من مفرق جاسم للصنمين

  • 2018/07/01
  • 12:23 ص

إبراهيم العلوش

تنهمر دموع المدنيين من مفرق جاسم للصنمين، وعلى كل مفارق الجنوب السوري، الذي يرزح اليوم تحت قصف طائرات النظام، والطائرات الروسية، وميليشيات إيران.

فخلال الأيام القليلة الماضية، وبحسب عامر أبازيد مدير المكتب الإعلامي للدفاع المدني في درعا، فرّ حوالي 200 ألف مواطن من بيوتهم، وهم يهيمون في البراري تجبههم الشمس والعطش والبرد والأكاذيب العربية والدولية، فالأردن صار يقرف من دوره الإنساني، ويتعامل مع المدنيين السوريين كعلقة تسد معبر نصيب وتعرقل فتح المعابر مع النظام السوري، وهو ينتظر الميليشيات الإيرانية لتفتح له المعبر ولتستوطن على حدوده.

ويوجد 750 ألف إنسان مهددون بمثل هذ المصير، إن استمرت عملية الرعاية الروسية والإيرانية لهذا الإجرام، وهذا ليس غريبًا على روسيا التي انتقلت من تدمير مدينة غروزني إلى عملية تدمير سوريا بالكامل، كنموذج للسياسة الروسية التي تقوم بأعمال التدمير وغسل سمعتها المافيوية بمونديال كرة القدم، حيث تقدم نفسها كراعية للسلام والمحبة، بالإضافة لكونها راعية للقصف الصاروخي والكيماوي ولعمليات التعذيب في سوريا.

التقرير الأخير للشبكة السورية لحقوق الانسان وثق مقتل 6133 مدنيًا سوريًا على يد الروس منذ تدخلهم لإنقاذ النظام في 30 من أيلول 2015، بالإضافة لتدمير البنية التحتية لعدد كبير من المدن والقرى السورية، بحجة تطهيرها من الإرهاب، ومن كل من لا يرضخ للاحتلال الروسي، وهي اليوم تسعى إلى تسجيل رقم قياسي أعلى من القتلى ومن الجرحى في صفوف السوريين، فألعاب كرة القدم تقدم غطاءً لجرائمها، والعالم مشغول عنها بخروج ألمانيا من المونديال!

الروس الذين انتصروا على النازية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عفشوا كل شيء في بلدانها، من معامل وثروات، وعفشوا أيضًا أفكار النازيين، فعامل القادة الروس شعبهم بكل قسوة النازيين، وتعطشهم لاحتقار القيم البشرية، وها هم اليوم يعيدون تصدير النازية الروسية، وبنسخة أكثر تطورًا، تمزج بين عقلية المافيا المرنة، وسلاح الاتحاد السوفياتي المكدس في المستودعات، وهي تخرجه من اليأس وتدبر له المزيد من المدن والقرى السورية ليدمرها بكل احترافية وبرود.

لكن أهل درعا ليسوا لقمة سائغة، ولن يكونوا كذلك فهم أول من أطلق نداء الحرية في سوريا، ودفعوا ثمنًا غاليًا من أجلها، ولم يتخلوا عن مطالب السوريين في الخلاص من عبودية آل الأسد، وهم لن يقبلوا الاحتلال الروسي الإيراني الذي يدعم الشبيحة الذين صاروا غطاءً للاحتلال ولإعادة استعباد سوريا.

كما انطلقت ثورة 1925 من الجنوب السوري ومن السويداء، وأفضت إلى طرد الاحتلال الفرنسي، فثورة 2011 انطلقت أيضًا من الجنوب السوري، ومن درعا، وكانت إيذانًا بإطلاق صرخة الحرية للسوريين جميعًا، ورغم الثمن الغالي الذي يدفعه السوريون، وأهل درعا من ضمنهم، فإن ثورة الحرية لم ولن تتراجع عن طلب الكرامة والعدل، ولن ترضخ لعبودية المافيا الأسدية، حتى ولو تسلحت هذه المافيا بالميليشيات الإيرانية والقنابل الروسية، فهذه البلاد تطلب الحرية والكرامة وهي لن تستمر كمزرعة لآل الأسد ونظامهم المخابراتي.

الهجمة الروسية على الجنوب السوري تعتمد سياسة الأرض المحروقة لتفتح الطريق أمام الميليشيات الإيرانية والأسدية، لنهب ما تبقى من أملاك السوريين، كما فعلوا في غوطة دمشق ومخيم اليرموك حيث كانت الحماية الروسية مجرد أكاذيب وإجراءات شكلية، أفرغت بيوت الناس من أثاثها، وحتى من إطارات الأبواب والنوافذ وأحجار المراحيض، ما يقدم صورة ناصعة لنظام الأسد، وحقيقة حقده العلني وغير الدفين على السوريين.

لا يستطيع السوريون التعايش مع هذا النظام، سواءً قبل العالم به أم فرضه بالقوة، ولن يكون لروسيا غير الفشل وهي تعرّض نفسها لهزيمة قادمة لا تقل قسوة عن هزيمتها في أفغانستان، فهذا الدمار وهذا التهجير الذي تمارسه اليوم وغدًا في درعا، لن يجعلها مقبولة من قبل الشعب السوري، ولا تغرها أكاذيب أزلام النظام وخططهم، فإيران تدفع اليوم ثمنًا غاليًا نتيجة تعهدها بحماية هذا النظام، وها هي تصل إلى الإفلاس، وهي تحاول ترقيع وتجميل نظام الأسد، ولن يكون المصير الروسي أحسن حالًا.

نعم أهلنا في درعا يدفعون ثمنًا غاليًا لعدم قبولهم بنظام الأسد، ويدفع السوريون جميعًا مثل هذا الثمن، ولكن هذا لن يمكّن الشبيحة، ولا المحتلين الروس من الاستمرار إلى ما لا نهاية في فرض هيمنتهم على السوريين.

إن روسيا ترتكب الجرائم بحق السوريين، وبحق مصالحها في هذا البلد، ولن تنظف سمعتها لا بالمونديال ولا بكل العطور الفرنسية، وقبلها قال شبيحة النظام ومنهم الدكتور طالب إبراهيم، لو كان لدينا قنبلة نووية لضربنا السوريين بها، فالقنابل الكيماوية التي استعملوها منذ آب 2013 لم تمكنهم من النصر على شعب يريد الحرية والكرامة، وكذلك الترسانة الروسية لن تجلب لهم النصر، وقد كانت ترسانتهم أكبر وأضخم قبل هزيمتهم في أفغانستان.

من مفرق جاسم للصنمين، كانت أغنية للفرح والحب، أغنية عاشق لحبيبته، ورغم الحزن والألم هي اليوم أغنية الأمل والخلاص، فطيران الاحتلال الروسي الآن يقصف المدن والقرى في الجنوب السوري، ويقتل ويهجّر أهلنا، ولكنه في نفس الوقت يرسم مسار خروجه مهزومًا من سوريا.. والأيام قادمة.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي