أورفة – برهان عثمان
أطفال ويافعون يسبحون في نهر الفرات، والعديد من الشباب يجلسون على شاطئيه، يتبادلون الحديث ويمضون وقتهم حتى الغروب دون عمل، مشهد يشكل إحدى الصور المعتادة هنا قرب الجسر القديم في الرقة.
يلقي هؤلاء الشباب المسؤولية على السلطة الموجودة في المدينة، لتأخر الإصلاح وعرقلة البناء، وبالتالي يبقون دون عمل، كما يقول حسين عساف (32 عامًا)، وهو صاحب مقهى إنترنت.
ويقول عساف، المعروف بـ “أبو محمد”، لعنب بلدي، “لم تفعل (قوات سوريا الديمقراطية) ومجلسها المدني شيئًا، فالكثير من الجثث لا تزال تحت الأنقاض أو ملقاة في مناطق مكشوفة وهي متفسخة، ولا أعلم لماذا لا يتم انتشالها ودفنها حتى اليوم، كما أن الكثير من عمليات البناء والترميم تم إيقافها بحجة التنظيم واستصدار التراخيص اللازمة”.
وسيطرت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على مدينة الرقة من يد تنظيم “الدولة الإسلامية”، في تشرين الأول 2017، وانتدبت مجلسًا مدنيًا تابعًا لها لإدارة المدينة.
ورغم فرحه بعودته إلى “مكانه المفضل في العالم”، على حد تعبيره، إلا أن الحزن والحنين لـ “الرقة القديمة”، وعدم القبول بواقعها الحالي يبدو في كل كلمة يقولها عساف، الذي يبدي احتجاجه على استمرار نقص الخدمات وعدم كفاية الإصلاحات التي يقوم بها المجلس المدني، قائلًا “لا كهرباء ولا ماء ماذا يفعلون سوى طلاء وتجديد التقاطعات المرورية والصور واللافتات على الجدران بذات الطريقة التي فعلتها داعش (تنظيم الدولة) وغيرها سابقًا”، معتبرًا أن “طلاء دوار الدلة مثلًا لن يمسح صورة الدمار المحيط به، ولن يعطي الناس الأمان الذي يبحثون عنه، كما أن صور القائد أوجلان لن تمنح الأهالي حياة رغيدة”.
وينشط بعض الأهالي بمبادرات فردية يحاولون من خلالها تنظيف منازلهم وما يحيط بها، رغم خطر الألغام ومخلفات الحرب التي لا تزال منتشرة في كل مكان.
ويعبر مواطنون تواصلت معهم عنب بلدي عن احتجاجهم بشكل واضح على هذا الحال، مطالبين بالمزيد من الخدمات ورافضين ما يتعرضون له من قمع على يد عناصر “قسد”، فيما تتصاعد احتجاجات الأهالي عبر المظاهرات السلمية التي تقابَل بالقمع.
خوف وطوارئ
محمد الحسين (أبو عبد الله) من أهالي الرقة، يقول لعنب بلدي إن “الخوف عاد ليسكن المدينة من مخلفات الحرب، ومن قمع قسد ومن انتشار السرقة والقتل”، مشيرًا إلى أن التوتر المتصاعد بين الأهالي وعناصر “قسد” والخلافات المتزايدة داخل مكونات “قسد” نفسها، كل هذا يهدد الاستقرار ويمنع تحقيق التقدم.
وتتزايد الخلافات بين القوات وجماعات محلية منضوية تحتها، أبرزها “لواء ثوار الرقة”، إذ اعتقلت “قسد” قائده، أبو عيسى، وحاصرت مقراته في عين عيسى، وهو أحد أكبر التشكيلات ذات الطابع العربي.
وأسفر ذلك عن حالة غضب ودعوات للتظاهر، رفضًا لسياسة “قسد” ونتيجة الاعتقالات وسياسة التجنيد الإجباري.
وأضاف الحسين أن “تصرفات بعض عناصر قسد تزعج الأهالي وخاصة في شهر رمضان الماضي، كالإفطار العلني وعدم مراعاة العادات، وهدم بعض المنازل والمحلات، والاعتقالات العشوائية والتصدي لمظاهرات الأهالي بالقوة”.
صعوبة الحياة لم تمنع مئات الأهالي من العودة إليها، إذ تشهد أعداد العائدين إلى الرقة تزايدًا ملحوظًا، ويقول (رامي 44 عامًا)، وهو مدرّس كان يعيش في مخيم تل أبيض ثم عاد إلى بيته في الرقة، إن أكثر من 20 عائلة يعرفهم عادوا إلى منازلهم، ناقلًا عن آخرين نيتهم العودة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا، إن 138 ألفًا عادوا إلى الرقة منذ تشرين الأول 2017.
ورغم إشارته إلى ازدياد عدد المنظمات الإنسانية والإغاثية في المنطقة، أكد أن “التلوث” بالمواد المتفجرة لا يزال يشكل مصدر قلق رئيسيًا للأهالي، ويعيق الوصول والعمليات الإنسانية.