خطيب بدلة
الخبر الذي نشرته صحيفة “عنب بلدي” عن ذبح خمسة رجال في محافظة إدلب من قبل أشخاص مجهولين، جعلَ عشرات الأفكار والحكايات تتزاحم في مخيلتي أنا أخيكم الذي مَنَّ الله عليَّ إذ خلقني في سوريا الأسد، سوريا اللي “الله حاميها”.. وأرجو ألا يهزأ مني أحدٌ فيقول: كيف يكون الله تعالى حاميها، وقد تَدَمَّرَتْ، وتمزقت، وتقسمت، وامتلأت لبنان والأردن وتركيا وأوروبا والأميركيتان بأبنائها الهاربين من الخبط، والدَجّ، والـ طاق طيق، والموت تحت التعذيب؟
الشوارع غير المدمرة في المدن والبلدات والقرى السورية التي يحكمها الروس والإيرانيون وبيت الأسد، تعيثُ فيها حثالاتُ حزب الله، والحشد الشعبي، والشبيحةُ، والنبيحةُ، وقوافل التهريب، وجباةُ الرشاوى على الحواجز، وتجارُ المازوت، والبنزين، والسكر، والرز، والتبن، ومراكزُ بيع وشراء العَفْش المُعَفَّش من بقايا البيوت التي هدمها جيشُنا الباسل فوق رؤوس ساكنيها..
وأما المدن والبلدات والقرى الخارجة عن سيطرة حثالات الأسد فقد أصبحت مزدحمة بسرادق العزاء، وباعة الأكفان والبخور، وتجار المازوت، والسكر، والرز، وأسطوانات الغاز، والأمبيرات، والأسلحة، والفَشَك، والألغام، والحشوات، ومنظمات الإغاثة.. وبالمسلحين الذي لا يعلم أحدٌ غير الله تعالى لأي فصيل يتبعون، فقد ترك بعضُهم بلادَهم تنعم بالحضارة، والاستقرار، والوفرة، والقوانين الوضعية، والعلوم الإنسانية، والماء، والكهرباء، والإنترنت، والعلاقات الاجتماعية الدافئة، وجاؤوا إلى سوريا ليقيموا فيهما دولة خلافة قائمة على الزجر، والأمر، والنهي، والحرق، والتكفير، والتعزير، والرجم، والجلد، والذبح، وهو ليس ذبحًا مجازيًا كما في أغنية وديع الصافي “قتلوني عيونا السود”، ولا في الأغنية الهزلية: يا بو عيون اللويزي تدبح بحد قزيزي، وإنما هو ذبح حقيقي، “شَخْت” من الوريد للوريد، من دون ذنب، أو محاكمة، أو وجع دماغ.. فنحن السوريين، وبفضل المجرم التاريخي حافظ الأسد، أصبحت دماؤنا رخيصة، ولم يعد لدينا سجلات تحفظ أسماءنا وتخلد أعمالنا، ولا أهل يبكون علينا، أو يطالبون بنا.
زعم هؤلاء الكاذبون أنهم جاؤوا إلى بلادنا ليحررونا من ديكتاتورية الأسد، وإذا بهم ينهزمون أمام الأسد من كفر إلى كفر، ومن دسكر إلى دسكر، ويركزون أبصارهم على البلاد الصغيرة، يأتونها مصطحبين أعلامَهم السود، ومشايخَهم، ورجالَ إفتائهم الذين لا تعمل معهم عملية إصدار الفتاوى ضد حرية المرأة عشرين كيلومترًا بالتنكة، وفي حين تستولي حثالات الأسد وحلفائه على المدن الكبرى، والمطارات، والمواقع الاستراتيجية، يذبح تنظيم الدولة ثلاثة من النصرة لأنهم، بحسب الخبر المنشور في عنب بلدي، اشتبكوا مع بعضهم في “كفرهند”، أبعد منطقة في سوريا، ويستعرض بعضُهم غباءه أمام الناس فيطلق قذيفتين على الفوعة، فيستنفر طيران حثالات الروس والأسد ليقتل عشرات الأطفال والرجال والنساء في زردنا ورامحمدان وأريحا وبنش ومعرتمصرين وتفتناز ومدينة إدلب، وهم، أعني الحثالات المختلفة، لا يهمهم من يُقْتَلُ من أهالينا.
أخيرًا: إن ما يهم الروس والأسد إحكام السيطرة على المناطق المتبقية من البلاد، وأما تنظيم القاعدة فيحتسب الذين قتلوا شهداء، وبمجرد ما يتوقف القصف يسيرون قوافلهم لمتابعة عملهم في إذلال الشعب المبتلى بكل أنواع الحثالات، واحتلال قرى صغيرة، الأسد وحثالاته، في الأساس، مستغنون عنها.