لا يزال «الشيك» الحدودي مع الأردن يستقبل جرحى سوريين، طردتهم الحكومة الأردنية ليلقوا مصيرهم المجهول بعد عبورهم الحدود إلى درعا، حيث لا مشافي لاستكمال العلاج ولا دور استشفاء ولا أطباء ولا دواء يكفيهم.
غالبية الذين يلقون على الشيك الحدودي لا أهل لهم ولا معيل، يتركون ليواجهوا قدرهم، رغم عجزهم عن الحركة، الذي يزيد العجز عجزًا، وسط أحوالٍ جوية باردة تزيد من ألم إصاباتهم.
دار الأمل، بلا أمل بعد اقتحام الأمن الأردني
يوم الأربعاء، 26 تشرين الثاني الماضي، اقتحمت قوات الدرك الأردني دار الأمل للاستشفاء في إربد، واعتقلت الكادر التمريضي والمرافقين، وحتى الزوار، وصادرت هويات الجرحى وغادرت الدار لتترك 15 جريحًا وحيدين عاجزين عن فعل أي شيء، والتهمة التي وجهت للكادر «الاتجار بأعضاء البشر» بحسب محمد، أحد الجرحى في دار الاستشفاء.
محمد، 18 عامًا، وهو مصاب في الركبة، ويعاني من تفتت في عظام الفخذ وجرحه لم يلتئم بعد إصابته في درعا منذ 10 أشهر، كان ييخضع في الدار لجلسات علاج فيزيائي ليتمكن من السير على قدمه مجددًا.
يقول محمد لعنب بلدي: «حين داهم الأمن الأردني الدار، كنا 15 مصابًا نتلقى العلاج هناك، قام الأمن بسحب هوياتنا وارتبط مصيرنا بالمجهول، فلم نتمكن من مغادة الدار ولم نعلم ما مصيرنا».
وأردف محمد «لحسن حظ البعض لم يأخذ الأمن هوياتهم فتمكنوا من الهرب من الدار فور مغادرة الأمن، وبقيت مع 7 جرحى آخرين معظمهم مصابون بالشلل ومنهم بأطراف مبتورة… كنت الوحيد الذي يستطيع الحركة، وتكفلت بقضاء حوائجهم طيلة 4، أيام حتى قدم الأمن الأردني مرة أخرى واعتقلنا جميعًا بثيابنا التي نرتديها».
محمود يعقوب، شاب من حي التضامن الدمشقي أصيب في اقتحام شارع نسرين برصاص قناص أدى لشلل نصفي، كان أيضًا في دار الأمل، ويقول لعنب بلدي: «اقتحم الدرك الأردني الدار وسحب الهويات من الجميع، حتى الزائرين واعتقل الجميع عدا الجرحى، كنا خلال 4 أيام وحيدين في دار الاستشفاء ولا نقو على الحراك، اكتفينا بالخبز اليابس مما تبقى في المطبخ، وبعض الأرز الذي قمنا بطهوه بأنفسنا… شيء نسكت فيه جوعنا فقط»
سجن وإهانة وطرد
بعد 4 أيام على المداهمة الأولى، قدم الأمن الأردني مجددًا ليعتقل الجرحى، (هم محمود مصاب بشلل نصفي، كاسم بترت قدماه من الفخذين، شداد مصاب في يده ورجله ولديه جهاز تثبيت خارجي للعظم، محمد مصاب بركبته، مصطفى مصاب بالشلل، عبد مصاب بالشلل، وإبراهيم مصاب برأسه)، واقتادهم إلى مشفى الأميرة بسمة في إربد ليسجلوا خروجهم من المشفى ومن الأردن، ومن ثم أودعوا في السجن 3 أيام بتهمة «جريح سوري» بحسب محمد، وبعدها «رمونا على الحدود السورية-الأردنية».
محمود، الذي خرج للأردن للعلاج بعد إصابته في حي التضامن، أمضى ثمانية أشهر في دار استشفاء في الأردن «انهارت بسبب نهب مديرها السابق لها» كما يقول.
وقد أمضى شهرين فقط في دار الأمل، قبل أن يسجن هو الآخر ويرمى على الحدود ليواجه مصيره المجهول، ويؤكد محمود أنه لا أهل له ولا أقرباء في درعا، وحمل مع السبعة الآخرين إلى درعا لعبور الحدود من قبل متطوعين وأهالي بعض الجرحى الموجودين هناك، ونقلوا إلى منازل بعض المتبرعين.
ويضيف: «أهانونا كثيرًا حين داهموا دار الاستشفاء، وانهالوا علينا بالشتائم، وأهانونا في السجن طيلة فترة احتجازنا حتى قذفونا إلى الحدود».
مأساة تتكرر، ووضع طبي يرثى له
وكانت الحادثة بكامل تفاصيلها تكررت في 17 أيلول الماضي، حين داهم الأمن الأردني دار استشفاء في الرمثا واعتقل الجرحى ورموا على الحدود.
وتكاد المشافي الميدانية في درعا تعجز عن معظم العمليات الجراحية، كما لا يوجد دور استشفاء في المناطق المحررة منها، إضافة إلى نقصٍ كبير في الأطباء بعد هجرتهم للمدينة، إذ تفتقر هذه المناطق إلى أطباء عصبية وأوعية، كما أن الممرضين ليسوا بخريجي معاهد طبية وإنما متدربين، في حين تشهد المشافي الميدانية نقصًا شديدًا في المعدات الطبية والأدوية؛ لا كراسي للمصابين بالشلل ولا معالجين فيزيائيين ولا معيل يعتني بالجرحى.
ولم تكن سوء المعاملة وليدة اللحظة، إذ اعتقل محمود لدى وصوله إلى الأردن بدون تهمة، وتعرض للسب والإهانات، ثم ترك لينام ليلة في صالة الاستقبال ثم أرسل بعدها إلى عمّان وأجرى عملية تثبيت فقرات.
مساعٍ لم تلق صداها بعد لجلب الدعم
محمد، الذي يعاني من تقيح جرحه منذ 9 أشهر، كان قد شهد تحسنًا قبيل اقتحام الأمن الأردني لدار الأمل، ما أعاد إحياء الأمل لديه بالشفاء والعودة إلى بيته معافى من جديد، لكنه ما لبث أن تلاشى بعد أن عاد تقيح الجرح.
ويقول محمد «أعتقد أن بقائي في السجن ثلاثة أيام ورحلة رمينا على الشيك الحدودي أسهمت في تراجع الجرح».
بينما يعاني عبد من شلل في أطرافه، رغم أن صور الأشعة لم تثبت خلل في عموده الفقري، لكنه لا يستطيع الخضوع لرنين مغناطيسي بسبب وجود شظية في رأسه، وعلى ذلك توقف علاجه في الأردن، ليتساءل «كيف للعلاج من سبيل في درعا المحاصرة والتي تتعرض للقصف كل يوم».
وفي السياق، أكد ناشطون في درعا أنهم ومنذ وصول الجرحى إلى الشيك يحاولون بذل قصارى جهدهم لاستكمال الاعتناء بهم وإيجاد مكان لتحويله إلى دار استشفاء.
وذكر مراسل عنب بلدي في درعا الذي رافق الجرحى في رحلتهم على الشيك أن الأطباء في المشافي الميدانية أعربوا عن استعدادهم لمتابعة علاج الجرحى شريطة وجود مكان يأويهم، الأمر الذي يتطلب أموالًا لاستئجار المكان وتأمين الاحتياجات اليومية للجرحى وخاصة أن عددًا لا بأس به منهم غريبون عن درعا ولا أهل لهم ولا معيل.
وما بين آلام من تركوا لمواجهة مصيرهم لوحدهم، ونداءات بعض الغيارى على أبناء بلدهم من الناشطين في درعا، يبقى مصير العشرات ممن أعيدوا إلى درعا «مجهولًا» حتى تتمكن الجهات المعنية في الحكومة المؤقتة أو الإئتلاف من إيجاد مكان بديل لدور الاستشفاء في الأردن ونقله إلى درعا لتفادي كوارث مستقبلية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :