتقال.
اليوم وبعد تهجير أكثر من ثلاثمئة ألف من أبناء درعا والجنوب السوري، اكتشف الأمريكيون أن الوكيل الروسي قد تم خداعه من قبل الإيرانيين، وحزب الله، والميليشيات الطائفية الأسدية، إذ إن القوات التي تدخل الجنوب السوري هي قوات إيرانية، وليست سورية، وبالتالي فالوعود الروسية كانت كاذبة، ولم تكن قادرة على إبعاد الإيرانيين عن الجنوب السوري، وهذا ليس حبًا بأهل الجنوب من قبل الأمريكيين، بل حرصًا على إسرائيل وإقامتها المرفهة بين دول الشرق الأوسط وشعوبها المعذبة.
الروس اعتادوا على إطلاق الوعود وعدم الالتزام بها، فهم وعدوا أبناء الغوطة بالحماية من التعفيش، ولكن صور التعفيش صارت تملأ الواقع والفضاء الإلكتروني، ووعدوا البي كي كي ومشتقاتها بالحماية، وألقوهم فريسة للأتراك في عفرين، ووعدوا مضيفيهم الإيرانيين بالحماية والدعم في سوريا، ولكنهم تجاهلوا القصف المتواتر على المواقع الإيرانية من قبل الإسرائيليين، ووعدوا الأمريكيين بإبعاد إيران وحزب الله من سوريا، وتركوهم ينتشرون في كل أنحاء البلاد، وهم يلهثون بسعارهم الطائفي المقيت.
النظام بدوره التحمت قياداته بروابط عميقة مع إيران، وسلمها قيادات فرق ومطارات، منها الفرقة الرابعة، الحرس الجمهوري، مطار السين، مطار حماة وغيرها من مفاصل قوة النظام المخابراتية والحواجز الاستراتيجية. وعملية فصل التوأمة بين النظام وإيران صارت معقدة، وقد تودي بالنظام نفسه، وهذا ما لا تريده إسرائيل، فهي أعلنت أنها لا تريد إلا قوات الأسد على حدودها في الجنوب السوري، فإسرائيل جربت الأسد الأب طوال ثلاثين عامًا، وكان الخادم الوفي لها، رغم كل “الهوبرات” تحت عناوين جبهة الصمود والتصدي، ووحدة الأمة العربية، وحرب تشرين “التحريكية”، كما قال عنها السادات. واختبرت إسرائيل جوار قوات جيش الأسد في لبنان طوال ربع قرن، ولم تكن تشكو منه إلا بعد دخول الإيرانيين تحت عنوان “حزب الله”، وهم يصرون على تغيير العناوين دون المضمون، فالخميني هو أول من تعامل مع إسرائيل، وملف إيران كونترا، في الثمانينيات من القرن الماضي، صار ملفًا أمريكيًا دوليًا يعرفه القاصي والداني، وهو أول انكشاف لعلاقة دولة الملالي بإسرائيل.
خرج نظام الأسد من لبنان في عام 2005 تحت الضغط الدولي، وبسبب تعاونه مع حزب الله، الذي أعلنه بشار الأسد نفسه وتفاخر به، وقد وضعت القوة الدولية حدًا لاستمرار نظام الأسد في لبنان، وأرغمت قواته على الرجوع إلى دمشق، فهي لا تقبله إلا بنفسه، وليس كوكيل للإيرانيين في لبنان.
اليوم صار نظام الأسد في سوريا نفسها وكيلًا لإيران، فهي التي تحكم منذ بداية ما يسمى الانفتاح الاقتصادي، والتسهيلات المصرفية والسياسية والأمنية لإيران في سوريا، إذ صارت المستشارية الإيرانية محجًا للمنافقين مع بداية حكم بشار الأسد.
الروس يحاولون جرجرة ما تبقى من النظام، وتخليصه من فم الإيرانيين الذي انتشروا في كل مفاصل الدولة السورية، حاولوا تشكيل فيالق وتنظيمات، ونفخوا النمر وقواته، لتكون بديلًا أو منافسًا لقوات قاسم سليماني، ناسين أنها هي التي استجلبت الروس أنفسهم إلى سوريا. ولكن تبين اليوم أن النظام ابتلعه الحوت الإيراني، وهضم كل أدواته، فلم يعد قادرًا، ولا بأي شكل، على مواجهة الإيرانيين، حتى ولو كان الدعم روسيًا وإسرائيليًا ومريخيًا!
الحقيقة الساطعة التي يجب على المجتمع الدولي تقبلها، هي إن إسقاط هذا النظام هو السبيل الوحيد للخلاص من الإيرانيين، ومن حزب الله في سوريا، والشعب السوري هو الوحيد القادر اليوم على حماية نفسه ودولته من السموم الإيرانية بعد إسقاط النظام، وترحيل كل منتجات إيران الإرهابية من سوريا، ولا يريدون من المجتمع الدولي إلا عدم التلاعب بالقرارات الدولية، وتنفيذها وفق مبادئ حفظ حقوق الإنسان واستقلالية قرار البلاد، ويريدون الدعم والحماية للسوريين الطامحين لبناء دولة الحرية والعدالة والسلام.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :