عنب بلدي- ضياء عودة
تتجه الأنظار إلى محافظة درعا، المعقل الأبرز لفصائل المعارضة في الجنوب السوري، بعد دخولها في ظروف جديدة فرضتها التعزيزات التي استقدمتها قوات الأسد والميليشيات المساندة لها، في الأيام الماضية، وتركزت على خط التماس الغربي لمحافظة السويداء، وفي محيط الريف الشمالي من جهة مثلث الموت.
يمكن القول إن المعركة بدأت فعليًا بعد أيام من الحشد والتحضير لها، ويؤكد ذلك دخول الطيران الحربي الروسي والسوري، الذي شن هجمات مكثفة في وقت متأخر من مساء السبت، 23 من حزيران، بعد التمهيد الناري الذي بدأته قوات الأسد على الريف الشرقي لدرعا، والترويج الإعلامي من جانب وسائل إعلام النظام أن طرد الفصائل من المناطق التي تسيطر عليها أصبح “واقعًا”.
الولايات المتحدة الأمريكية رفعت يدها عن فصائل “الجيش الحر” في درعا، بالتزامن مع مشاركة الطيران الروسي مع معركة قوات الأسد على المنطقة.
وحصلت عنب بلدي على رسالة وجهتها أمريكا للفصائل اليوم، السبت 23 من حزيران، جاء فيها “نحن في حكومة الولايات المتحدة نتفهم الظروف الصعبة التي تواجهونها الآن، ولا نزال ننصح الروس والنظام السوري بعدم القيام بأي عمل عسكري يخرق منطقة تخفيف التوتر في جنوب غربي سوريا”.
وأوضحت أمريكا موقفها “نفهم أنكم يجب اتخاذ قراركم حسب مصالحكم ومصالح أهاليكم وفصيلكم كما ترونها، وينبغي ألا تسندوا قراركم على افتراض أو توقع بتدخل عسكري من قبلنا”، مضيفة “يجب أن تتخذوا قراركم على أساس تقديركم لمصالحكم ومصالح أهاليكم، وهذا التقدير وهذا القرار في يدكم فحسب”.
وتعتبر الرسالة انسحابًا من قبل أمريكا من ملف الجنوب السوري ومن دعم الفصائل العسكرية.
وأكد المتحدث الرسمي باسم غرفة عمليات الجنوب المركزية، رائد الراضي، مضمون الرسالة، وقال لعنب بلدي إن المواجهات العسكرية تدور على كامل خطوط الجبهات بريف درعا الشرقي.
ويغطي الطيران الحربي والمروحي محاولة تقدم قوات الأسد باتجاه اللجاة، والضغط على كل من بصر الحرير والكرك الشرقي والمسيفرة والمليحات بريف درعا الشرقي.
هل تنجح المفاوضات؟
مفاوضات ومباحثات تدور حول الجنوب بين الأطراف الدولية اللاعبة والمتحكمة به، لكنها لم تصل إلى أي نقطة توافق، وقد يكون التحرك العسكري مؤشرًا على فشلها خاصةً بين الجانبين الرئيسيين أمريكا وروسيا.
ولا تزال الاحتمالات حول مستقبل المنطقة تدور حتى الآن بين بدء المعركة بشكل فعلي، والتي قد تكون الأكبر من نوعها في سوريا، وبين التوصل إلى توافق دولي من شأنه إيقافها والتحول إلى إرضاءات أخرى كما حصل في المحافظات والمناطق السورية الأخرى.
بانتظار 25 من حزيران
طوال السنوات السبع الماضية، رافقت المعارك بين النظام السوري والمعارضة على الأرض مباحثات واجتماعات سياسية، عُوّل عليها في الوصول إلى حل يوقف الصدام على الأرض مقابل تسويات أو اتفاقيات تضمن حسم المنطقة المتنازع عليها لأحد أطراف الصراع.
ويمكن التأكيد على دور المحادثات في المعارك الكبرى، بالاستناد على الجولات السياسية التي رافقت المواجهات في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي ومدينة حلب، التي كانت بداية العمل بمحادثات “أستانة” التي أدارتها ثلاث دول سميت بـ “الضامنة” للملف السوري، هي تركيا وإيران وروسيا.
الجنوب السوري لم يكن مختلفًا عن الملفات السابقة، وينتظر اليوم ما سيؤول إليه الاجتماع الذي يضم “الدول الست” في جنيف، والتي رغم تركيز أهدافها على مناقشة تشكيل اللجنة الدستورية، ستفرد مساحة للحديث عن الجنوب وخروقات قوات الأسد لاتفاق “تخفيف التوتر”، والذي انضم له الجنوب، منذ تموز العام الماضي.
