لم تكن السياسة بمنأى عن الرياضة يومًا في العالم العربي، ولطالما بنيت قرارات الاتحادات الرياضية في الدول العربية بناء على الظروف السياسية والمصالح الاقتصادية والإقليمية، لكنها على الأقل كانت بعيدة عن شحن الشارع الرياضي العربي وإدخاله في جو من “المهاترات” اللاحضارية وغير الأخلاقية.
جاءت المشاركة التاريخية للعرب بأربعة منتخبات في كأس العالم المقام حاليًا في روسيا، على أبشع صورها في ظل ما شهدته الجولة الأولى من دور المجموعات، من تشفي وسخرية الجماهير العربية من بعضها بعد كل خسارة.
حالٌ يعكس إلى أي مدى وصل إليه التصدع بين الحكومات العربية والتي بدورها صدرته إلى شعوبها، وإعلامها الذي أجج من نيرانه.
فمن الحصار الخليجي لقطر والمحاولات لإفشال استضافة الدوحة لكأس العالم 2022، إلى تدخل تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة الرياضية ومستشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في الكرة المصرية، حتى تصدر المشهد الرياضي في مصر وحصوله على رئاسة فخرية من النادي الأهلي، قبل أن يستقيل بسبب غضب الجمهور المصري من تدخلاته بالكرة المصرية وأمنياته بإصابة نجم الكرة المصرية محمد صلاح، قبيل كأس العالم، وهو ما حصل في نهائي دوري أبطال أوروبا أواخر أيار الماضي.
إضافة إلى التصويت على ملف استضافة كأس العالم عام 2026، الذي شهد منافسة المغرب للملف الثلاثي المشترك للولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وذلك عشية افتتاح البطولة بالعاصمة الروسية موسكو. وقد فاز الملف الثلاثي المشترك بنسبة تصويت أعلى من المغرب، وهي المرة الخامسة الذي يخسر فيها المغرب استضافة البطولة.
وأظهرت النتائج تصويت كل من السعودية والكويت والأردن ولبنان والعراق وغيرهم للملف الثلاثي، بعد تهديد رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، عبر حسابه في “تويتر”، في 28 من نيسان الماضي، بقطع المساعدات عن الدول التي لن تصوت للملف الثلاثي بما فيها الأمم المتحدة، وهو ما يعد خرقًا للقانون الأول لـ “فيفا” في “فصل السياسة عن الرياضة”.
وأتت الخسارة التي مني بها المنتخب السعودي أمام المنتخب الروسي بخمسة أهداف نظيفة بأداء باهت أمام أنظار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، كفرصة للمشجعين المغاربة للتشفي والاستهزاء قابله رد فعل من المشجعين السعوديين.
وفي أعقاب السجال على وسائل التواصل الاجتماعي، تصيدت بعض القنوات الفضائية بإدراج تلك المشاحنات ضمن برامجها الإخبارية.
واستضافت قناة “فرانس24” صحفيين رياضيين بينهم سعودي وآخر مغربي لمناقشة القضية، ليرى الصحفي المغربي فارس العشي أن حل المشكلة هو بـ “إنهاء شريط موسيقي، هو العرب والعروبة والانتماءات العربية، يجب الاعتراف بأن هناك انتماءات اقتصادية، والسعودية حرة بالتصويت لمن تريد”.
في المقابل لم يكن المغرب على الصعيد الرياضي- السياسي أحسن حالًا، إذ برزت مواقف للمغرب في التصويت على قرار يمنع فك الحظر عن الاتحاد الكويتي لكرة القدم، بالإضافة للتصويت على قرار يمنع العراق من استضافة مباريات رسمية على أراضيه، وكان أبرزها عدم إعطاء المغرب صوته للأمير حمزة بن الحسين لرئاسة “فيفا”.
قد لا يكون هذا الانقسام العربي- العربي سببًا مباشرًا لتراجع المستوى الرياضي، لكنه بالتأكيد يؤثر على أداء المنتخبات العربية ودعمها الجماهيري، إذ أصحبت الجماهير تنظر إلى المنتخبات بموجب أجندات السياسة التي تعتمدها دولها دون التركيز على إنجاح الرياضة وسبل تطويرها.