تعا تفرج
يوم موت حافظ الأسد.. تحشيش
خطيب بدلة
ثمة خبر صغير نشرته صحيفة “عنب بلدي” عن ازدياد حالات أخذ بصمة المتوفى على وثائق رسمية من قِبَل الورثة في سوريا. الخبر ذكَّرَني بصديقي “عبيد الله” الذي طلب من أصدقائه، في إحدى السهرات الرمضانية التي كانت تنعقد في قريتنا، أن يكونوا شاهدين على مصيبته، وهي أنه فقيرٌ (من الوكالة)، والفقر ناصب حواليه دبكة، بدليل أنه تاجَرَ بالأكفان، فأقلع الناس عن الموت، والذين كانوا أمواتًا صاروا يخرجون من قبورهم، ويمارسون حياتهم اليومية، وإذا باع الواحدُ منهم عقارًا فإنه يمد مكسورته (يَدَهُ) ويبصم، دون حاجة لنكش قبره وتبصيمه على الوثائق المزورة بالعافية، ثم إنه يصافح الرجل المستفيد ويقول له: آية الرزق يا حاجّي!
وكان من أسباب تفاقم هذا النحس، في رأي عبيد الله، أن حافظ الأسد، لحقه من أول شبابه، وكيفما تلفت يرى صورَه معلقة على الحيطان، أو منشورة في الجرايد، أو في التلفزيون، ويرى كيف كان (يفعل ويترك) بالناس الطفرانين، الغلبانين، العايفين رد السلام، ويجبرهم على الركض في الشوارع (مسعود في ظَهْر مُبَارَك)، وهم يحملون صوره، ويُعَيِّشُونه، بينما أفئدتهم تتحرق على قدوم اليوم الذي يرونه فيه مقتولًا، أو ميتًا بطريقة شنيعة.
وكما يحصل في الحكايات التي يمشي فيها الزمن بسرعة، مات حافظ الأسد، في العاشر من حزيران 2000، فاستبشر عبيد الله، وشقرق، وشعر أن بلابل السعد سوف تغرد في دياره، فما كان منه إلا أن رفع سماعة الهاتف البرتقالي (أبو القرص)، واتصل بصديقته المسكينة “أميرة”، التي لم تكن أميرة في شيء سوى أنها تحبه، ولأجل الزيادة في النكاية كانت تصارحه بأنها تحبه على عيبه! وقال لها إنه يريد أن يراها وجهًا لوجه، (Face to face)، لأمر جلل.. فتعوذت بالله، وسألته: خير يا عبيد الله؟ في شي مصيبة جديدة؟ فضحك وقال لها: بالعكس، الآن الشغلة (نَقْشِتْ) معنا، يا الله، لا تضيعي الوقت، تعالي. فاستبشرت، وقالت له:
– اعطيني رؤوس أقلام.
فقال لها: يا خبر بفلوس بكره ببلاش.
المهم أن الآنسة “أميرة” فرحت في سرها، وضحكت في عبها، واعتقدتْ أن المعجزة التي كان ينتظرها عبيد الله قد تحققت، وهي أن تموت زوجةُ عمه البرازيلية الصبية، ويرثها عَمُّه الختيار، على سنة الله ورسوله، ثم يموت عمه، بالجلطة، حزنًا عليها، ويقوم أحد المحامين بتصفية الورثة، وإرسال شيك (خَص نَص) باسمه، وأنه، أخيرًا سيتزوجها، ويخلصها من العنوسة وحَكي الناس، فطارت لمقابلته.
حينما أصبحا وحيدين، راح عبيد الله يتلفت مثل كشاشي الحمام، فاعتقدت أنه يريد أن يخطف منها بوسة، وبعد جهد جهيد، وبعدما طلعت روحها في الترقب، قال لها: خلصنا. مات حافظ الأسد!
فضحكت حتى انطمرت عيناها المبطنتان، وقالت له: عن جد مات؟ لماذا لم تقل لي ذلك بالهاتف؟ قال: لأن الخطوط مراقبة والله بينخرب بيتي إذا بحكي. قالت: ومين مراقب الخطوط منشان يخرب بيتك؟ قال: هو، حافظ الأسد، مين غيره؟
فضحكت وقالت: يا فهمان، حافظ الأسد يموت لما نحن منبطل نخاف منه!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :