تتذرع الحكومة التركية بوجود معالم دينية وقومية تعود للعهد العثماني داخل الأراضي السورية، وتحاول بذلك إثبات ملكية تلك الأراضي أو العقارات في تلك المناطق لتوسيع النفوذ التركي داخل سوريا.
وبدأت تلك السياسة التركية بنقل ضريح سليمان شاه، والحديث عن ملكية مدينة الباب للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وتجددت اليوم بالإعلان التركي عن وجود منزل استخدمه مؤسس الجمهورية التركية، كمال أتاتورك، إبان الحرب العالمية الأولى، في مدينة عفرين شمالي سوريا، التي وصفها أحد الكتاب بأنها ميراث تركي.
منزل أتاتورك في سوريا
قالت وكالة “الأناضول التركية، السبت الماضي، 7 من تموز، إن تركيا تعتزم ترميم منزل في منطقة راجو شمال غربي عفرين بريف حلب، استخدمه مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، إبان الحرب العالمية الأولى.
وقال والي مدينة هاتاي أردال أطا، للوكالة، إنه أصدر تعليمات بإحياء وترميم المنزل الذي أنشئ عام 1890، “بهدف تحويله إلى متحف”.
وكانت القوات التركية عثرت على المنزل قبل أسابيع، عقب عملية “غصن الزيتون”، التي سيطرت بموجبها على المدينة، بمشاركة فصائل المعارضة.
وبحسب الوكالة فإن المنزل الواقع في بلدة راجو، في منطقة عفرين، استخدمه أتاتورك مقرًا له في أثناء توليه لقيادة الجيش السابع في فلسطين عام 1918، ليستقر عقب ذلك بوحداته العسكرية العثمانية في قرية قطمة التابعة لعفرين.
وأشارت إلى أن أتاتورك وضع الخطة التي انتصر فيها على الجيش البريطاني في أثناء وجوده في المنزل، بعد تشكيله شبكة مقاومة شعبية من العرب والكرد، بحسب الوكالة.
وأضافت أن المجلس المحلي في عفرين، أسهم بالعثور على المنزل الحجري، الذي تم بناؤه في عام 1890، مشيرًا إلى أن المنزل يحتاج لترميم.
وتحدث الرئيس الكردي للمجلس، إبراهيم خليل علي، للوكالة قائلًا، إن المنزل يعود لأحد وجهاء المنطقة البارزين، حنيف آغا، الذي دعم الجيش العثماني في تلك الفترة.
وتقع بلدة راجو في منطقة عفرين شمالي سوريا، وسيطرت فصائل “الجيش الحر” المدعومة من تركيا، 18 من آذار الماضي، على كامل المدينة، بعد تقدمها على حساب “وحدات حماية الشعب” (الكردية).
عفرين ميراث تركي
ومع انطلاق معركة “غصن الزيتون”، التي خاضها الجيش التركي مع فصائل المعارضة، في آب 2017، لطرد “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، أصدر الكاتب والمؤرخ التركي، أنس دمير، كتابًا تحت مسمى “غصن الزيتون” تيمنًا بالعملية التركية في عفرين شمالي حلب.
الكتاب تحدث عن تبعية عفرين للإدارة التركية حتى عام 1921، وأشار إلى استيطان القبائل التركمانية في المدينة منذ القرن الحادي عشر.
واعتبر الكاتب، كما نقلت “TRT“، أن عفرين ميراث تركي، وقال “عفرين بالنسبة لنا ميراث تركه لنا الأجداد، وقد ناضلت عفرين، دون تمييز بين أتراكها وأكرادها وعربها، ضد الاحتلال الفرنسي، وبقيت تابعة لتركيا”.
كما يتناول الكتاب تاريخ المدينة في فترة الحرب العالمية الأولى حتى احتلالها من قبل فرنسا وبريطانيا، حتى توقيع هدنة مودروس، التي أنهت القتال بين الجيش العثماني والدول الغربية عام 1918.
كما نوه الكاتب إلى أهمية عفرين في اتفاقيتي أنقرة 1926، و لوزان 1923، والتي رسمت حدود الجمهورية التركية بموجب هاتين الاتفاقيتين.
ضريح سليمان شاه
في آذار 2015، صوت البرلمان التركي، لصالح قرار يقضى بنقل ضريح سليمان شاه، من مناطق سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، إلى الحدود السورية- التركية، وذلك لما يمثل الضريح من أهمية تاريخية لدى الأتراك.
ونفذ الجيش التركي عملية أسماها “عملية نقل الضريح”، ونجح بنقله إلى قرية “أشمة” السورية على الحدود التركية، خوفًا من تفجير الضريح على يد التنظيم.
وفي تشرين أول 2015، قام رئيس الوزراء التركي حينها، أحمد دواد أوغلو، برفقة قائد القوات البرية التركية الجنرال خلوصي آكار، بزيارة الضريح في قرية آشمة، في خطوة غير مسبوقة لمسؤول تركي رفيع خلال الأحداث التي شهدتها سوريا.
من جهته رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أكد في كانون أول عام 2018، أن “قطعة الأرض التي كان عليها مخفر سليمان شاه تعود ملكيتها لتركيا، وتم إخلاء المخفر لفترة قصيرة لدواع أمنية”.
وقال يلدريم إن الضريح سيعود إلى مكانه القديم في سوريا، بعد المعارك التي خاضها الجيش التركي في معارك “درع الفرات” وطرد تنظيم “الدولة” والقوات الكردية، من مناطق شمالي سوريا.
سليمان شاه بن قتلمش، هو جد عثمان غازي، مؤسس الدولة العثمانية، وكان زعيمًا لقبيلة “قايا”، وبعد غزوات المغول اضطر للفرار بقبيلته إلى سوريا، وفي أثناء عبورهم نهر الفرات، قرب قلعة جعبر، غرق مع عدد من رجاله، عام 1231، ما جعل رجال قبيلته يدفنونه غرب القلعة.
وبعد الانتداب الفرنسي على سوريا، تم الاتفاق بين الجانبين التركي والفرنسي عام 1921 في معاهدة أنقرة أن يكون الضريح تحت السيادة التركية، وأن يرفع عليه العلم التركي، بينما تخضع الأرض للسيادة السورية.
وبعد أن تم إنشاء سد الفرات عام 1968، وخوفًا من أن تغمر مياه بحيرة السد أجزاء من قلعة جعبر بما فيها الضريح، تقرر نقله إلى منطقة أخرى، حتى عام 1973، وبعد مفاوضات تركية- سورية، أبقت تركيا على الضريح في الأراضي السورية، ولكنه نقل إلى تلة مرتفعة اسمها “قره قوزاك” في ريف حلب.
ودخلت تركيا بشكل رسمي إلى سوريا في آب عام 2016، بهدف طرد تنظيم “الدولة” من مدينة جرابلس شمالي حلب، وبحجة الدفاع عن الأمن القومي التركي بالقضاء على القوات الكردية الموجودة على حدودها.
ودعمت القوات التركية فصائل المعارضة في علميات “درع الفرات”، وسيطرت من خلالها على مدينة الباب شمالي حلب، بعد جرابلس، لتنتهي بعملية “غصن الزيتون” التي سيطرت فيها على مدينة عفرين، بعد طرد “وحدات حماية الشعب” (الكردية).
وتتفاوض الحكومة التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ أشهر، لدخول مدينة منبج في ريف حلب، التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، على غرار نموذج مدينة عفرين.
واليوم وبعد سيطرة القوات التركية على عدة مناطق في محافظة ريف حلب، باتت الكلمة الأولى للسلطات التركية، إن كان بما يتعلق بالسلطات التنفيذية التي تديرها القيادات التركية، أو حتى بالمعابر والتجارة في تلك المناطق.
مدينة الباب تعود ملكيتها لسلطان عثماني
وفي آب 2017، قال حفيد السلطان العثماني، عبد الحميد الثاني، أورهان عثمان أوغلو، إن ملكية مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، تعود لجده السلطان.
وأضاف أوغلو أن جده عبد الحميد اشترى أراضي في فلسطين وأماكن أخرى منها مدينة الباب التابعة لمحافظة حلب، وأشار إلى أنه يملك سند ملكيتها.
كلام حفيد السلطان العثماني جاء خلال كلمة ألقاها في ولاية قونية، ونقلتها وسائل الإعلام التركية المقربة من الحزب الحاكم، “تركيا الآن“، نقلًا عن “وكالة الأناضول.
كما ذكّر أوغلو في معرض كلامه بخسارة تركيا لمدن الموصل وكركوك العراقيتين، ومدينة حلب السورية، إبان توقيعها لمعاهدة لوزان عام 1932.
وتولى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني الحكم عام 1876، وانتهت فترة حكمه عام 1909، وتوفي في شباط 1918، وهو الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، والسادس والعشرون من سلاطين آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة.
سندات “طابو” حلب
تحدث رئيس مكتب الأرشيف “المحفوظات” التركية في أنقرة، تورك أوغلو، في تشرين أول 2017، عن آلاف الوثائق “سندات الملكية” التي تعود لفترة الحكم العثماني بين 1847- 1917، تثبت ملكية أتراك في مدن الموصل وكركوك العراقيتين، وحلب في شمالي سوريا.
وأشار أوغلو إلى أن 32 دفترًا تحتوي آلاف الوثائق المتعلقة بمدينة حلب، تم تحويلها مع الوثائق المتعلقة بالمدن العراقية إلى مجلدات بعد ترجمتها من اللغة العثمانية إلى التركية.
وبحسب المصدر فإن تلك الوثائق، المقدرة بألف وثيقة، تشمل سوريا والعراق، ويتم الاحتفاظ بها في دائرة الأرشيف التابعة لمديرية الطابو في وزارة البيئة والتخطيط العمراني في العاصمة أنقرة.
الأصوات التركية المنادية باستعادة ما خسرته تركيا ضمن اتفاقيتي “لوزان” و”أنقرة”، جاءت عبر التلويح بسندات الملكية التي تعود إلى فترة الحكم العثماني، إضافة لمبررات الدفاع عن العرقيات التركمانية داخل سوريا.
لكن ومن زاوية أخرى، يرى بعض المتابعين أن الأطماع التركية في سوريا الهادفة لاستعادة أمجاد الخلافة العثمانية، جاءت لتنافس الأطماع الإيرانية، التي تخفي وراءها أنقاض الإمبراطورية الفارسية.
أما غالبية السوريين، فيرون أن تركيا وهي الشريك الثالث مع روسيا وإيران في الملف السوري، كانت أفضل الواقفين مع الشعب السوري، باحتضان ثورته، وفتح أبوابها لملايين الفارين من جحيم القصف والتدمير.
فيما لا تزال الخشية لدى السوريين بعد كل معاناتهم، أن تتحول مدنهم وبلداتهم لانتداب تركي بمسميات عديدة، تبدأ بحمايتهم وتنتهي بمكافحة الإرهاب وحماية الحدود التركية، وما يزيد قلقهم أن تنجح تركيا بتعديل اتفاقية لوزان واستعادة بعض المناطق السورية بما تملكه من وثائق عثمانية تعود لقرن مضى.
فهل تطالب تركيا باستعادة أملاك سلاطينها داخل الأراضي السورية، لا سيما وأن سوريا أصبحت أشبه بـ “قصعة طعام يتسابق عليها الجائعون”، بحجج حماية المراقد والدفاع عن الأقليات ومحاربة الإرهابيين، كما يعتقد الكثير من السوريين.
–