ضغط مزدوج
تداعيات تقييد مفوضية اللاجئين في لبنان على السوريين
عنب بلدي – رهام الأسعد
لا يخفى الانفعال الحكومي اللبناني ضد مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تحت وطأة تداعيات اللجوء السوري على الأراضي اللبنانية، فوزارة الخارجية اللبنانية، التي غالبًا ما تكون المتهم في هذا الملف، أصبحت اليوم في موقف جعلها توجه أصابع الاتهام لمنظمة دولية تحت ذريعة “تخويف” السوريين من العودة إلى بلدهم.
تسارعت وتيرة التصعيد في ملف لجوء السوريين في لبنان، مؤخرًا، بعد قرار وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، تجميد تجديد إقامات موظفي منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، والتي تقدم خدماتها لما يقارب المليون سوري، لجؤوا إلى لبنان منذ عام 2011، وسط صعوبة التكهن بتداعيات هذا القرار على اللاجئين أنفسهم.
قرار باسيل “رسالة” إلى اللاجئين
إجراءات لبنانية عدة برزت مؤخرًا في إطار “تسهيل” عودة السوريين إلى ما تصفها الرواية الرسمية بـ “المناطق الآمنة” في سوريا، أكثرها جدلًا كان التنسيق مع حكومة النظام السوري لترتيب أمور العودة وفتح باب التسجيل على “العودة الطوعية” في البلديات اللبنانية، لكن تلك الإجراءات قوبلت بإجراءات “مضادة” من مفوضية اللاجئين، قيل إنها أحبطت مساعي الحكومة اللبنانية، وذلك حين وجهت المفوضية الأممية أسئلة “حرضت” من خلالها اللاجئين على عدم العودة، من وجهة نظر الوزير جبران باسيل.
تلك الأسئلة، المتمحورة بشكل عام حول قياس مدى معرفة اللاجئين السوريين بخطورة العودة، أثارت حفيظة الوزير باسيل، الذي أصدر قراره، الجمعة 8 من حزيران الحالي، القاضي بعدم تجديد إقامات العاملين في مفوضية اللاجئين، ما يعني ترحيلهم بعد انتهاء مدة إقامتهم.
بدورها، انتقدت المفوضية الأممية القرار، على لسان ممثلة مكتبها في لبنان ميراي جيرار، والتي قالت إن “19 موظفًا تضرروا من تجميد طلبات الإقامة”، داعية الحكومة إلى التراجع عن القرار.
الحقوقي اللبناني ناصر ياسين، مدير معهد “عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية” بالجامعة الأمريكية في بيروت، قال إن القرار لن يؤثر بشكل مباشر على وضع اللاجئين السوريين في لبنان، كونه يستهدف بالدرجة الأولى تقويض عمل المفوضية، وإخضاعها لضغط حكومي.
وأضاف ياسين، في حديث إلى عنب بلدي، أن تداعيات القرار على السوريين تتمثل في الضغط عليهم بموضوع العودة، وإيصال رسالة لهم مفادها أن الحكومة اللبنانية “غير راضية” عن استجابة المنظومة الدولية لأزمة لجوء السوريين، وأنها لا تريد من المجتمع الدولي سوى إغلاق ملف اللجوء بشكل كامل عبر إعادة السوريين إلى بلدهم.
واعتبر ناصر ياسين أن الوزير جبران باسيل يحاول بقراره هذا أن يجعل ملف عودة السوريين من ضمن مسؤوليات مفوضية الأمم المتحدة، وذلك لإضفاء طابع قانوني عليه، مشيرًا إلى أن مسألة العودة ليست بيد المفوضية وأنها أمر بغاية التعقيد يحتاج إلى نقاش على مستوى عالمي، ولا يمكن أن تخضع لطلب وزير داخل حكومة، على حد قوله.
أسئلة “روتينية”.. ماذا عن قانونيتها؟
أسئلة عدة طرحتها مفوضية اللاجئين على السوريين “الراغبين” بالعودة من لبنان إلى سوريا، فُسّرت على منحيين متناقضين، أحدهما من وجهة نظر الحكومة اللبنانية، التي اعتبرت أن الأسئلة “تخويفية” وتسهم في إقلاع اللاجئين عن العودة، والمنحى الآخر هو من وجهة نظر حقوقيين، اعتبروا أن الأسئلة ضرورية للتأكد من سلامة وأمن اللاجئين ومعرفة ما إذا كانوا مدفوعين للعودة تحت الضغط.
ووفق ما اطلعت عنب بلدي عليه، فإن الأسئلة تتضمن صيغًا عدة أهمها، “هل تعتقد أنك ستشعر بالأمان إذا عدت إلى بلدك؟ هل يوجد مكان يمكن أن تقيم فيه؟ هل ستعود إلى مدينتك أو إلى مدينة أخرى؟ هل تعلم أنه من الممكن أن تتعرض للاعتقال أو الالتحاق بالخدمة الإلزامية؟ هل تعلم أن حياتك قد تتعرض للخطر في سوريا؟
المحامية السورية صباح حلاق، عضو رابطة النساء السوريات، قالت لعنب بلدي إن هذه الأسئلة “قانونية وشرعية” وتصب في مهام ومسؤوليات الأمم المتحدة تجاه اللاجئين.
وأشارت، في حديثها لعنب بلدي، إلى أن الأسئلة روتينية تسألها المفوضية لجميع اللاجئين حول العالم الراغبين بالعودة إلى بلادهم التي لا تزال تشهد نزاعات، مضيفة أن المفوضية لم تخص السوريين بهذه الأسئلة وأن الحكومة اللبنانية ليست مستهدفة منها.
أما الحقوقي ناصر ياسين، فقال إن المفوضية لا تمنع أي لاجئ من العودة لبلده، لكن من الواجب عليها أن تتأكد من أن تلك العودة طوعية، مشيرًا إلى أن الأسئلة ضرورية في هذه المرحلة للتأكد من سلامة اللاجئين، خاصة أنه ليس لدى الأمم المتحدة القدرة على التأكد من صحة الأوضاع الأمنية في سوريا كونها لا تملك حرية التحرك في مناطق سيطرة النظام السوري.
وأضاف، “العودة الطوعية تستوجب أن تفتح حكومة النظام السوري الباب أمام المنظمات الدولية لمتابعة أمور اللاجئين والتأكد من سلامتهم”.
وعن أثر تلك الأسئلة، قالت المحامية صباح حلاق إنه لا يمكن لتلك الأسئلة أن تؤثر على قرارات السوريين بالعودة لبلدهم، كونهم هيؤوا أنفسهم للعودة واستفسروا من ذويهم عن الأوضاع الأمنية في سوريا.
إجراءات وتنسيق لعودة “طوعية”
أثار التنسيق الرسمي بين الحكومة اللبنانية وحكومة النظام السوري موجة انتقادات كبيرة، إذ تعتبر منظمات مدنية أن سوريا ليست آمنة بعد، ومع ذلك جرى مؤخرًا تجهيز دفعات من اللاجئين من أجل إعادتهم إلى سوريا تحت إشراف الأمن العام اللبناني.
العملية بدأت قبل شهرين، حين أعلنت البلديات اللبنانية عن فتحها باب تسجيل أسماء الراغبين بالعودة إلى سوريا، إذ دخلت الدفعة الأولى من اللاجئين، في 4 من نيسان الماضي، إلى بلدة بيت جن في ريف دمشق الجنوبي عبر حافلات ضمت 500 لاجئ، في حين تتجهز دفعة جديدة لدخول سوريا بعد عيد الفطر، تضم أكثر من ثلاثة آلاف لاجئ.
المحامية صباح حلاق قالت لعنب بلدي إن آلية العودة تبدأ بتسجيل الأسماء عند رؤساء البلديات اللبنانية، الذين يرفعون بدورهم تلك الأسماء إلى الأمن العام اللبناني، ثم يرفعها الأمن العام إلى حكومة النظام السوري، من أجل دراسة الأوضاع الأمنية للأشخاص الراغبين بالعودة وإعطائهم الموافقة، حيث يُنقلون بحافلات توفرها حكومة النظام السوري من لبنان إلى سوريا.
وأشارت المحامية إلى أنه بموجب الدراسات الأمنية رفض النظام السوري عودة أربع عائلات إلى منطقة الزبداني بريف دمشق، إذ لا يقبل النظام عودة اللاجئين المطلوبين أمنيًا أو المنشقين عن جيشه أو الذين حملوا السلاح ضده، وأضافت “عمليًا العائدون إلى سوريا هم من كبار السن والنساء والأطفال”.
واعتبرت أن تلك الآلية لن تشمل سوى فئة قليلة من السوريين في لبنان، لأن أغلبهم مطلوبون للنظام السوري، وينحدرون من مناطق لا تزال غير مؤهلة للسكن بعد سيطرة النظام السوري عليها.
وعن تلك العودة قال الحقوقي اللبناني ناصر ياسين إن ظاهرها طوعي لكن مضمونها يشير إلى أنها عودة “إجبارية” وتتم تحت الضغط.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :