السوريون في اليونان… موسم الهجرة العكسية
عامر شهدا – إسطنبول
لم يخرج الدخان الأبيض بعد من مدخنة البرلمان اليوناني، الذي يعتصم أمامه عشرات اللاجئين السوريين في العاصمة أثينا، بهدف السماح لهم بمغادرة البلاد واللجوء إلى الدول الأوروبية الغنية، وسط ظروف معيشية صعبة في بلد يعاني أصلًا من أزمة اقتصادية وارتفاع في معدلات البطالة والفقر، يترافق ذلك مع ضغوط من قبل الاتحاد الأوروبي لمضاعفة الرقابة على المطارات وضبط الحدود.
وشهدت الأيام القليلة الماضية عودة عدد من اللاجئين السوريين، إذ رأى بعضهم أن البقاء في تركيا أو حتى العودة إلى سوريا بديل «أرحم» من البقاء في اليونان، في ظل النفقات الكبيرة والبطالة إلى جانب ارتفاع ملحوظ في منسوب العنصرية تجاههم.
- اليونان مقبرة الأحلام
يعتبر تجاوز اليونان ثاني أكبر تحدٍ للمهاجر إلى «الوطن الحلم» بعد النجاة من مقامرة ركوب البحر، حيث عليه محاولة السفر جوًا أو برًا وبعدد أقل بحرًا، ليحدد عاملا المال و»الحظ» كيفية الانتقال إلى الخطوة القادمة.
يتوقف تجاوز اليونان جوًا على عدة عوامل، أولها خبرة وصدق «المهرب»؛ حيث تحدد معرفته بمواقيت الرحلات التي يمكن أن تكون سهلة وسلسة، بعد إعطائه للمهاجر هوية أو جواز أوروبي «مزور»، لتدخل بعد ذلك عوامل تساعد على مروره سريعًا أو انكشاف أمره.
يقول هاني، من مدينة حلب، إن مئات اللاجئين استطاعوا الخروج من اليونان، وقد ساهمت بذلك أشكالهم القريبة من الأوروبيين، أو حتى إبراز أشياء توحي بأن حاملها أوروبي مثل التاتو والحلق في الأذن أو طريقة اللباس، بينما وقع آخرون فريسة لتصرفات الارتباك أو اللغة، ليلقى القبض عليهم ويتركوا بعد استفسارات روتينية عابرة.
فضّل هاني العودة إلى محله التجاري في أحد الأحياء الخاضعة للنظام في حلب، على أن يبقى تحت وعود «المهربين» أو رحمة الحكومة اليونانية في سبيل السماح له ولنظرائه المغادرة إلى السويد، وسط تنامي حالات الازدراء من قبل شريحة كبيرة من الشعب اليوناني، بعد أن اكتفى بمحاولتين فاشلتين جوًا ومثلهم برًا.
- «جدار برلين» في أثينا
من جهته، ذكر كنان، من سكان ريف دمشق والعائد منذ أيام إلى إسطنبول مع شقيقه أن «اليأس» والوعود الكاذبة التي يطلقها المهربون أجبرته على العودة من اليونان، وذلك بعد أن حاول أكثر من ثلاث مرات السفر جوًا.
ويضيف كنان أن عائقًا جديدًا برز مؤخرًا؛ هو وجود عدد من «الحرس الألماني على مدخل الطائرات المغادرة؛ ليس فقط إلى ألمانيا بل وباقي الدول الأوروبية»، وذلك بعد الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين وصلوا إلى ألمانيا بسبب غض طرف الحكومة اليونانية عن خروج عدد كبير من المهاجرين الوافدين إلى أراضيها.
بدوره، لفت عبد القادر (42 سنة) أنه غادر أثينا قبل استنفاذه المهلة المحددة للإقامة على الأراضي اليونانية؛ بموجب «بطاقة الطرد» التي تمنحها السلطات لمغادرة البلاد خلال 6 أشهر، حيث يمنع الأجنبي خلال هذه الفترة مزاولة أي عمل، بينما لا تقدم اليونان أي مساعدات أو معونات للاجئين، في ظل ارتفاع الحياة المعيشية وأجور الفنادق، كون اللاجئ الذي يحمل «البطاقة المؤقتة» لا يحق له استئجار المنازل وفق القانون، إلا في حالات نادرة وبعيدًا عن أعين الشرطة، وكل ذلك دفع عبد القادر إلى العودة بما بقي لديه من مال.
- استبعاد السفر برًا
مع دخول فصل الشتاء تصبح وسيلة الانتقال برًا من اليونان غاية في الصعوبة، وذلك بسبب الأمطار والثلوج التي تحل باكرًا على «القارة العجوز»، الأمر الذي يُعيق المشي والتنقل وسط الغابات والجبال والمناطق الوعرة.
وتحت ضغط التكاليف الكبيرة للسفر جوًا، يدخل بعض الشباب في رهان مع الحظ؛ بمغامرة محفوفة بالمخاطر عبر السفر برًا رغم كل هذه الصعوبات والتحديات، ليتوقف مصيرهم من جديد في يد «تجار الطرق»، والتي أدت في بعض الحالات إلى وفاة عدد من المهاجرين بعد أن ضلوا طريقهم في الغابات المعزولة، أو حتى تخلي المهرب عنهم في منطقة مهجورة ونائية.
في حين انتهت رحلة البعض باكرًا بعد احتجازهم من قبل حرس الحدود في ألبانيا أو مقدونيا، فيما سٌجلت عشرات الحالات من مصادرة الأموال والأجهزة الخلوية قبل ترحيلهم إلى اليونان.
يشار إلى أن آلاف اللاجئين السوريين تمكنوا من عبور اليونان إلى أوروبا الشمالية والغربية خلال السنوات الثلاث الماضية، فيما ذكرت بعض الإحصاءات الحكومية والحقوقية أنه ما زال أكثر من 25 ألف لاجئ سوري على الأراضي اليونانية ينتظرون مصيرًا مجهولًا ما بين الهجرة أو الإقامة أو الترحيل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :