الحصاد الإيراني.. لا عنب الشام ولا بلح اليمن

  • 2018/06/10
  • 11:19 ص

محمد شيخ إبراهيم

خرجت ثورة الخميني الإيرانية سنة 1979 من العباءة الغربية الأمريكية، بعد أن رأت تلك الدول أن نظام الشاه لم يعد يخدم مصالحها على الوجه الأكمل، وحاول النظام الإيراني منذ قيام ما سمي بالثورة الإسلامية الاستفادة من الوضع الإقليمي المتأرجح حول إيران، ابتداءً من الوضع في أفغانستان على الحدود الشرقية، امتدادًا إلى منطقة الخليج العربي والغزو العراقي للكويت ثم الغزو الأمريكي للعراق، وصولًا إلى الحالة المأساوية التي تعيشها عدد من الدول العربية الآن.

التواطؤ الأمريكي

في عام 2003 صنفت الإدارة الأمريكية إيران في عهد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، إلى جانب العراق وسوريا وليبيا وكوريا الشمالية، تحت اسم “دول محور الشر” باعتبارها من الدول الراعية للإرهاب، وكان من المتوقع أن الضربة التالية بعد الغزو الأمريكي للعراق ستكون لإيران، وقام النظام الإيراني آنذاك بالتنسيق مع النظام السوري وفتحا حدودهما أمام المجاهدين من القاعدة وغيرها وأصبحت الأراضي الإيرانية والسورية بمثابة الجسر الذي يوصل الجهاديين إلى الأراضي العراقية.

وفي أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق تطور التواطؤ الأمريكي مع الإيرانيين حتى قامت الإدارة الأمريكية بتسليم العراق لإيران على طبق من ذهب، واستحوذت إيران على مقدرات العراق وصادرت إرادته السياسية من خلال إذكاء الفتنة الطائفية وتأجيجها ليصل الأمر هناك إلى القتل على الهوية، ثم تلى ذلك تسليم كل من لبنان وسوريا واليمن إلى إيران وميليشياتها الطائفية المنتشرة هنا وهناك، وبعد إطلاق اليد الإيرانية في المنطقة العربية انتقلت إيران وبمداراة أمريكية من موقعها كدولة في محور الشر -حسب التصنيف الأمريكي- باعتبارها راعية ومصدرة للإرهاب إلى دولة في محور محاربة الإرهاب.

تغيّر الموقف الأمريكي

في السياسة لا يوجد شيء ثابت، فعدو الأمس ربما يصبح صديق اليوم، وصديق الأمس ربما يكون عدو اليوم، إذ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه حان الوقت لقطع يد إيران الطولى في المنطقة، وأن زمن لعب تبادل الأدوار وتحقيق المصالح المتبادلة بين الأمريكيين والإيرانيين أصبح من الماضي، وأن على الإيرانيين الخروج من اليمن وسوريا، إذ لم تعد أمريكا بحاجة لاستعداء إيران لجيرانها الخليجيين من أجل ابتزازهم والاستحواذ على ثرواتهم، بعد أن بادر القادة الخليجيون في كل من السعودية والإمارات إلى افتعال أزمة قطر، وتحولت قواعد اللعبة ليصبح التوتر خليجيًا– خليجيًا بدلًا من إيراني– خليجي، إذ إن طرفي النزاع الخليجي الآن بدأوا يتسابقون بمن سيدفع أكثر لتثبيت حكمه وكسب ودّ الأمريكي.

الخذلان الروسي

بعد أن تدخل الروس عسكريًا في سوريا في أيلول 2015، أدركوا أن مفاتيح التحكم في سوريا والشرق الأوسط لا تكمن بالضرورة في التعاون الوثيق مع حكومة الملالي في إيران، فاتجهت روسيا لإنشاء تحالف جديد مع الأتراك والأمريكيين والإسرائيليين، وفقًا لما تقتضيه خدمة المصالح الروسية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، ما أصاب الإيرانيين بخيبة أمل كبيرة، إذ وقف الروس غير مرة متفرجين كيف تقوم الطائرات الإسرائيلية بقصف القواعد العسكرية لكل من النظامين السوري والإيراني وحزب الله على حد سواء، وما زاد من تصاعد التوتر بين الجانبين الروسي والإيراني المطالبة الروسية العلنية والمتكررة بوجوب خروج القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها بما في ذلك حزب الله من الأراضي السورية، باعتبار أن ذلك يشكل عائقًا أمام أي حل سياسي في سوريا.

الحصاد الإيراني

إن ما أهدرته حكومات نظام ولاية الفقيه الإيرانية يناهز مئات المليارات من الدولارات على مشاريعها التوسعية الخارجية منذ إعلان ما سمي بالثورة الإسلامية الإيرانية، وخاضت إيران حروبًا مباشرة أو بالوكالة في العراق واليمن وسوريا ولبنان ودعمت المعارضات الشيعية في دول الخليج، وأججت المشاعر الطائفية في معظم دول منطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي نجد فيه أن الشعب الإيراني ما زال يرزح تحت وطأة الفقر، إذ زادت معدلات البطالة بشكل لم يسبق له مثيل، وزاد عدد الفاسدين في المؤسسات الدينية والسياسية والعسكرية، واضمحلت الطبقة الوسطى وتحولت إلى طبقة فقيرة، وتدهورت العملة الإيرانية بشكل مهول، وانهارت الميزانية الإيرانية إلى الصفر، وأُغلقت 70% من المعامل والمصانع في إيران، وقد انعكس الوضع الاقتصادي المتدهور في إيران على الوضع الاجتماعي، إذ تشير الإحصائيات إلى أن نسبة الطلاق وصلت إلى أكثر من 23 حالة طلاق في الساعة الواحدة.

وما زال النظام الإيراني بأجنحته الدينية والسياسية والعسكرية يمارس سياسة الإقصاء والاحتيال والخديعة تجاه الشعب المغيَّب عن كل مصالحه.

وما زال نظام الملالي يدفع إلى تأزيم علاقاته مع المجتمع الدولي أو ما سمي بالنظام الدولي الجديد، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلى جانب الحليف الروسي، الذين قرروا بالإجماع وجوب خروج إيران كأكبر خاسر في تلك اللعبة التي نسج النظام الإيراني خيوطها وعمل على تفاقمها لعدة سنوات على حساب دماء الشعوب ودمار الدول العربية.

قرار إخراج إيران وميليشياتها من سوريا واليمن والمنطقة العربية سيجعل النظام الإيراني يخرج بخفي حُنين، ولن تجني إيران من كل مشاريعها التوسعية لا عنب الشام ولا بلح اليمن.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي