“انقلاب”روسي أم”عفو” أسدي!
زخرت سنوات الثورة السورية بالشائعات. لكن آخر شائعتين، كانت لهما خصوصية. فهما تؤكدان إحساس معظم السوريين بأن المشهد في بلادهم بات عند مفترق طرقٍ حاسم.
يستحيل أن نعرف من الذي أطلق الشائعتين الأخيرتين. قد يكون النظام، أو طرف آخر. وقد تكون كل شائعة صادرة عن مصدر مختلف. لكن انتشار الشائعتين، بشكل هستيري، في أوساط السوريين، حسبما اتضح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يؤكد أن للشائعتين قيمة نوعية مختلفة عن معظم الشائعات السابقة لهما.
الشائعة الأولى، تلك التي تحدثت عن ملامح انقلاب روسي على الأسد في دمشق، وتحولت إلى حقيقة في نظر كثيرين من السوريين، الذين أصروا على ذلك، عبر تعليقاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، منذ بضعة أيامٍ فقط، وذلك رغم تأكيد مصادر إعلامية لديها مراسلين في دمشق، أن لا تغيرات ملحوظة على الوضع بالعاصمة.
الشائعة ذهبت إلى أقصاها، بأن الروس سيطروا على مفاصل الدولة السورية في دمشق، وأنهم اعتقلوا بعض المسؤولين البارزين. وتزامنت هذه الشائعة مع الأنباء عن توتر روسي – إيراني، بسبب رغبة موسكو في السيطرة على مناطق كانت حتى الآن، مرتع نفوذٍ خاص لحزب الله، في منطقة القصير، قرب الحدود اللبنانية.
أما الشائعة الثانية، فتحدثت عن نيّة رأس هرم النظام، إصدار مرسوم عفو عام غير مسبوق، يشمل كل الملاحقين لأسباب أمنية أو سياسية، وتبيض السجون، وأخيراً، دمج أفرع الأمن، في فرع واحد، وضبط صلاحياتها.
من الملاحظ أن الشائعتين، توحيان بأهداف مختلفة، للمصادر التي أطلقتها. ففي حين لا تبدو الشائعة الأولى مناسبة لمصالح النظام، بحيث يصعب تصور أن أجهزة أمنه، من أطلقها. تظهر الشائعة الثانية وكأنها في صميم أهداف النظام ومصالحه.
من المعلوم للمتخصصين أن الشائعة أداة رئيسية من أدوات الحرب النفسية والتأثير على سلوكيات الجماعة المستهدفة. فهي تدغدغ اهتمامات الناس وآمالهم، أو بالعكس، تضرب على وتر مخاوفهم. وتنتعش الشائعات في الظروف التي تتسم بالغموض والحيرة والتهديد والخطر.
وعادةً ما تستخدم أجهزة الأمن، الشائعة، لأهداف مختلفة. أحدها، اختبار استجابة الجماعة المستهدفة تجاه موضوع معين. وفي بعض الأحيان، تكون الغاية، دفع الرأي العام المستهدف باتجاه استجابة محددة. وفي أحيان ثالثة، يكون الهدف التضليل وتشويه التتابع المنطقي لدى الفرد عبر التلاعب بعواطفه، بما يؤثر على استجابته النهائية لحدث تعلم الجهة الأمنية المُصدرة للشائعة أنه في طريقه للتحقق.
بناء على ذلك، تظهر الشائعتان الأخيرتان كتعبير عن قناعة كثير من السوريين، أن بلادهم أمام منعطف مهم، إما صراع روسي – إيراني، أو إعادة تأهيل للنظام برعاية دولية.
الشائعة الأولى التي تحدثت عن انقلاب روسي على نظام الأسد، تعبّر عن الهاجس المتفاقم في أوساط السوريين، بخصوص احتمال اندلاع صراع إيراني – روسي على أراضيهم. وينظر العامة من الناس، عادةً، لعالم السياسة، على أنه عالم صفقات سرية ومؤامرات. لذا، حينما يكون المستقبل غامضاً ومحيّراً بشدة، تكون الأجواء مناسبة للتنبؤ به، عبر أخبار ملفقة، هي الشائعة، التي سرعان ما تنتشر.
بخلاف الأولى، توحي الشائعة الثانية المتعلقة بمرسوم “العفو”، بأن نظام الأسد تلقى الضوء الأخضر للقيام بالخطوات الأخيرة، التي تسمح بإعادة تأهيله، وذلك عبر إسدال الستار على آخر فصول حربه على السوريين، عبر “العفو” عنهم، وإطلاق معتقليهم، وتسوية أوضاع المعارضين منهم، وضبط أجهزة الأمن، من جديد. أي أن سوريا تعود، حسب هذه الشائعة، إلى ما قبل العام 2011، والنظام “أتم انتصاره”.
وهكذا يبدو جلياً، أن الشائعة الثانية، من المرجح أنها من مصدر مرتبط بأجهزة النظام. وتستهدف اختبار ردات فعل السوريين وتفاعلهم مع سيناريو أن “يعفو” الأسد عن السوريين. وربما يأتي ذلك في سياق التحضير لسيناريو كهذا بالفعل.
فيما الشائعة الأولى (الانقلاب الروسي) لا يبدو أنها تخدم مصالح النظام. إلا إن كان القصد منها، التضليل، وتشويه القدرة على التحليل المنطقي في أوساط السوريين، بصورة تسمح بالتأثير على استجاباتهم تجاه سيناريوهات معدة للمستقبل القريب. لكن، في المقابل، قد تكون الشائعة الأولى من مصادر تريد إرباك النظام، وربما أيضاً الإيرانيين. قد تكون من مصادر مرتبطة بالروس، وذلك على وقع المشادة الباردة الروسية – الإيرانية الدائرة على التراب السوري، في الوقت الراهن.
وبكل الأحوال، يقال أن للشائعة دورة حياة، وأنها مهما تضخمت، سرعان ما تموت. في حالة الشائعتين المشار إليهما أعلاه، ربما تكون الخلاصة التي يمكن الخروج بها، جراء صُدورهما وانتشارهما في نفس التوقيت، هو أن سوريا، بالفعل، عند مفترق طرق، بين سيناريو تطور التوتر الروسي – الإيراني، بصورة غير متوقعة، وبين سيناريو توافق الأطراف الإقليمية والدولية، بما فيها الإيرانيون والروس والغرب، على إعادة تأهيل نظام الأسد. وفي السيناريو الأخير، لن نفاجأ بـ “عفو” يصدر عن الأسد حيال من قتلهم وعذبهم من السوريين، وأن يلقى هذا “العفو”، ترحيب المؤثرين الإقليميين والدوليين على الساحة السورية، بوصفه بداية الخاتمة، للصراع على سوريا، وترسيم نفوذ الفاعلين الخارجيين على ترابها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :