إإبراهيم العلوش
يقفز الراقص ويتعالى فوق خشبة المسرح، يطير عاليًا بثيابه السوداء، ولحيته الطويلة، وعمامته التي تكاد أن تتأخر عن اللحاق برأسه وهو يهبط إلى الخشبة، يدور خفيفًا مثل ورقة في مهب ريح عاصفة، وعندما يستقر على المنصة تتحول العصا التي بيده إلى هيئة صاروخ، ويتحول خاتمه المعدني إلى أداة حادة لشق الجلد، أو لقلع العيون.. إنه راقص الموت الذي يملأ حياتنا عذابًا، ويسهم بخراب كل ما بنيناه وكل ما حلمنا به، إنه آية الله العظمى الذي امتهن صناعة الخراب والظلم، والذي يرقص منتشيًا بتطاير أرواح شهدائنا.. إنه الراقص الإيراني الذي تحول إلى كابوس في حياتنا، وإلى غول يحتل بيوتنا ويفتح الباب واسعًا لتعفيش أشيائنا التي قضينا العمر في الشقاء لامتلاكها.
راقص الموت وصل مبكرًا إلى المنصة بصواريخه، وبأمواله، وبشعاراته السوداء، وكان أول ظهور علني لراياته الطائفية في سهول القصير، عندما ارتفعت راية “يا حسين” فوق مئذنة جامع بسيط وبدأ تهجير أهلها، وسرعان ما تدفقت جموع الكومبارس على منصة الموت، كومبارس بآلاف المتعطشين للقتل وللنهب وللتعذيب، يصرخون جميعا “يا حسين”، كومبارس من الإيرانيين والأفغان واللبنانيين والعراقيين، ومن كل صوب يأتي منه المرتزفة، مشاركين في لعبة الموت التي تحرق المنصة والجمهور، وستطال لاحقًا حتى المارة قرب المكان.. صيحات الكومبارس والدماء المتدفقة من سكاكينهم، تدفع المنصة للتوسع يومًا بعد يوم، واعدة الراقص بامتداد للمنصة أكبر حتى من مساحات الحريق المندلع في المكان.
لم يهدأ راقص الموت، ولم يقف لحظة واحدة وهو يمور في المكان، إنه يرمي الأموال مثل ساهر غر في ملهى ليلي، يرميها على الكومبارس، وعلى القتلة، وعلى كل من يقبّل حذائه اللامع، وعلى كل من يقبل بقتل أخيه، وعلى كل من يتنكر لأهله، وعلى كل من يكرر ترهاته عن الإمبراطورية الفارسية، العائدة من المقابر، على سرير ناعم من اللطميات والخرافات والاستزلام، وبرفقة جوقة من رجالات الدين المتخصصين بصناعة الأوهام.
في الطرف المقابل يخرج راقصو موت آخرون، دواعش ونصرة، ممن يلبسون السواد أيضًا، ويحاولون تقليد الراقص الأكبر المدعوم بالمال، وبالصواريخ، وبصناعة المكر عبر آلاف السنين، راقصو الموت الآخرون سرعان ما يتوارون ويختفون كالدخان، ليبقى الراقص الأكبر ذو العمامة السوداء، والعصا الصاروخية، وأداة التعذيب المعقوفة التي تقطر دمًا طوال الوقت.. لون الدم الأحمر يغري الراقص، ويجعله ينظر اليه بشغف وسط الظلام الذي يمتص سواد ثياب راقص الموت الماهر.
في المشهد التالي يرجع راقص الموت إلى جانب جديد من المنصة، وتحلق حوله الطائرات الروسية، ويبدو نهر الفرات وقد تلون بالأسود، فالرقصة صارت تحتل ضفة الفرات، وتنشر جوقاتها وشعاراتها وأوهامها، وتلتهم البشر الجياع والخائفين لتدفعهم إلى موت أكثر سرعة وأكثر وحشية.
راقص الموت يظهر وقد تلوت أفعى كبيرة حوله، إنه يريد تحويلها إلى طريق يمد عليه جوقات كورسه وناشري الخراب، إنه يريد اغتصاب المكان من جديد معيدًا سيرة المناذرة الذين كانوا يرقصون في جوقته قبل مئات السنين، يريد إعادة المكان كجسد خنيق يمتلكه، ولا يأبه لرائحة الجريمة المنتشرة في المكان.
الراقص الإيراني لا يزال منتشيًا برائحة الدم والخراب، ولا يزال سكرانًا بتاريخ كسرى وسيرته الفارسية، ويحاول التهام المكان بنهم، وقد أنفق كل ما يملك من أجل هذه الرقصة الجهنمية.
راقص الموت تتطاير ثيابه ويرفرف سوادها فوق دمشق، وفوق بيروت، وفوق صنعاء، راقص الموت لا يعلم نهاية لهذا الجنون، ولا يعلم نهاية لهذا الحريق، ولا يريد أن يصحو من سكرة الحرب والمال البترولي، ولا من سكرة التاريخ التي تطلق العنان لحناجر كورسه وترفع نداء الموت لكل من لا يستسلم لها.
إنه يرقص اليوم على ضفة الفرات ويدميها، ويتجه إلى سهل حوران منذرًا بتحويله إلى بحيرات من الدم وفضاء من الحريق والدخان، ويفترض أن النار لن تمسه، وإذا مسته فإنها لن تضره، وجوقات الكومبارس تجأر بالمجد للخامنئي ولقاسم سليماني!
لكن مراسم الختام على وشك العزف، واشتعال الأضواء على وشك البدء، وراقص الموت لا بد له من السقوط في الحرائق التي أشعلها، فالمسرحية لا بد لها من نهاية، ولا بد لبطلها من نهاية تراجيدية تسقطه في لهيب الحرائق، فالموسيقى الصاخبة ستتعالى فوق جموع الكورس المتهالك، ولا بد من ترحيل رماد الراقص وأتباعه، فرائحة المكان صارت لا تحتمل، ومن سمحوا له بالرقص سئموا من تكرار حركاته.
الدخان الأسود يخيم على المنطقة، ولا بد من وضع نهاية ما له، نهاية سوداء أو بيضاء ولكنها حتمًا نهاية خالية من هذا الموت المستدام.
خبر أخير: تتدفق الميليشيات الإيرانية بلباس جيش الأسد، وقصف عنيف على درعا الآن!