رئيس المكتب السياسي لفصيل “جيش الثورة” العامل في درعا، بشار الزعبي، قال لعنب بلدي إن الاجتماع سيخرج بقرار واضح وحاسم بالنسبة لهجمات قوات الأسد، ومن المفترض أن يكون هناك موقف جاد للولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم تنسجم مع الخروقات وبدأت بالتصعيد بعدة بيانات آخرها للمبعوثة إلى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، التي قالت إن قوات الأسد “تنتهك بوضوح” اتفاق “تخفيف التوتر”، وإن أكثر من 11 ألف شخص تشردوا بالفعل بسببه.
وأضافت هيلي في بيان، “روسيا ستتحمل في النهاية مسؤولية أي تصعيد إضافي في سوريا”.
وتتواصل المعارضة مع الدول الراعية لاتفاق “تخفيف التوتر” في الجنوب حتى اليوم، وأضاف الزعبي لعنب بلدي أنه في حال التوافق على الخيار السياسي فسيتم التوجه له، أما إن كان الخيار عسكريًا ستتخذ الفصائل موقف المواجهة والتصدي لأي عمل عسكري.
ولم يتضح الموقف الأمريكي من تحركات قوات الأسد، وبحسب ما قالت مصادر مطلعة على تطورات الجنوب لعنب بلدي، ينحصر الخلاف حول مستقبل المنطقة بين الروس والأمريكيين، بينما أعطت إسرائيل الضوء الأخضر للأولى للتوغل في المنطقة شرط انسحاب الميليشيات الإيرانية والشيعية بشكل كامل.
وبموازاة انعقاد اجتماع الدول الست في جنيف تعقد “الهيئة العليا للمفاوضات” اجتماعها السنوي في العاصمة السعودية الرياض، ومن المفترض أن يتصدر ملف الجنوب قائمة مشاوراتها، لكن مصادر منها أكدت لعنب بلدي أنها غير قادرة على الخروج بموقف حاسم وفعال حول المنطقة.
وتتشابه الدول الست في تفكيرها تجاه الملف السوري، وهي بريطانيا وأمريكا والسعودية وفرنسا والأردن وألمانيا، وبحسب برنامج الاجتماع ستلتقي مع الدول الضامنة لاتفاق “تخفيف التوتر” (روسيا، إيران، تركيا).
الروس لم يحسموا المشاركة
على الأرض، كان الروس في موقف المهدد والملوح بالعمليات الرسمية، حتى مساء السبت، وكانت النقطة التي يمكن اعتبارها مشاركة “غير رسمية” هي ما يتعلق بـ “قوات النمر”، بقيادة العميد سهيل الحسن، والتي روج لها كرأس حربة في المعركة المرتقبة، فقد وصلت بأعداد ضخمة إلى خطوط تماس المعارضة في الريف الشرقي لدرعا بمشاركة من الشرطة الروسية، وبتغطية إعلامية مستمرة من الإعلام الروسي أيضًا.
لكن روسيا دخلت كطرف رسمي في المعركة وبدأت قصفًا لا يهدأ على مناطق درعا، مساء السبت، بحسب مديرية الدفاع المدني في المحافظة.
وتدور المعارك اليوم على ثلاثة محاور باتجاه الريف الشرقي لدرعا على طول خط يبلغ 40 كيلومترًا، وتحاول قوات الأسد فصل منطقة اللجاة بشكل كامل، عن طريق السيطرة على بلدتي بصر الحرير ومسيكة، اللتين تعتبران صلة الوصل بين اللجاة وباقي مناطق الريف الشرقي.
وفي حال عزل منطقة اللجاة، تتجنب قوات الأسد دخولها عسكريًا وتحاول الضغط عليها للاستسلام دون قتال، وتعرف المنطقة بوعورتها الجغرافية الصخرية، وبيئتها العشائرية، ما يجعلها حصنًا لفصائل المعارضة يتيح لها خوض معارك قد تمتد لأشهر طويلة.
لم يقتصر التوتر على الجبهات الشرقية فقط، بل انسحب إلى الجبهات الشمالية لدرعا والمحاذية لريف القنيطرة في منطقة مثلث الموت التي شهدت تعزيزات “ضخمة” أيضًا لكن لم يروج لها إعلاميًا كما هو الحال من جهة السويداء.
وبحسب ما قالت مصادر إعلامية لعنب بلدي، قد تشعل قوات الأسد جبهة مثلث الموت في الأيام المقبلة، كخطوة للسيطرة على مدينة الحارة والتل الاستراتيجي فيها، والذي يكشف مناطق واسعة في الريف الشمالي الغربي لدرعا.
