جريدة عنب بلدي – العدد 23 – الأحد – 8-7-2012
أصدر المكتب المركزي للإحصاء تقريره الجديد حول معدلات التضخم في سوريا والذي أظهر استمرار ارتفاع الأسعار خلال الأشهر الماضية بمعدلٍ يفوق 30% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. فخلال شهر أيار الماضي حقق الرقم القياسي لأسعار المستهلك تضخمًا سنويًا عن شـهر أيــار 2011 بمعـدل (32.51%). وبمعنى آخر، إن مجموعة المواد والسلع التي كان المواطن يشتريها في أيار من عام 2011 بـ 100 ليرة سورية قد أصبح سعرها في شهر أيار من عام 2012 يعادل 132 ليرة.
وإذا ما أُضيف إلى الزيادة في الأسعار تراجع دخول كثيرٍ من المواطنين أو انعدامها نتيجة الأوضاع التي تمر بها سوريا حيث فقد كثيرون أعمالهم ومصدر رزقهم وفقدت الكثير من الأسر معيليها فإن الأوضاع المعيشية للمواطنين تسوء وتتدهور، وتصبح حياتهم أكثر صعوبة.
وخوفًا من تطور انعكاسات هذا الارتفاع في الأسعار وما قد يقود إليه من انضمام المزيد من المواطنين الصامتين إلى ثورة الحرية والكرامة، أو انقلاب مواقف بعض مؤيدي النظام مع عجزه عن تأمين لقمة العيش لهم بعد أن حرمهم نعمة الأمن والاستقرار، خوفًا من ذلك كله بدأ النظام بالانقلاب على «الاصلاحات وعمليات التطوير» التي أجراها طيلة السنوات السابقة، وإذا بوزارة التموين تنشق عن وزارة الاقتصاد والتجارة لتبرز من جديد تحت اسم «وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك».
ومع هذا الانقلاب الايديولوجي لدى المتلاعبين بالحياة الاقتصادية السورية والذين ينبغي أن يكونوا «صانعي قرارٍ» اقتصادي، تبرز مجموعة من الأسئلة: هل أضاع النظام على الاقتصاد السوري فترة امتدت لتسع سنوات في التجارب والتقاذف مع الأمواج بين اليمين واليسار؟ هل أدرك النظام أن إصلاحاته المزعومة طيلة السنوات السابقة كانت مجرد أوهام استدعت العودة إلى مرحلة «ما قبل الاصلاحات» للبدء من جديد؟
بعد أن كانت وزارة التموين والتجارة الداخلية «المنقرضة» سيفًا مسلطًا على رقاب أصحاب المحال والبقاليات وجزءًا مهمًا من منظومة الفساد لتمويل جيوب البعض وإثرائهم على حساب المواطنين البسطاء، ماهو دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك «المنشقة»؟ كيف ستمارس الوزارة دورها؟ من هو المواطن الذي تستهدفه بالحماية؟ وممن؟ وكيف سيتم تأمين الحماية له؟
فور إحداث الوزارة وقبل أن يصل معالي الوزير إلى مكتبه انبرى البعض ليؤكد الانعكاسات الايجابية لإحداث الوزارة على الاقتصاد الوطني ومصالح المستهلك والتاجر والمنتج!!!! وكان التأكيد على أن الوزارة سيكون لها دورٌ فاعلٌ في حماية المستهلك من حيث توفير السلع في الأسواق وضبط الأسعار والمواصفات!!!
يذكرنا ذلك بالتصريحات التي أطلقها الأشخاص أنفسهم حينما قرر النظام قبل سنوات الانفتاح الاقتصادي وفتح الأسواق السورية وانتهاج «اقتصاد السوق الاجتماعي»، يومها شدد هؤلاء أنفسهم على إستراتيجية الخيار الذي سيفسح المجال لمزيد من الحرية الاقتصادية لكن بوجود ضوابطَ لحماية الفئات الضعيفة اقتصاديًا من الفقراء والعمال وأصحاب المهن الذين سيتضررون أكثر من سواهم نتيجة تلك السياسات. وكانت نتيجة ذلك النهج الاقتصادي مزيدًا من الفقراء والعاطلين عن العمل وازديادًا في الأسعار ومعدلات التضخم.
واليوم يتجدد الخطاب لاقتصادي لأزلام النظام من خلال التأكيد على دعم الفقراء في المجتمع السوري و «دع الفقراء يعيشون بكرامة لأنهم قاطرة النمو»!!!!! ما يقتضي التركيز على الأكثرية الساحقة من المواطنين. إن السؤال الذي يبرز في ظل هذه التصريحات: من هم المواطنون السوريون الذين ستعمل الوزارة على حمايتهم؟ بعد أن بات معظم السوريون تحت الثرى أو إرهابيين معتقلين أو مطلوبين أو مهجرين في الداخل والخارج. وهل ستعمل الوزارة على حماية السوريين وتوفير الكرامة لهم في مواجهة آلة القمع والإرهاب التي تنتهك أبسط حقوقهم وتسرق منهم أموالهم وأرزاقهم؟؟