ضياء عودة | مراد عبد الجليل | نور عبد النور | رهام الأسعد
إلى الجنوب، اتجهت أنظار السوريين، عقب سيطرة النظام على الغوطة الشرقية في آذار الماضي، بانتظار الوجهة الجديدة لقوات الأسد بعد أن باتت تسيطر على أغلب مساحة الخريطة.
ولم تكن الغوطة مجرد محطة سابقة، بل كانت درسًا قاسيًا ومؤشرًا مهمًا عن تخلي الداعمين الدوليين عن فصائل المعارضة، وسريان الإرادة الروسية الداعمة للنظام السوري، وفق المصالح والتوافقات الدولية.
السوريون المعارضون للنظام لم يعلّقوا أملًا على المقاومة العسكرية في الجنوب السوري مع بداية حملة النظام، في 19 من حزيران الماضي، ولم يرفعوا سقف التوقعات فيما يخصّ مهد الثورة السورية، والأرض التي شهدت أول صرخات الحرية ودعوات إسقاط النظام.
وكانت التطورات العسكرية التي تراوحت بين السقوط السهل، والتسليم والمصالحات، سيدة المشهد، بينما بلغ الموقف الإقليمي من القساوة والتعنت ما جعل آلاف النازحين معلقين على السياج الحدودي الفاصل بين سوريا والأردن، دون أمل بالنجاة.
وللمرة الأولى منذ عامين، لم يذكر الشمال السوري ضمن تسويات الجنوب كوجهة لفصائل المعارضة، بينما لا يزال مصير مقاتلي المعارضة مجهولًا في ظل المصالحات.
أمريكا تسحب يدها.. تركيا “تصمت”
اتضح مشهد الجنوب السوري بعد الانسحاب الأمريكي، والضوء الأخضر الذي أعطته للروس باستكمال العمليات العسكرية للسيطرة على كامل المناطق التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة، دون أي عقبات أو عوائق، بغض النظر عما تم الاتفاق عليه تحت الطاولة بموجب المفاوضات والاجتماعات الأخيرة التي احتضنتها الأردن بين الأطراف الدولية الفاعلة في المنطقة.
واختُصر الانسحاب برسالة وجهت للفصائل العسكرية في درعا جاء فيها “نحن في حكومة الولايات المتحدة نتفهم الظروف الصعبة التي تواجهونها الآن، ولا نزال ننصح الروس والنظام السوري بعدم القيام بأي عمل عسكري يخرق منطقة تخفيف التوتر في جنوب غربي سوريا”.
وأوضحت أمريكا موقفها، “نفهم أنكم يجب اتخاذ قراركم حسب مصالحكم ومصالح أهاليكم وفصيلكم كما ترونها، وينبغي ألا تسندوا قراركم على افتراض أو توقع بتدخل عسكري من قبلنا”، مضيفة، “يجب أن تتخذوا قراركم على أساس تقديركم لمصالحكم ومصالح أهاليكم، وهذا التقدير وهذا القرار في يدكم فحسب”.
لم تُكشف أسباب الانسحاب الأمريكي من ملف الجنوب، وبينما ربطه محللون سياسيون بقبول روسيا إبعاد الوجود الإيراني من سوريا، عزاه آخرون إلى تقاطع مصالح بين الروس والأمريكيين في مناطق أخرى، خاصة المساحات الواسعة التي تديرها أمريكا عسكريًا في المنطقة الشرقية.
2017 بداية الانسحاب
على مدار السنوات السبع الماضية، برزت أمريكا كطرف دولي بارز وفاعل في الملف السوري، استنادًا إلى الدعم العسكري الذي قدمته لفصائل “الجيش الحر” في جميع المناطق السورية، إلى جانب ما حصلت عليه القوات الكردية من دعم أمريكي أيضًا، سيطرت بواسطته على مناطق واسعة في شمالي وشرقي سوريا.
وحظيت “الجبهة الجنوبية” بدعم لوجستي من أمريكا تضمن الإمداد بذخائر وصواريخ متطورة ورواتب مالية، عن طريق ما سمي بغرقة تنسيق الدعم (موك)، والتي توقفت عن دعم أي فصيل في مطلع العام الماضي بعد وصول دونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة، ما اعتبر حينها بداية الانسحابات الأمريكية من سوريا.
ورغم أن رفع أمريكا يدها عن الفصائل في درعا كان خبرًا مفاجئًا بعد سلسلة تهديدات وتحذيرات أطلقتها هددت فيها قوات الأسد من معركة في الجنوب، لكنه كان أمرًا بديهيًا لم تدركه الفصائل، التي استمرت بدورها بتنفيذ الخطط المرسومة منذ السنوات الأولى لتلقيها الدعم، والتي انحصرت فيما بعد بالعمل العسكري ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” فقط، بعيدًا عن النظام السوري.
واعتبرت الإدارة الأمريكية بعد انتخاب الرئيس الجديد، دونالد ترامب، أن الدعم يتم “بشكل خاطئ”، وأنه يفترض تشكيل اندماج ومنصة عسكرية واحدة للفصائل جميعها.
وبالرجوع إلى مقال لصحيفة “واشنطن بوست”، مطلع 2017، عنونته بـ “التعاون مع روسيا أصبح نقطة أساسية في استراتيجية ترامب إزاء سوريا”، قالت فيه إن القرار نتاج تفاهم أمريكي- روسي.
تركيا تصمت
تركيا كانت الطرف الثالث الضامن لاتفاق “تخفيف التوتر”، الذي شمل الجنوب، في تموز العام الماضي، إلى جانب روسيا وإيران، لكن أنقرة لم تبد موقفًا حازمًا من التطورات التي يمر بها الجنوب، واكتفت بالتعبير عن “القلق والحزن العميق”، على لسان الناطق باسم الخارجية التركية، حامي أقصوي.
لم يكن الموقف الحالي جديدًا، بل يشابه ما حدث في الغوطة الشرقية في أثناء الهجوم عليها من قبل قوات الأسد والميليشيات المساندة لها، وتبع ذلك ما مرت به مدن وبلدات ريف حمص الشمالي، في أيار العام الحالي، بالإضافة إلى مدينة حلب التي لم تفلح مقاومة الفصائل بإبقائها تحت سيطرة المعارضة، وانتقلت إلى يد روسيا والنظام السوري، أواخر 2016.
وقال أقصوي، في تصريحات جاءت بعد عشرة أيام من بدء الحملة العسكرية، إن “هجمات قوات الأسد على المناطق المذكورة أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين”، مضيفًا “نشعر بحزن وقلق كبيرين إزاء ما يحصل، وندين بشدة هذه الهجمات اللاإنسانية، التي تقوض الجهود المبذولة في أستانة وجنيف للحد من العنف في المنطقة، وإيجاد حل سياسي للأزمة”.
واللافت في الموقف التركي هو رفض روسيا بشكل كامل خروج مقاتلي الفصائل إلى الشمال السوري، وإصرارها على تسوية أوضاعهم بعد تسليم السلاح الثقيل والخفيف بشكل كامل.
وبحسب ما قالت مصادر مطلعة على المفاوضات التي تدور حول الجنوب لعنب بلدي، فإن الإصرار الروسي لبقاء المقاتلين في درعا يأتي ضمن تفاهمات مع الحكومة التركية، والتي رفضت بدورها استقبال أي نازح أو مقاتل إلى المناطق التي تديرها في الشمال، كونها استوعبت آلاف المقاتلين والمدنيين في الأشهر الماضية.
الفصائل تسلّم درعا بـ “التسويات”
لم تكن الحشود العسكرية التي استبقت بها الفصائل معركة الجنوب المرتقبة كفيلة بصد هجوم قوات الأسد، الذي روجت له منذ مطلع العام الحالي، بل تحولت إلى تسجيلات مصورة وصور “خلبية” أكدت مدى تبعية التشكيلات العسكرية للقرار الدولي، وتحول أهدافها من مصالح للثورة السورية إلى حسابات شخصية لأفراد بعينهم.
ودخلت قوات الأسد والميليشيات المساندة لها إلى مساحات واسعة من درعا بصورة متسارعة ومفاجئة، وبدا المشهد الكامل بخطة رسمت بشكل مسبق وبتواصل بين بعض الفصائل العسكرية مع الجانب الروسي، الذي لا يزال يجري مفاوضات للدخول إلى جميع المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة.
الثغرة الكبرى التي توغلت من خلالها قوات الأسد هي الريف الشرقي، إذ بدأت هجومها من منطقة اللجاة في الريف الشمالي الشرقي، وتمكنت من عزلها بشكل كامل عن باقي المناطق، بعد السيطرة على بلدة بصر الحرير الاستراتيجية.
ولم تمض أيام على “سقوط” اللجاة وبصر الحرير حتى تسارعت المعطيات الميدانية لصالح قوات الأسد، وبدأت بتقسيم المنطقة إلى جيوب، بالتزامن مع قصف جوي وصاروخي استهدف مستودعات الأسلحة ومقرات الفصائل بشكل دقيق، بحسب ما قالت مصادر عسكرية لعنب بلدي.
السيطرة امتدت فيما بعد إلى المليحة الشرقية والمليحة الغربية والحراك، وصولًا إلى الغارية الشرقية والغربية والكرك، لتدخل المنطقة هنا في مرحلة جديدة عن طريق اتفاقيات التسوية، والتي دخلت قوات الأسد بموجبها إلى عشرات القرى والبلدات دون قتال، ولم يقتصر ذلك على الريف الشرقي بل انسحب إلى الريف الغربي بدخول الشرطة الروسية إلى مدن ابطع وداعل وطفس بعد إبرام ما تطلق عليها الرواية الرسمية بـ “المصالحة”.
سياسة الجيوب
شابهت الخطة العسكرية التي اتبعتها قوات الأسد في درعا ما قامت به في الغوطة الشرقية ومحيط محافظتي إدلب وحماة، وهو ما بات يعرف بـ “سياسة الجيوب”، والتي تهدف إلى تقسيم المنطقة المراد السيطرة عليها إلى جيوب وقضم محيطها، وصولًا للانفراد بكل منطقة على حدة.
وتعتمد قوات الأسد في ذلك على فتح أكثر من محور عسكري، وهو ما اتبعته في درعا، إذ انطلق المحور الأول من ريف السويداء الغربي، لتتبعه بمحور ثان من منطقة غرز شرقي درعا البلد، وفيما بعد فتحت محورًا ثالثًا باتجاه مدينة بصرى الشام التي لا يزال مصيرها مجهولًا، بعد سقوط عدة قرى وبلدات في محيطها.
وبالتزامن مع التقدم الذي حققه النظام، والدخول باتفاقيات مصالحة في عدة بلدات، غاب قادة الفصائل العسكرية عن المشهد الميداني لدرعا، وخاصة “جيش أحرار العشائر” المدعوم من الأردن و”قوات شباب السنة” وفصيل “جيش الثورة” و”فوج المدفعية والصواريخ”.
ووجهت اتهامات لهم بتسليم المناطق دون قتال، خاصة في الريف الشرقي الذي شهد انسحابًا واضحًا وسريعًا دون مقاومة تذكر، رغم أن العروض العسكرية الأخيرة كانت فيه، ومن بينها العرض العسكري لفصيل “قوات شباب السنة”، والذي ظهرت فيه عشرات الآليات العسكرية والرشاشات الثقيلة.
درعا البلد عقبة أمام الروس
رافقت التطورات السابقة هدنتان توصلت إليهما روسيا مع الفصائل العسكرية من أجل تحديد مصير مقاتلي المعارضة، وفرضت موسكو بنودًا تقضي باستسلامهم بشكل كامل وتسليم أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة، مع رفض خروجهم إلى الشمال بشكل نهائي.
ولم يتم التوصل خلال الهدنة الأولى إلى أي اتفاق، بينما فشلت المفاوضات التي رافقت الهدنة الثانية، على خلفية إصرار الروس على استسلام الفصائل بشكل كامل للنظام السوري، وهو ما رفضته الأخيرة وخاصة العاملة في درعا البلد ومدينة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي.
وبالإضافة إلى المحاور السابقة التي فتحتها قوات الأسد، تسير في محور باتجاه كتيبة الدفاع الجوي غربي درعا البلد، والتي تحاول السيطرة عليها لمحاصرة أحياء درعا البلد بشكل كامل، إذ تعني السيطرة على الكتيبة قطع الطريق الحربي بين الريفين الشرقي والغربي لدرعا.
وتأتي هذه المحاولة بعد عام من هجوم مماثل سيطرت فيه على الكتيبة وقطعت الطريق الحربي ناريًا، لكن سرعان ما استعادت الفصائل نقاطها وأوقعت في قوات الأسد عشرات القتلى والأسرى، بالإضافة لاغتنام آليات وأسلحة وذخائر متنوعة.
وفتحت قوات الأسد في الهجوم السابق جيبًا عسكريًا من حي سجنة (المجاور لحي المنشية)، باتجاه المزارع من الجهة الخلفية لجمرك درعا القديم، على الحدود السورية الأردنية، وذلك في محاولة لحصار كامل درعا البلد.
فتح معبر نصيب
منفعة متبادلة بين ثلاث دول
إلى جانب الأهداف العسكرية، تتجه أنظار قوات الأسد نحو معبر نصيب الحدودي مع الأردن والخاضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية، إذ استقدمت تعزيزات ضخمة لفتح معارك من بصرى الشام وخربة غزالة باتجاه المعبر في حال لم تسفر المفاوضات مع الفصائل عن اتفاق.
المعبر يقع بين بلدة جابر الأردنية في محافظة المفرق، وبلدة نصيب السورية في محافظة درعا، وبدأ العمل بإنشائه في 1991، ويعتبر من أكثر المعابر ازدحامًا على الحدود السورية، وله أهمية استراتيجية للمصدّرين السوريين إذ يقع على الطريق الدولي الواصل بين دمشق وعمان.
وسيطرت فصائل المعارضة السورية على المعبر، في نيسان 2015، بعد انسحاب مقاتلي الأسد منه، ما دفع الجانب الأردني إلى إغلاقه، على خلفية السرقات التي تمت فيه.
وعلى الرغم من تشكيل المعارضة السورية للجنة مدنية لمتابعة واستلام أمور المعبر، والتكفل بتنظيمه وإدارته كما هو الحال في معبر باب الهوى على الحدود التركية، إلا أن ذلك قوبل برفض أردني، بالرغم من الخسارة المالية الكبيرة للاقتصاد الأردني.
وشغل المعبر حديث الإعلام المحلي، خلال العامين الماضيين، وسط انتشار أنباء متقطعة عن صفقة تسوية بين النظام والمعارضة، لتسليم النظام إدارة المعبر بالتوافق مع الأردن، لكن الأنباء بقيت دون تصريحات رسمية ولم تتضح خطوط الاتفاق.
ووضع الأردن خمسة شروط من أجل إعادة فتح المعبر، بحسب ما ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” في تموز 2017، تتمحور حول وجود موظفين سوريين محايدين، ورفع علم النظام على المعبر، الذي يبقى تحت سيطرة قوات معارضة يوافق عليها الأردن، وإبعاد قوات الأسد والميليشيات الإيرانية عن المعبر، إضافة إلى تأمين الطريق الدولي الواصل بين دمشق والحدود.
لكن مجالس محلية وفصائل معارضة في درعا ردت، في تشرين الأول 2017، بوضع ثمانية شروط لفتح المعبر أولها إنهاء ملف المعتقلين من خلال الإفراج الكامل عنهم بضمانات دولية، ورفع علم الثورة على المعبر، وإشراف مجلس محافظة درعا على كامل إدارته، وإيكال مهام التعيينات لموظفين من ذوي الخبرة في المناطق المحررة، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى الجنوب والغوطة الشرقية (المحاصرة قبل سيطرة النظام السوري في نيسان الماضي) بضمانات دولية، واعتباره نافذة للاستيراد والتصدير بين الأردن والإدارة المدنية في محافظة درعا، وعدم انتشار النظام والقوات الروسية في المعبر بأي صفة كانت.
لكن جميع الشروط، والجهود الحثيثة التي بذلك لإعادة المعبر، بقيت مجرد محاولات بين الأطراف الثلاثة، قبل عزم النظام السيطرة عليه حاليًا بعد اتفاق ضمني بين روسيا وأمريكا والأردن على عودة قوات الأسد إلى كامل الحدود الأردنية.
كوريدور تجاري لبناني- سوري- أردني
إصرار النظام السوري على فتح المعبر، إلى جانب الأردن الذي عمل على فتح قنوات مع النظام بعد قطيعة دامت سنوات عبر إرسال وفد اقتصادي في مقدمته رئيس غرفة صناعة الأردن، عدنان أبو الراغب، إلى العاصمة السورية (دمشق) في أيار الماضي، يأتي من الأهمية الاقتصادية للمعبر لكلا الطرفين.
إغلاق المعبر شكل ضربة اقتصادية كبيرة للطرفين، وخاصة الأردن كونه يعتبر ممره إلى السوق الأوروبية، إضافة إلى أن 70% من طعام ومستوردات وصادرات الأردن، كان طريقها من سوريا، بحسب ما قاله رئيس هيئة مستثمري المنطقة الحرة، نبيل رمان، في تصريح سابق له لوكالة فرانس برس في 2015.
ويعتبر المعبر المنفذ الوحيد وجسر عبور أمام الشاحنات الأردنية المتجهة إلى لبنان وتركيا ودول البلقان، والتي تشكل نسبة لا بأس بها من الصادرات الأردنية.
وبحسب بيانات التجارة الخارجية الصادرة عن دائرة “الإحصاءات العامة الأردنية”، في تموز 2017، فإن الصادرات الأردنية إلى سوريا خسرت حوالي 83.7% خلال السنوات الخمس الماضية، وانخفضت قيمة الصادرات من 183 مليون دينار في 2011 إلى 29.8 مليون دينار في 2016، بمقدار خسارة بلغت 153.2 مليون دينار.
وسجلت الصادرات خلال الثلث الأول من العام الحالي 9.9 مليون دينار، بدلًا من 12.5 مليون دينار لنفس الفترة من العام الماضي بنسبة انخفاض تصل 20.8%..
في حين أكد النائب الأول لرئيس غرفة تجارة الأردن، غسان خرفان، لوكالة “الأناضول” في نيسان 2016، أن خسائر المملكة الأردنية من إغلاق الحدود مع سوريا والعراق نحو ملياري دولار.
أما أهميته بالنسبة للنظام السوري فهي سياسية في المرتبة الأولى، إذ يعيد المعبر العلاقات الاقتصادية مع الأردن ويخفف الحصار المفروض على نظام الأسد، ما يضفي صفة الشرعية عليه أمام العالم كونه يتحكم بالحدود والمعابر الحدودية.
ومن الناحية الاقتصادية يبحث النظام عن تصدير منتجاته إلى السوقين الأردنية والخليجية، إضافة إلى تحقيق عوائد مالية ضخمة ورفد خزينته من القطع الأجنبي من خلال الجمركة على المعبر والترانزيت عبر دخول الشاحنات الأردنية إلى سوريا، إضافة إلى مرور الشاحنات اللبنانية عبره، خاصة وأن المعبر هو المنفذ البري الوحيد للبنان مع الأسواق العربية، وخاصة الخليجية، إذ سيتشكل “كوريدور تجاري” بين لبنان- سوريا- الأردن.
وأدى إغلاق المعبر إلى خسائر كبيرة في لبنان، إذ كانت تمر عبره 70% من الصادرات الزراعية و32% من الصناعات الغذائية، و22% من صادرات الصناعة بشكل عام، بحسب ما نقله رئيس مجلس إدارة ومدير عام المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات (إيدال)، نبيل عيتاني، لـ “الشرق الأوسط”، في 16 من تموز العام الماضي.
سلسلة النزوح السوري مستمرة.. هل تنتهي في درعا؟
توالت التقارير الأممية والحقوقية المتخوفة على مصير أكثر من 750 ألف شخص محاصرين في محافظة درعا، جنوب غربي سوريا، محذرة أطراف النزاع من استهداف المدنيين، وداعية إلى إبعادهم عن أي حسابات سياسية وعسكرية.
وما إن بدأت العمليات العسكرية فعليًا في الجنوب السوري، في 19 من حزيران الماضي، حتى بدأت معها موجات نزوح ضاقت بأهلها ذرعًا حين أعلن الأردن بشكل صريح عدم جاهزيته لاستقبال أي لاجئ سوري، ومثله إسرائيل، في حين لا تسمح النقاط التفتيشية التابعة للنظام السوري للنازحين بالعبور إلى مناطقه، إلا بمقابل مالي “كبير”.
النزوح إلى ارتفاع.. والأبواب مغلقة
تشير آخر إحصائية للأمم المتحدة، الصادرة السبت 30 من حزيران الماضي، إلى أن عدد النازحين من محافظة درعا جراء المعارك وصل إلى 160 ألف نازح، وسط توقعات بارتفاع العدد في الأيام المقبلة، في حال استمر التصعيد على ما هو عليه.
ووفق ما أفاد مراسل عنب بلدي في درعا، فإن الإحصائيات غالبًا ما تغطي النازحين الموجودين على طول السياج الحدودي الفاصل مع الجولان المحتل، إذ فضل النازحون التوجه إلى هناك لضمان الابتعاد عن قصف الطيران الحربي.
الأردن بدوره لم يستجب لدعوات شعبية ودولية طالبته بفتح الحدود أمام النازحين، معلنًا أنه ضاق ذرعًا بوجود ما يزيد على 650 ألف لاجئ سوري على أراضيه، فكيف هو الحال إذا فتح أبوابه من جديد بوجه نازحي درعا.
وقال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، عقب لقائه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن الأردن تحمل بما فيه الكفاية من أعباء اللجوء السوري، ووصل إلى طاقته متحملًا المسؤولية لوحده، على حد تعبيره.
وأضاف، “الحدود مع سوريا مغلقة والتحركات في الداخل السوري هي شرقًا وغربًا، وتستطيع الأمم المتحدة العمل في الداخل لحماية وتأمين السوريين في ذلك، ونحن معهم نقدم الدعم لهم”.
وعلى صعيد شعبي، أطلق مغردون أردنيون حملة على موقع “تويتر” تطالب بفتح الحدود الأردنية- السورية أمام النازحين، تحت وسم “#افتحوا_الحدود”، كما خرجت مظاهرات شعبية في مدينة إربد الأردنية، طالب فيها المتظاهرون بوضع الاعتبارات الإنسانية فوق كل شيء، في وقت اتخذ فيه الهاربون من القصف العراء مأوى لهم.
إسرائيل تلعب على وتر النازحين
بدورها، استغلت إسرائيل أزمة النزوح في الجنوب السوري للترويج لنفسها على أنها صديقة الشعوب العربية التي تعاني من قمع حكامها، وذلك عبر تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين السوريين الواصلين إلى حدودها.
ونشر الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، تسجيلًا مصورًا عبر حسابه في “تويتر” يظهر تقديم بعض المساعدات للنازحين على الحدود الإسرائيلية- السورية، وتحدث عن تقديم نحو 300 خيمة و13 طن غذاء وثلاثة أطنان غذاء للأطفال ومساعدات لوجستية ومواد طبية.
ومن منطلق “حسن الجوار”، أعلن أدرعي استجابة الحكومة الإسرائيلية لأزمة النازحين عند حدودها، مؤكدًا أن “جيش الدفاع يواصل منذ سنوات تقديم الدعم للنازحين السوريين، كبادرة حسن نية”.
“حسن النية” التي تحدث عنها أفيخاي قابلها تصريح مناقض من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدرو ليبرمان، الذي قال إن إسرائيل لن تسمح بدخول أي لاجئ سوري إلى “أراضيها”.
وأضاف ليبرمان، في تغريدة عبر حسابه الرسمي في “تويتر”، “نحن نراقب عن كثب الأحداث في جنوب سوريا، سنحمي مصالح إسرائيل الأمنية، ومثلما هو الحال دائمًا سنكون مستعدين لتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين، النساء والأطفال، لكننا لن نقبل دخول أي لاجئ سوري إلى أراضينا”.
وعلاوة على التضييق الحدودي الأردني- الإسرائيلي، أدانت الأمم المتحدة استغلال النظام السوري لأزمة النزوح عبر تقاضيه أموالًا طائلة من النازحين الراغبين بالدخول إلى المناطق الواقعة تحت سيطرته.
إذ قال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد الحسين، في بيان إن النظام السوري لم يسمح للمدنيين بدخول المناطق الواقعة تحت سيطرته في محافظتي درعا والسويداء.
وأضاف أن نقاط التفتيش التابعة للنظام السوري تتقاضى مئات الدولارات من المدنيين لتسمح لهم بالمرور.
ضعف الاستجابة لأزمة النزوح يثبت مرارًا عجز المجتمع الدولي عن ممارسة صلاحياته بحماية المدنيين في سوريا، وذلك على حساب المصالح السياسية والعسكرية للدول الكبرى الفاعلة في الصراع السوري.