السويداء – نور نادر
بدأ سكان وناشطو محافظة السويداء والمنظمات الإنسانية العاملة فيها بالتحرك لاستقبال نازحي درعا، وصد ما يقولون إنها فتنة يعمل النظام على خلقها بين المحافظتين الجارتين، بعد الحملة العسكرية المكثفة على درعا.
وكان التوجّه الأول من قبل بعض المنظمات المحلية والجمعيات الأهلية لإنشاء مراكز إيواء تستوعب الأعداد الكبيرة من نازحي درعا إثر التقدم العسكري لقوات النظام على حساب فصائل المعارضة، والذي دفع الآلاف من أهالي درعا لمغادرة منازلهم وقراهم ومدنهم تخوفًا من أعمال انتقامية.
بينما أخذ بعض الأهالي على عاتقهم دعم سكان السويداء ماديًا، عبر توفير مستلزماتهم في مراكز الإيواء ومواقع النزوح، ومعنويًا، عبر التأكيد على الوقوف بوجه محاولات خلق الفتنة من قبل النظام.
بتنسيق بين منظمات سورية و”المفوضية السامية لشؤون اللاجئين” تقرر إقامة مركز إيواء في بداية قرية القريا، في ريف السويداء الجنوبي، يتسع لحوالي ألف أسرة، عبر تحويل ملعب كرة قدم تابع لـ “اتحاد شبيبة الثورة” سابقًا، إلى مكان مؤهل لاستيعاب النازحين.
وأسهمت في هذا المشروع منظمة “الهلال الأحمر العربي السوري”، و”الأمانة السورية للتنمية”، و”الجمعية السورية للتنمية”، و”دائرة العلاقات المسكونية والتنمية”، و”لجنة الإغاثة في الهلال الأحمر”، وتم ذلك بموافقة النظام السوري.
محافظ السويداء، عامر إبراهيم العشي، استقبل رئيس مكتب “المفوضية السامية للاجئين” في سوريا، مالك سجاد، في وقت لا تستطيع المنظمات الدولية التحرك دون الحصول على موافقة المحافظة وموافقة أمنية.
أحد العاملين في مركز الإيواء الجديد المقام في القريا (رفض ذكر اسمه أو الإشارة إلى جمعيته لأسباب شخصية)، أكد لعنب بلدي أن عمل المركز سيبدأ بعد أن تنضب الطاقة الاستيعابية لمركز الإيواء المقام مسبقًا في قرية رساس، إلى الجنوب من مدينة السويداء، عن استقبال النازحين.
وأوضح العامل في مركز القريا أن مركز رساس لا يزال يتسع لنحو 500 أسرة، لافتًا إلى أن تجربة الغوطة منحت العاملين في مجال الإغاثة في السويداء خبرة إغاثية إسعافية، ما دفعهم لإنشاء عدة مراكز إيواء مؤقتة خلال يومين فقط.
وأكد العامل في مركز القريا المحدث، أنه وزملاءه يعملون على تجهيز كوادرهم الإسعافية والإغاثية للاستجابة السريعة في الحالات الطارئة وتقديم جميع المواد الإغاثية لمدنيي درعا.
“سهلنا والجبل.. جرحنا وملحنا واحد”
بالتوازي مع العمل الإغاثي المنظم، أخذ أهالي السويداء على عاتقهم دعم النازحين، وذلك من خلال مجموعات أهلية صغيرة تعمل على سد أجزاء من احتياجات الواصلين الجدد إلى مراكز الإيواء.
ودعت مجموعة من أهالي مدينة شهبا، عبر موقع “فيس بوك”، وضمن مبادرة لجنة الإغاثة “بيتي أنا بيتك” إلى التبرع بشكل عاجل وضروري بتجهيزات منزلية أو أي نوع من أنواع الفرش، بعد “تزايد حركة النزوح الطارئة التي اضطرت الوافدين لمغادرة منازلهم على عجل”.
كما أصدرت لجان “المواطنة والسلم الأهلي” في شهبا بيانًا تدعو فيه إلى “حماية السلم الأهلي والتأكيد على العيش المشترك بين المحافظتين (درعا والسويداء)، لمواجهة خطاب التحريض والكراهية وتحييد المدنيين”، وجاء في مقدمته “سهلنا والجبل جرحنا وملحنا واحد.. ألمنا وأملنا واحد، هذا ما يقوله الماضي وما سيقوله المستقبل”.
أما تجمع “القوى الوطنية المعارض” في المحافظة، فأصدر بيانًا ذا لهجة أكثر حدة يدين محاولات النظام “تعزيز الفتنة وإن كان على حساب أرواح الأبرياء”.
ووجه البيان اتهامًا واضحًا وصريحًا للنظام وحمله المسؤولية “عن القذائف المتفرقة التي سقطت على المحافظة خلال الأسبوعين الفائتين”، وأعلن “تضامن التجمع غير المشروط مع أهالي سهل حوران”.
“أنا حوراني.. أنا من حوران”
يستخدم ناشطون في السويداء على مدى الأسبوعين الفائتين هاشتاغ “أنا من حوران” في منشوراتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، للتعبير عن تضامنهم مع أهالي درعا، مشيرين إلى قلة حيلتهم وعجزهم إزاء ما يحدث.
عدد كبير من أهالي السويداء، داخل المحافظة وخارجها، بدلوا صور صفحاتهم الشخصية على “فيس بوك”، لتصبح ذات خلفية حمراء مكتوب عليها “أنا من حوران”، بينما استخدم بعضهم إطار صورة شخصية يتضمن علم الثورة وجملة “أنا من درعا”.
وامتلأت صفحات أهالي السويداء بمنشورات متنوعة تسعى لتعزيز السلم الأهلي، منها ما يتحدث عن التاريخ المشترك للمحافظتين والمصالح المتبادلة والعادات والتقاليد الموروثة المتشابهة.
عنب بلدي التقت بناشط معارض للنظام في السويداء، يستخدم صفحته الشخصية للوقوف بوجه الفتنة والتعبير عن التقارب بين محافظتي درعا والسويداء.
وقال الناشط علاء بريك من مدينة السويداء “إنني أقف مع حق أهلنا في حوران في الدفاع عن أرضهم وأرواحهم في وجه الحملة العسكرية التي يشنها النظام وشركاؤه، مستخدمين كعادتهم سياسة الأرض المحروقة التي تفتك بالبشر والحجر وتؤكد المؤكد، وهو أنه لا إرهاب يفوق إرهاب النظام ومن يقفون خلفه”.
واعتبر أن “نجاح النظام في إعادة السيطرة على درعا، سيمكنه لاحقًا من الالتفات إلى السويداء، ووضع حد لكل الأصوات التي كانت تناهض النظام أو حتى تلك التي تطالب بتحييد المحافظة عن الصراع”.
كما وجه بريك خلال حديثه رسالة إلى أهالي السويداء قال فيها “أتمنى أن تصل الرسالة لأهلنا في الجبل بأن مصير السويداء مرتبط بمصير درعا، وأن نجاح النظام في هزيمة درعا، سيعني حتمًا هزيمة السويداء وتدمير كل ما حاولت الأصوات العاقلة في المحافظتين صنعه في السنوات الماضية”.
استطلاع رأي: النظام ينجح في خلق فتنة
أظهر استطلاع أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني وصفحتها في موقع “فيس بوك” أن غالبية القراء يؤمنون بنجاح النظام في خلق فتنة بين أهالي محافظتي درعا والسويداء، عقب الحملة العسكرية الأخيرة.
وطرحت عنب بلدي على قرّائها السؤال التالي “برأيك.. هل ينجح النظام في خلق فتنة بين أهالي درعا والسويداء لخدمة أهدافه العسكرية؟”.
شارك في الاستطلاع 830 مستخدمًا، أجاب 46% منهم بـ “نعم”، بينما نفى 30% من المشاركين أن يكون النظام قد نجح في خلق الفتنة، وصوتوا بـ “لا”.
النسبة الأقل كانت للمستخدمين الذي لم يتمكنوا من تحديد وجهة نظرهم حيال الموضوع، إذ صوّت 24% بـ “لا أعرف”.
التفاعل على منشور الاستطلاع عبر صفحة عنب بلدي في “فيس بوك”، جاء سلبيًا، ومتوافقًا مع نتائج التصويت.
إذ اعتبر المستخدم “أبو أحمد” أن النظام نجح بخلق الفتنة منذ زمن وليس الآن فقط، بينما اعتبر المستخدم “أمير” أن النظام وحلفاءه عملوا على مسار الفتنة منذ الأشهر الأولى للثورة السورية.