ويعتبر تل الحارة أعلى التلال المرتفعة في ريف درعا الشمالي، ويشرف على مساحات واسعة من ريفي درعا والقنيطرة، مكنّت فصائل المعارضة من السيطرة عليها سريعًا بعد السيطرة عليه، في تشرين الأول 2014.
ويرى الزعبي أن تحركات قوات الأسد لا يمكن إدراجها إلا ضمن عملية التمهيد الناري، فالقصف عشوائي وليس مركزًا، أي أن التحركات الحالية حتى اليوم لا يمكن اعتبارها معركة نظامية.
لكنه يتوقع أن يتجه الجنوب إلى مرحلة التصعيد العسكري، مشيرًا إلى أن الفصائل مستعدة وقادرة على صد أي هجوم من قبل قوات الأسد.
وبمتابعة تطورات الأيام الماضية من التصعيد، تزامن قصف قوات الأسد مع البيانات التي تصدرها أمريكا، ويعتبر الزعبي أنها نوع من الاستهزاء ببيانات المجتمع الدولي.
بماذا تتمسك الفصائل؟
ومع اقتراب الصدام العسكري، لا يمكن تجاهل التركيز على نقاط القوة والضعف الخاصة بفصائل المعارضة، والتي من شأنها أن تكون ورقة لإثبات القدرة أو إظهار الضعف.
وتعمل في الجنوب عدة فصائل تتبع بمجملها لـ “الجيش الحر”، أبرزها “جيش الثورة”، “قوات شباب السنة”، “جيش أحرار العشائر”، “جيش اليرموك”، “ألوية العمري”، “لواء فلوجة حوران”، “جيش الإسلام”، “فوج المدفعية والصواريخ”، بالإضافة إلى “هيئة تحرير الشام” التي تنتشر على معظم الجبهات العسكرية.
وكخطوة استباقية أعلنت الفصائل تشكيل غرفة عمليات مركزية في درعا لصد أي تقدم من جانب قوات الأسد، وتبعها خطوة مشابهة لفصائل القنيطرة التي وحدت عملها العسكري في غرفة عمليات “الفتح المبين”.
وكانت قد استعرضت قواتها، مطلع حزيران الحالي، ضمن عروض عسكرية تزامنت مع وصول أول أرتال قوات الأسد، وترجمت كمحاولة لـ “إبراز الموقف” أمام النظام وحليفته روسيا.
ودار الحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، عن تسلم بعض الفصائل دعمًا جديدًا من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت قد أوقفت دعمها بشكل كامل في مطلع العام الماضي.
وبحسب ما قالت مصادر مطلعة لعنب بلدي، تلقت الفصائل دفعة من صواريخ “تاو الجيل الثاني” لكن بصورة محدودة، وتسلمها “فوج المدفعية والصواريخ”، وهو مختص ومدرب على استخدامها.
وأضافت المصادر أن فصائل درعا تمتلك كمية كبيرة من الصواريخ الموجهة “تاو”، لكنها تفتقد للعربات الثقيلة، وخاصة الدبابات التي تنتشر بشكل قليل وعلى جبهات محددة.
وترتبط درعا بالأردن بشكل مباشر، وتعتبر الحدود الأردنية البوابة الأساسية للحصول على السلاح من قبل الدول الداعمة وعلى رأسها أمريكا، لكن المملكة اتخذت في الأيام الماضية إجراءات على حدودها كخطوة استباقية لأي هجمات، بينها نشر سلاح ثقيل.
ولم يتضح الموقف الأردني أيضًا، ولم ينف الزعبي التحركات الأردنية على الحدود، لكنه اعتبر أنها خطوة احترازية وإجراءات روتينية خوفًا من أي هجوم على الجيش الأردني، مؤكدًا أن الفصائل توجد على بعد أقل من ستة كيلومترات عن الحدود، وفي بعض المناطق لا تبعد أكثر من 600 متر.
واحتضنت الأردن على أراضيها معظم الاجتماعات الدولية الخاصة بالجنوب، وكان آخرها استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وتعتبر الطرف الأبرز في تحديد مستقبل المنطقة في الأيام المقبلة، كونها الدولة الجارة التي تمتد حدودها على 375 كيلومترًا.
مبادرة مشابهة لريف حمص
على مسار آخر لتحديد مستقبل الجنوب، دخلت مصر إلى دائرة المفاوضات الخاصة به، كخطوة تشابه ما قامت به سابقًا في ملفي الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي.
الدخول جاء بصورة مفاجئة وحمل اسم “مبادرة” قدمها “تيار الغد السوري” إلى وفد روسي اجتمع معه على الأراضي السورية، وتضمنت الوصول إلى حل في الجنوب بنفس السيناريو الذي شهدته مدن وبلدات ريف حمص الشمالي.
وقال مصدر من “تيار الغد” (طلب عدم ذكر اسمه) لعنب بلدي إن الروس رحبوا بالمبادرة، واعتبروا أن نموذج ريف حمص الشمالي الأنجح في سوريا، كونه لم يؤد إلى تهجير كبير للأهالي وابتعد عن الخيار العسكري، ما جنب الأحياء السكنية الدمار.
وأضاف المصدر أن الاجتماع عقد يوم الجمعة 22 من حزيران، وأبدى الروس نيتهم المضي بنموذج ريف حمص في درعا، لكن بعد نقل المبادرة إلى الأردن التي تعتبر طرفًا أساسيًا لا يمكن تطبيق أي اتفاق حول المنطقة دونه.
وشمل التدخل المصري خطوات تشكيل اللجنة الدستورية، خاصةً بعد الحديث عن نية تركيا الاستحواذ على قائمة مرشحي المعارضة السورية، وبحسب المصدر اجتمع وفد من “هيئة التفاوض العليا” مع زير الخارجية المصري، سامح شكري، وبحثوا آلية تطوير الحل السياسي في سوريا، والخطوات اللازمة لتحديد المرشحين بصورة متوازنة.
السويداء إلى الواجهة
تعتبر السويداء نقطة أساسية لا يمكن فصلها عن مستقبل الجنوب، وكانت قد غيبت عن مشهد الحديث السياسي والعسكري طوال السنوات السبع الماضية، إلى أن تصدرت المشهد من جديد بالتعزيزات العسكرية التي وصلت إلى ريفها الشمالي والغربي من جهة، والوفد الروسي الذي زارها لتحديد مستقبلها من جهة أخرى.
في 21 من حزيران الحالي زار وفد روسي السويداء، واجتمع بشكل مغلق مع مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز، وناقشوا مستقبل المحافظة.
وذكرت شبكة “السويداء 24″، التي تغطي أخبار المحافظة أن الاجتماع عقد في مبنى محافظة السويداء بين مسؤولين روس وقيادات أمنية عالية المستوى، بحضور مشيخة عقل الدروز ووجهاء من المنطقة.
وقالت نقلًا عن مصادرها إن الاجتماع كان لمناقشة الأوضاع الداخلية في السويداء، وتطرق للجهات المسلحة الفاعلة على الأرض من الفصائل المحلية، بالإضافة لبحث في أوضاع الريف الغربي وحماية المدنيين.
وأضافت أن الروس تحدثوا في تصورهم عن وجود منظمات “إرهابية” في المحافظة، وضمنهم حركة “رجال الكرامة”، وعن الحلول الأمنية الممكن اتخاذها أو عقد المصالحات في المنطقة.
وبحسب ما قالت مصادر من السويداء لعنب بلدي، دار الحديث خلال الاجتماع عن مستقبل المحافظة، وتراتبية الإدارة العسكرية في المرحلة المقبلة.
وأضافت أن زيارة الروس تأتي للوقوف على تفاصيل إدارة المحافظة بشكل كامل، كونها نقطة بارزة في الجنوب ولها ارتباط كبير بمحافظة درعا.
وحضر الاجتماع المطران سابا اسبر، وأعضاء لجنة مركز المصالحة الروسي في المنطقة عصام الحسين رئيس مجلس المحافظة، وحسن الأطرش عضو اللجنة المركزية لحزب البعث، والشيخ نجدو العلي مدير الأوقاف الإسلامية في السويداء، والشيخ سعود النمر عن عشائر المنطقة.
وجاء عقب بيان نشرته حركة “رجال الكرامة” قالت إنها كانت وما زالت على موقف الحياد الإيجابي من أي “صراعات داخلية بين أبناء الوطن الواحد”.
وأضافت الحركة أنها ليست طرفًا في إراقة الدماء، ومتمسكة بثوابت قائدها الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس والشعار الذي كان يقوله دائمًا “دم السوري على السوري حرام”.
وحرمت الحركة التعدي من السويداء وعليها، وحذرت أي طرف من المساس بهيبة جبل العرب والاعتداء على أهله، ورفضت تحميل بعض الجهات أهالي محافظة السويداء مسؤولية ما يحدث في محافظة درعا، واعتبرت أن السويداء ليست الجبهة الوحيدة التي تنطلق منها العمليات العسكرية.
ومنذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011 حاول النظام السوري كسب ورقة الأقليات لدعم روايته السياسية والعسكرية التي يتمسك بها حتى اليوم، وحاول منذ بدء وصول تعزيزاته إلى الجنوب “خلق فتنة” من خلال القذائف التي سقطت على عدة أحياء سكنية، وقتل إثرها عدد من المدنيين.