نبيل شربجي
يرتبط يوم القيامة في أذهان المؤمنين بقضية الزمن المجهول، حيث يعتقدون بأن هناك يومًا ستتزلزل الأرض تحت أقدامهم، ولكنّ أحدًا لا يعرف متى هو ذلك اليوم.
وفي الوقت نفسه ترتبط الاعتقالات الأمنية والملاحقات الأمنية في سوريا لدى الكثيرين -مؤمنين وغير مؤمنين بيوم القيامة- بقضية الزمن المجهول أيضًا، حيث يعتقدون بأن الأرض تتزلزل يوميًا من تحت أقدامهم، ولكنهم لا يعرفون متى هو ذلك اليوم الذي ستختفي فيه الملاحقات الأمنية من حياتهم.
نعم لقد تحولت قضية الاعتقالات إلى قضية اعتقادٍ في أذهانهم، ترتبط بتفاصيل حياتنا وتوافهها اليومية، من أكل وشرب وجنس وفكر، وتعصب وتشدد وإرهاب.
وأخذت تزاحم معتقدات البعض مكانها داخل أدمغتهم سواء أرادوا لها ذلك أم لم يريدوا، فالأمر سيّان، فسواء آمنّا بيوم القيامة أم لم نؤمن فمفهومه أصبح متغلغلاً حتى النخاع فينا.
لكنّ المفارقة أنّك تستطيع بسهولة -نسبيًا- إنكار يوم القيامة، ويمكن لحياتك أن تتأقلم مع هذه الفكرة، لكنّك لن تقدر على الجزم بأن زمن الاعتقالات سينتهي إلى غير رجعة، لأنك حتى ولو طردت هذه الوساوس الشيطانية من ذهنك، فإن مواقف يومية تأبى إلا وأن تعطيك جرعات إضافية تبقي ذلك المرض الخبيث في حالة صحوٍ دائم.
والمفارقة الأخرى، أنه حتى المؤمنين بيوم القيامة حقّ الإيمان، قد يتيه إيمانهم هذا بين يوم وآخر في زحمةٍ من المشاغل والأهواء ليتصرف بما تملي عليه أهواء النفس أحيانًا ورغباتها.
لكن في المقابل حتى أهواء النفس وشياطينها لا تستطيع حمل المواطن السوري على تناسي قضية الأمن والاعتقالات ليتصرف بما يملي عليه ضميره اليقظ والحي والوطني هذا إن وجد، ولو قدّر له أن ينسى ذلك تحت ضغط مشاغله وسعيه وراء لقمة عيشه فإنّ المنظرين ليوم القيامة سيأبون إلّا بأن يذكّروه كل أسبوع بأن هناك أربابًا لا بدّ من تقديم فروض الطاعة لهم دائمًا.
والأكثر من ذلك أن تقييم نجاح التجارب وفشلها أصبح لدى الكثيرين يأخذ بحسبانه مدى إعطائه الهاجس الأمني حقه من الحذر والمراعاة، لتقدير نسبة الأخطاء التي ارتُكِبَت نتيجة عدم إيلاء هذا الجانب حقه الكامل، ومما يعني -وأنت بقمة تفاؤلك- أن لا تعمل إلا وفقًا لنصائح منظّري يوم القيامة آنفي الذكر ونظرياتهم، أي أن تبدأ بإصلاح نفسك فنفس أسرتك فنفس المجتمع، لتنطلق بعدها.. وتنتظر يوم القيامة..!!
فالحكمة إذًا تقتضي أن تراعي الهاجس الأمني في كل صغيرة وكبيرة وشاردة وصادرة وواردة، سواء دخلت مقهى للإنترنت أو ناقشت موضوعًا ما بصوت عالٍ ومسموع أو حاولت بخبث وتجرأت على دخول مواقع مشبوهة وعميلة كالفيس بوك مثلاً.. فالأمن الأمن.
ربما أكون متفائلاً وأقول أنني من المؤمنين بيوم القيامة، لأنّها على ما يبدو الحل الوحيد لقضية الملاحقات والاعتقالات الأمنية في سوريا.