طالب بطاركة سوريا ولبنان البابا فرنسيس بمساعدتهم للضغط على الدول الأوروبية من أجل عودة اللاجئين المسيحيين إلى سوريا، لتحقيق التوازن الديني والتعددي.
وشهدت مدينة باري جنوبي إيطاليا اجتماعًا مع البطاركة بدعوة من البابا فرنسيس، الذي ركز مع المشاركين على عودة المسيحيين إلى سوريا دون بقية اللاجئين، حسب ما جاء في عنوان الاجتماع.
بطاركة الشرق الأوسط يشتكون من هجرة المسيحيين
وقالت وكالة :فرانس برس” إن بطاركة الشرق الأوسط التقوا البابا فرنسيس، السبت 7 من تموز، للمطالبة بمساعدة دولية تتيح عودة اللاجئين إلى بلادهم.
وخلال اللقاء قال بطريرك الموارنة بشارة الراعي، إنه يجب على الدول الغربية تشجيع اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم.
وأضاف “يجب تقديم مساعدات مالية لهم ليتمكنوا من ترميم منازلهم”، منوهًا إلى انحسار العمليات العسكرية في سوريا.
واعتبر الراعي أن عودة السوريين إلى منازلهم “حق للمواطنين ويجب تمييزه عن الشق السياسي”.
وبدوره اشتكى رئيس أساقفة حلب للروم الكاثوليك، جان جانبار، من هجرة المسيحيين من سوريا، معتبرًا أن النظام السوري يتميز بتفضيله للعلمانية والتعددية والمساواة.
واعتبر جانبار أن البديل عن النظام القائم في سوريا، هو “نظام إسلامي متطرف”، حسب وصفه، مضيفًا أن البلاد غير جاهزة للانتقال إلى نظام الديمقراطية.
وأضاف جانبار أنه لم يبق في مدينة حلب سوى 60 ألفًا من المسيحيين، بعد أن تجاوز عددهم 170 ألفًا قبل الحرب، وقال “هذا أسوا ما يحصل لكنيستنا وبلادنا”، بحسب الوكالة.
من جانبه عبر البابا فرنسيس عن مخاوفه من تلاشي الوجود المسيحي في الشرق الأوسط، وقال إن ذلك سيؤدي إلى “تشويه المنطقة”.
بطريرك انطاكية للسريان الأرثوذكس، اغناطيوس افرام الثاني، الذي يسكن في دمشق، قال خلال الاجتماع إن “الغرب ركز كثيرًا على تغيير النظام، بينما خوفنا الأكبر هو باستبدال نظام علماني بحكومة إسلامية على الأرجح”.
وأضاف اغناطيوس “بصفتنا مسيحيين لدينا شعور بأنه تم التخلي عنا، وبدلًا من مساعدتنا نتعرض للاتهام بأننا من اتباع النظام”.
ما الدوافع وراء هجرتهم؟
سعى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا، عام 2011، إلى تصوير نفسه للغرب على أنه حامي الأقليات الدينية والعرقية، وبدا تقربه من أبناء الدين المسيحي واضحًا خلال السنوات الماضية، عبر استخدامه لهم كورقة يرى البعض أنها رابحة، مع توجه الغرب نحو محاربة “التطرف الديني”.
المشهد الذي غاب في مناطق المعارضة حضر بقوة في مناطق النظام، عبر زيارات الأسد “العائلية” المتكررة إلى الكنائس والأديرة وتكريمه لرجال الدين المسيحيين، في محاولة منه لإيصال صورة “المجتمع السليم المتجانس”، بحسب تعبيره، في المناطق الخاضعة لسيطرته.
كما حاول إرضاء هذا الطيف من السوريين بمنحهم مناصب في حكومته، كان آخرها تعيين حمودة الصباغ، المسيحي، رئيسًا لمجلس الشعب السوري، مطمئنًا المسيحيين بمكانة سياسية في مستقبل سوريا.
وفي زخم المواقف السياسية التي اقتحمت حياة السوريين بعد المطالب الشعبية بإسقاط النظام السوري عام 2011، تبنى مسيحيو سوريا موقفًا سياسيًا محايدًا، وعدا عن مشاركاتهم في الاحتجاجات في مناطق كانت معاقل للثورة، برز تأييد نسبة كبيرة منهم للنظام السوري بعد دخول ما يسمى تنظيم “الدولة الإسلامية” على خط النزاع، عام 2013.
وطغت المخاوف على حياة مسيحيي سوريا من جماعات متطرفة تتحدث باسم الدين، قد تحكمهم وتقيد حرياتهم في ممارسة الشعائر الدينية، مستندين بذلك إلى التجربة الإيرانية والأفغانية، التي ترفض ضمنيًا التنوع الديني وتنبذ حريات الأديان.
المسيحيون في سوريا قبل وبعد هجرتهم
اليوم ومع التغيرات الديموغرافية التي طرأت على المشهد السوري، تشير الأرقام إلى انخفاض عدد المسيحيين في سوريا إلى ما يقارب النصف، بين مهجر خارج البلد ومقتول بفعل النزاع، وذلك وفق ما ورد على لسان قسطنطين دولغوف، مفوض الخارجية الروسية لشؤون حقوق الإنسان والديمقراطية، خلال مؤتمر “دور الأديان في العالم المعاصر”، عام 2016.
وتختلف الإحصائيات حول نسبة المسيحيين في سوريا ما بين 4-8-10%، وتشير أغلب الإحصائيات أن نصفهم تقريبًا من الروم الأرثوذكس.
وكانت نسبة المسيحيين تزيد عن 25% مع بدايات القرن العشرين، إلا أنها انخفضت إلى 15% عام 1970 بسبب الهجرة المتزايدة بدءًا من الحرب العالمية الثانية، والتي شهدت أكبر عملية نزوح للمسيحيين في سوريا الكبرى للأمريكيتين.
وتعتبر مدينة حلب ثاني أكبر مدينة في الشرق الأوسط بعدد المسيحيين بعد بيروت، لكنّ أعدادهم انخفضت فيها من 150 ألفًا إلى ما لا يزيد عن 70 ألفًا في السنوات الأخيرة.
وتتناقض الأرقام حول نسبتهم، ما بين 10% حسب إحصائيات النظام، و7% حسب إحصائيات الكنيسة، لكن الكثير من الدراسات تؤكّد أن نسبتهم أقل من ذلك لانتشار الهجرة في صفوف أبنائهم، بل إن نسبتهم انخفضت من 15% من المجتمع السوري عام 1970 إلى ما لا يزيد عن 5% في الوقت الراهن.
وبالحديث عن مستقبل سوريا، بعيدًا عن الجهة التي ستتولى زمام الحكم، من المتوقع أن يتركز الاهتمام على من تبقى من أبناء الأقلية المسيحية للحفاظ على توازن المجتمع السوري، وسط دعوات لدعم الكنيسة وخلق توافق بين الأديان المختلفة داخل البلد.