"يرسل السجناء إلى السجن كعقاب وليس من أجل العقاب"
كيف يقضي المعتقلون العيد
منصور العمري
صباح كل عيد، يردد المعتقلون تكبيراته همسًا. يمشون في دوائر.. يتصافحون. يبكون ويضمون بعضهم. بعدها ينزوي كل معتقل إلى ذكرياته. ينوحون كأطفالٍ وجوه أمهاتهم الملائكية، وثيابهن العابقة بعطر الطحين والجوز والتمر. يفتقدون عيون أطفالهم المشدودة لأياديهم الممدودة بالعيدية. ينكسرون لتعب زوجاتهم أول أيام العيد وعرقهن الدافئ. تعصف بهم صور عائلاتهم وأحبابهم وحبيباتهم.. يهنئون أنفسهم في وحدتهم المزدحمة ويبكون بمرارة، فلا عيد لهم ولا لأحبائهم الذين ينتظرونهم.
قضيت عيدين في معتقل الفرقة الرابعة، عام 2012، وكان من أكثر الأيام إيلامًا للمعتقلين هو صباح العيد، لما له من خصوصية اجتماع العائلة، التي فقدها كليًا في الاعتقال، فينغمس في ذكرياته مع أهله، وعجزه عن تقديم عيدية لأبنائه، أو صلة رحمه، ومائدة إفطاره الصباحية الأولى بعد شهر من الصيام، والتي تعج بأنواع الطعام وألوانه، وكعك العيد وحلوياته، وغيرها من الأمور التي اعتاد فعلها في عيدي الفطر والأضحى.
منذ عام 2011 وحتى اليوم، اعتقل نظام الأسد مئات آلاف السوريين، بمن فيهم الأطفال والنساء وحتى الرضّع، وحرمهم من أبسط حقوق المعتقل، وحرم أهاليهم من رؤيتهم، تاركًا لهم جرحًا نازفًا لآخر حياتهم.
هذه الجريمة وحدها تكفي لتحريم إعادة تأهيل نظام الأسد، فملف المعتقلين أحد الملفات التي يغيبها المجتمع الدولي السياسي، وديمستورا تحديدًا، بالإضافة إلى عدم التعامل معه بالشكل الصحيح حتى اليوم من قبل السوريين وضحايا هذا الملف وعائلات المعتقلين.
تكفي هذه القضية الإنسانية للهتاف عاليًا بوجه الجميع، والترديد الأبدي الواجب على كل شخص لديه أدنى حس إنساني أو أخلاق ويؤمن بكرامة البشر: أن لا مكان لبشار الأسد إلا في المحكمة، وليس في رئاسة سوريا.
لا نعرف كم بقي من المعتقلين على قيد الحياة حتى اليوم، ولكن نعرف أنهم يموتون كل يوم. كثير منهم قُتل تحت التعذيب، بالإضافة إلى نسبة كبيرة يموتون بسبب ظروف الحجز اللاإنسانية، والتي تعتبر تعذيبًا بحد ذاتها.
انتشر الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة والتعذيب في مناطق سيطرة المعارضة أيضًا، ورغم أنه لا يمكن مقارنة الأرقام بنظام الأسد، لكن وفاة سجين واحد في الاحتجاز بسبب ظروفه، كافية لتجريم جميع المسؤولين عن السجن إلى أعلى المستويات، كما أن التعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز في أماكن غير صحية أو غير قابلة لحياة البشر تعتبر جرائم أيضًا.
تجب معاملة جميع السجناء باحترام بسبب كرامتهم المتأصلة، المنصوص عليها في جميع الدساتير الوضعية والدينية: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ”، كما ينص “العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية” على وجوب معاملة السجناء بإنسانية واحترام كرامتهم.
السجن هو عقوبة احتجاز الحرية، أيًا كان شكله، من اعتقال سابق للمحاكمة، أو سجن بعد المحاكمة، وكي يستوفي مكان الاحتجاز الشروط الواجبة والتعاليم الإنسانية والدينية -“دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض”، فما بالكم بالبشر؟- لا بد من توفر الشروط التالية فيه:
أماكن معيشة آمنة وصحية لكل السجناء.
الحماية من العنف والإكراه.
توفير خدمات الرعاية الصحية والأدوية الكافية، دون مقابل قدر الإمكان.
حماية السجناء من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو العقوبة المهينة، والتي لا توجد لها أي مبررات على الإطلاق يمكن التذرع بها. سلامة وأمن السجناء صحيًا ونفسيًا هي مسؤولية من يحتجزهم.
للسجين حق الحفاظ على نفسه وكرامته الإنسانية، فلا يجوز الاعتداء على جسمه ولا تعذيبه، ولا إهانته أو ضربه وتجويعه وسبه وشتمه، وله حق الاتصال بالآخرين وزياراتهم له.
“يرسل السجناء إلى السجن كعقاب، وليس من أجل العقاب”، كما يقول ألكساندر باترسون، وهو مسؤول سجون بريطاني، فكفوا عن ظلم البشر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :