نحن حين نكون حقل تجارب
محمد رشدي شربجي
بعد طول تردد، زرت مرة في ألمانيا الشرقية معتقل “بوخن فالد” النازي، وهو معسكر صغير الحجم إذا ما قورن بالمعسكر الأضخم “آوس شفيتز” في بولندا، الذي ارتكب فيه الجزء الأكبر من مجازر الهولوكوست.
في معسكر بوخن فالد قتل خلال سنوات الحرب العالمية الثانية حوالي عشرين ألف معتقل، معظمهم بسبب ظروف الاعتقال، ومنهم من مات بطبيعة الحال بتجارب وأبحاث طبية كان يجريها النازيون، ولعله من المفيد رؤية فيلم “عارٍ وسط الذئاب” الذي روى قصة هذا الجحيم.
من الطريف أن السوفييت (ورغم أن كثيرًا من المعتقلين كانوا منهم) أعادوا افتتاح المعتقل مرة أخرى ليضم الناشطين السياسيين ضد حكمهم لألمانيا الشرقية، وإن بوحشية أقل من النازيين طبعًا.
وإن كان الجحيم الذي يراه العالم تاريخًا حدث وانتهى منذ سبعين عامًا، فإنه ما زال اليوم واقعًا معاشًا في سوريا المكوية بنار أشباه النازيين، أنصار محور المقاومة ومرتزقته مصاصي الدماء، ولا يجوز بكل تأكيد مقارنة النازيين بالأسديين، النازيون كان لديهم علماء ومفكرون، اخترعوا سيارات وطائرات وسفنًا عملاقة وطوروا برامج غزو للفضاء وغيرها، لقد كان إجرام النازيين ينتمي لإجرام الدول الحديثة، الدول التي يدخل السجان فيها المعتقلين إلى المحارق في الصباح، ثم يذهب مع عائلته إلى عرض مسرحي في دار الأوبرا في المساء، الدول التي تنتج هولوكوست باستمرار، إسرائيل تنتمتي لهذه الدول بهذا المعنى.
نظام الأسد هو مركب إجرام صرف، قيح التاريخ وعورته، بدائي وحاقد، ليس له إنجاز علمي في أي مجال، بل يكره ذلك ويسعى بكل الطرق للقضاء على أي إنجاز علمي، يمارس التعذيب لذاته ويعيش عليه، يتلذذ بساديته بلا سبب وبلا هدف غير الدمار وإنتاج المآسي والمزيد من المآسي والأحقاد، ومن رأى شهادة عمر الشغري ورشا الشربجي عما حدث هناك يدرك أي وحش هذا الذي لم يجد العالم أنسب منه لحكمنا.
منذ أيام قال بوتين إن الحرب السورية هي فرصة نادرة لاختبار جاهزية القوة النارية الروسية، بعدها بيوم ارتكبت الطائرات الحربية الروسية مجزرة مروعة في مدينة زردنا شمال إدلب راح ضحيتها عشرات الشهداء، وليس للغارة أي معنى عسكري، ولا تأتي في إطار أي هجوم بري تعد له ميليشيات النظام، وإنما هي فقط اختبار لسلاح الطيران الروسي الذي استطاعت روسيا البيع منه بمليارات الدولارات بسبب فعاليته في جثث السوريين.
ما كان النازيون يفعلونه سرًا قبل سبعين عامًا، تفعله الدول العظمى أمام العالم أجمع، أطفالنا ونساؤنا ورجالنا وأحلامنا وذكرياتنا وتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا باتت مجرد حقل تجارب لأسلحة القوى العظمى، التي باتت تبيع وتشتري من دمائنا في كل محفل.
متى سينتهي هذا الجحيم؟ أما آن لهذا العالم أن يكتوي بجحيمه الخاص ويتركنا وشأننا؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :