بيد يدير كأس العالم وبالأخرى يحرق سوريا

  • 2018/07/01
  • 12:51 ص
منصور العمري

منصور العمري

منصور العمري

في 19 من حزيران، وحين كان منتحب كرة القدم الروسي يلعب مع مصر، وبينما كان العالم يتابع مباريات كأس العالم في روسيا، شن بوتين حملة جوية ضخمة استهدفت محافظة درعا بأكملها، مترافقة مع قصف واجتياح بري للنظام السوري والميليشيات التي تدعمه. أدت الحملة المستمرة إلى قتل الأطفال والنساء، ونزوح نحو 250 ألفًا هائمين باحثين عن مأمن من طيران بوتين، كما استهدف القصف الروسي المشافي والملاجئ وقتل من فيها، ولاحق المدنيين الفارين منه إلى السهول وبين الشجر.

كل هذا والعالم لم يحرك ساكنًا، بل عبر عن صمت لم نره حين دمر بوتين مناطق أخرى في سوريا. انتشر اليأس والتعجب والغضب للمرة الألف في صفحات السوريين الاجتماعية. لا يجب الاستهانة بهذه المشاعر أبدًا، فقد عبروا عن فقدانهم أي أمل بتآخي الشعوب، ومبادئ حقوق الإنسان، والإنسانية ككل. لا ندري ما ستكون النتائج، لكني اعتدت أن أرى بصيص أمل دائمًا لديهم يحميهم من الانفصال المطلق عن البشرية، وهو عمل المنظمات الحقوقية التي تستمر في توثيق ما يجري ودعم السوريين بما يستطيعون. ربما حان الوقت أيضًا للرياضيين أن يثبتوا انتماءهم الإنساني، وعدم انفصالهم عن البشرية.

هل سيشهد التاريخ فوز منتخب السويد مثلًا بكأس حقوق الإنسان، لا بكأس ملطخ بدم إخوانهم السوريين.

أم ستستمر منتخبات دول العالم في خوض طريقها بين أشلاء البشر إلى كأس ملطخ بدماء الأطفال.

بدأ النظام السوري بمناوشات في درعا لاختبار رد فعل العالم، لكن الولايات المتحدة وجهت رسالة إلى أهل درعا أن لم نعد نحميكم.

أطلقت روسيا عدة هجمات، ولم يفعل العالم شيئًا، بل كان منغمسًا في كأس العالم، فبدأت روسيا بحرق درعا بمن فيها، وقصفت عدة مدن وبلدات وقرى في آن معًا، ولم يتحرك العالم، ثم بدأت باستهداف المشافي، وملاحقة المدنيين في السهول، وضرب الملاجئ.

كم هو سعيد بوتين ومحظوظ بحكومات هذا العالم!

بشكل أو بآخر يجب التأكيد على إيصال صور وأخبار الإجرام الروسي إلى حكومات المنتخبات المشاركة، ومدربيها، واتحاداتها الرياضية، واللاعبين، كي لا يتذرعوا لاحقًا بأنهم كانوا لا يعلمون، بل إنهم علموا وتجاهلوا كي تحاسبهم شعوبهم فيما بعد، أو ضمائرهم إن صحَت.

فمثلًا، يمكن للسوريين على الأقل أو كل من يدعمهم، أن يملأ الصفحات الرسمية للاعبين والمنتخبات بصور وفيديوهات وأخبار الإجرام الروسي في درعا.

الفيفا مطالبة بإيقاف البطولة فورًا، وهو الأمر الذي قد يكون شبه مستحيل، لأن الفيفا لم تظهر التزامًا أو اكتراثًا بحقوق الإنسان، بل بالموارد المالية أكثر عمومًا.

لكن الدول التي تعرف تمامًا ما تعنيه الرياضة ودورها في تنقية شوائب الحكومات القمعية، ورفع شعبيتها في دولها، وبين شعوب العالم، عليها التحرك.

قد يقول أحدهم، إن من ينسحب من كأس العالم يحرم من المشاركة في الكأس التالي. هذه المرة ستكون اسثناءً لأن الانسحاب لم يندرج في إطار الانسحابات الاعتيادية بل كان لهدف أسمى من أي شيء آخر، ويشترك مع الهدف الأول للرياضة، وهو دعم السلام العالمي، وتحسين العلاقات بين البشر لحماية البشر في النهاية. بالإضافة إلى تأسيس “المركز العالمي للرياضة وحقوق الإنسان” قبل أيام، والذي يهدف إلى مكافحة انتهاكات الحقوق المنتشرة في عالم الرياضة، وسيدعم ثقافة حقوق الإنسان في عمل الفيفا.

هل ستوقف بي إن سبورت بثها لكأس العالم؟ وتتخلى عن ملايين الدولارات في وقفة تاريخية مع الإنسانية وضد القتل؟

قناة الجزيرة العربية تتلقف كل تقارير هيومن رايتس ووتش والمنظمات الحقوقية، وتستضيف خبراء لنقاشها مع كل تقرير تقريبًا، لكن هذه المرة تجاهلت الجزيرة تمامًا تقارير لهيومن رايتس ووتش تتحدث عن كأس العالم. تبني الجزيرة للحقوق ودفاعها عنها يفرض عليها عدم التمييز بين أصحاب الحقوق ومرتكبي الانتهاكات لحسابات أخرى، في عالم تحولت حكوماته إلى راعٍ رئيسي للانتهاكات ومطالب بها صراحة أحيانًا، وبعضها متورط في جرائم حرب وقمع للحريات مثل روسيا منظمة كأس العالم 2018 (روسيا: قمع وتمييز قبيل “كأس العالم”).

ربما كان قرار تجاهل الجزيرة لهذه التقارير ليس موفقًا، لشدة وضوح هذا التجاهل، أو أن صاحب القرار كان يعلم ولكن لم يكترث فالأولوية لقناة بي إن سبورت. في الحالتين، لا ينتمي هذا لتاريخ الجزيرة الإعلامي المشرف الطويل.

تجاهلت الجزيرة أيضًا كل دعوات وأنشطة مقاطعة المونديال لسبب وحيد، هو عدم التشويش على قناه بي إن سبورت القطرية.

قناة الجزيرة التي أسهمت تاريخيًا في نشر الوعي بين الشعوب العربية وفتحت عيونهم لواقع لم يكن إعلام الحكومات يظهره، وجدت أن محنة السوريين ليست مناسبة للتعتيم على كأس العالم، وهو ما حذرت منه هيومن رايتس ووتش في تقريرها: “كأس العالم ليس مناسبة للتعتيم على محنة السوريين“.

يحق لك أيها السوري الذي عانى سنوات من جرائم الأسد وبوتين أن تروح عن نفسك بمتابعة مباراة مثلًا، إن كنت من عاشقي المستديرة، ولكن احذر من الوقوع في مطب الترويج لقاتلك. ربما تستطيع متابعة كأس العالم في منزلك، أو مع أصدقائك على أحد الروابط التي تبث المباريات بلا حقوق، ولكن لا ينبغي مطلقًا أن تشارك في أي عمل ترويجي لكأس العالم، يتضمن دفع أي أموال أو أي إسهام معنوي في الأعمال الترويجية التي تشمل بالتأكيد نشر بوستات في “فيس بوك” ووضع “اللايكات”، والتعليقات. أي مشاركة علنية تروج لكأس العالم، تحملك مسؤولية المشاركة في تبييض صفحة بوتين السوداء، وتصبح كمن يدعم قاتله.

لا يجب أن تدفع فلسًا واحدًا لقناة بي إن سبورت، لأنك ستضع أموالًا في حوض مالي تستفيد منه روسيا، ويمول بوتين حربه بها.

وإن كنت ملتزمًا أخلاقيًا أو قانونيًا بعدم مشاهدة الروابط التي تبث بلا حقوق، فيمكنك مشاهدة المباريات مجانًا على قنوات عالمية كثيرة تبثها مثل التركية وغيرها، ولكن إن كنت مصرًا على التعليق العربي فعدم مشاهدة المباريات أفضل من الإسهام في هذه الجريمة التاريخية، التي تعبر عن مدى انحطاط الرابط البشري في عالمنا.

لو بقي ذرة أخلاق واحدة أو شرف إنساني في ضمائر الدول التي تنادي بحقوق الإنسان، لسحبت منتخباتها من كأس العالم، الذي ينظمه بوتين بيد، ويحرق المدنيين والأطفال بيده الأخرى في درعا، ولتوقف المستفيدون والمروجون لكأس العالم، وانسحبوا من هذه الانحطاط الأخلاقي.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي