عنب بلدي – خاص
“حالتنا تدمي الفؤاد، يمكن اختصارها بأطفالنا الذين يمشون حفاة، يقضون يومهم بجمع البلاستيك أو الفلين، لإشعالها والطبخ والخبز عليها”، بهذه الكلمات وصف رئيس المجلس المحلي في مخيم الركبان، المهندس سويد النقلان، الوضع في المخيم، بعدما تناقلت تقارير إعلامية أنباء موجات نزوح بالمئات منه في الفترة الماضية، إلى مناطق سيطرة النظام السوري، وهو ما عاد بالذاكرة إلى الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه المخيم والتهديد العسكري المحيط به.
تراجعت أوضاع المخيم على الحدود السورية- الأردنية في البادية، بعد إعلانه منطقة عسكرية مغلقة، إثر هجوم بسيارة مفخخة على موقع عسكري أردني في 2017.
وأوضح المهندس سويد النقلان، في حديث إلى عنب بلدي، أن ما يقارب 50% من العائلات تتهددهم المجاعة وقلة الغذاء، فالمساعدات التي وزعت سواء هذا العام أو الذي سبقه لا تكفي بأكملها لأكثر من شهرين، وقد وصل سعر برميل المياه الشحيحة في المخيم إلى 700 ليرة سورية، فيما سعر ربطة الخبز تجاوز الـ 700.
بينما تصل البطالة إلى 90% من نسبة السكان القادرين على العمل، وسط غياب شرطة أو سلطة فعلية، واقتصار العمل الطبي على الممرضين المتطوعين.
تسويات النظام “مغرية”
يصدر النظام السوري وحليفه الروسي تقارير تفيد بنقل مئات من المخيم باتجاه مناطق سيطرته “الآمنة”، غير أن المتحدث الرسمي باسم فصيل “الشهيد أحمد العبدو” في “الجيش الحر”، سعيد سيف، قال لعنب بلدي “لا نستطيع القول إن هناك تسويات علنية بذلك”، فكل ذلك يجري “بشكل فردي وبالخفاء”، عن طريق إرسال النظام أشخاصًا إلى المخيم، يحاولون نشر فكرة “العودة إلى حضن الوطن”.
ويتم ذلك عبر تسويات تطرح إمكانية عودة النازحين إلى بيوتهم دون أن يتعرض لهم أحد، مع إعطاء فترة ستة أشهر للمطلوبين أو من حمل السلاح أو للمتخلفين عن أداء الخدمة العسكرية، كما تعرض إمكانية إتاحة تشكيل لجان وطنية يحمي النازحون من خلالها مناطقهم، في حال حاول تنظيم “الدولة الإسلامية” التقدم إليها، ومشاركتهم في تلك المعارك لصده.
ومن الصعب، بحسب المتحدث الرسمي، تحديد الأشخاص المرسلين من قبل النظام، نظرًا إلى موقع المخيم في الصحراء ومداخله الكثيرة التي لا يستطيع الفصيل الإحاطة بها.
وينتشر في محيط المخيم فصيلا “الشهيد أحمد العبدو” و”مغاوير الثورة”، التابعان لـ “الجيش الحر” والمدعومان أمريكيًا.
أسباب عسكرية للنزوح
أوقف الدعم عن فصائل “الجيش الحر” مطلع 2017، وهو ما اعتبره المتحدث أبرز أسباب مغادرة المدنيين، فالراتب الذي يقدر بـ 200 دولار شهريًا، كان مصدر رزق للعديد من الأشخاص، إذ كان يساعدهم على مواجهة ويلات اللجوء في المخيم.
مصدر مسؤول من داخل المخيم، طلب عدم ذكر اسمه، تخوف من إشاعات تثار حول انسحاب القاعدة الأمريكية الموجودة في منطقة التنف، فرحيلها يجعل المخيم وأهله لقمة سهلة للنظام السوري.
وتربط واشنطن تفكيك “التنف”، بمفاوضاتها مع روسيا وإسرائيل بشأن الوضع جنوبي سوريا، وسط تحضيرات من النظام السوري لشن عملية عسكرية في المنطقة.
أما التسويات المحتملة بين النظام وفصائل المعارضة، فأوضح المصدر أن بعض الفصائل تحاول ذلك حاليًا، على طريقة التسوية التي تمت في منطقة القلمون، وقال “يريدون تسليم سلاحهم مقابل فتح الطريق إلى الشمال السوري باتجاه جرابلس وإدلب”.
لكن المتحدث باسم فصيل “العبدو”، نفى ذلك حاليًا، مردفًا أنهم لا يعلمون ما ستؤول إليه الأحداث لاحقًا.
ولفت المصدر إلى أن هناك ضغطًا يمارس من بعض الفصائل وقادتهم على القاطنين في المخيم لثنيهم عن الخروج والنزوح، وهو ما نفته سابقًا قوات “الشهيد أحمد العبدو”.
عائدون إلى مصير مجهول
وعن الأعداد أشار المتحدث العسكري سعيد سيف إلى أن الفصيل أحصى ما يقارب 200 شخص عادوا عبر حواجز النظام على طريق أوتوستراد دمشق- بغداد، وجمعهم النظام في السكن الجامعي بمطار الضمير، ليتم بعدها نقلهم إلى عدرا، وينحدرون من تدمر وضمير ومهين، وأعداد قليلة من المناطق الشمالية الشرقية، بالإضافة إلى أشخاص من ريف حمص الشرقي وريف السويداء، مشيرًا إلى أن النزوح توقف حاليًا.
مصير هؤلاء العائدين ما زال مجهولًا وسط غياب أي ضامن لهذه التسويات، لكن غياب الخروقات الكبيرة لاتفاق القلمون شجع المدنيين وأعطاهم “تطمينات” لقبول التسويات.
ومع ذلك، نبه المتحدث أن مستقبل الشباب ليس معلومًا بالتأكيد، ولم يستبعد قيام النظام بحملات مداهمة واعتقال لهم بهدف زجهم بالصفوف الأمامية في المعارك ضد تنظيم “الدولة”، التي بدأت فعلًا في الأسابيع الماضية بريف السويداء الشرقي.
ما هو مخيم الركبان؟
يقع مخيم الركبان في منطقة صحراوية على الحدود السورية- الأردنية قرب منطقة التنف، أنشئ في 2014، ويعيش فيه أكثر من 70 ألف نازح سوري، ينحدر معظمهم من أرياف الرقة ودير الزور وحمص وحماة.
تعتبر الأردن أن مشاكل المخيم مسألة سورية وليست أردنية، كونه واقعًا على الأراضي السورية، ورفضت أكثر من مرة إدخال مساعدات إليه، خوفًا من دخول لاجئين منه إلى المملكة، كما شددت الرقابة على الحدود خاصة عقب الهجوم الذي استهدف موقعًا عسكريًا أردنيًا فيها عام 2017.
في 2017 لم تستطع الأمم المتحدة إدخال سوى دفعتين من المساعدات الإغاثية إلى المخيم، كما سمحت الأردن، مطلع العام الحالي، بدخول مساعدات لمرة واحدة فقط.
يدير المخيم مجلس مدني محلي، من وجهاء وشيوخ العشائر في المنطقة، والفعاليات المدنية.