عنب بلدي – خاص
تغيرت معادلة المنطقة الشرقية لسوريا من جديد بعد أشهر من تقدم واسع لقوات الأسد والميليشيات المساندة لها على حساب تنظيم “الدولة الإسلامية”، والذي قلب المشهد العسكري لصالحه بهجوم واسع دخل فيه إلى بعض الأحياء الشرقية لمدينة البوكمال، البوابة الرئيسية للطريق الإيراني من طهران إلى دمشق.
انطلق الهجوم من محورين، الأول من قرية الباغوز الحدودية مع العراق، والآخر من محور البادية السورية التي يسيطر فيها على مساحة ضيقة تمتد من المحطة الثانية إلى بادية الميادين، وبدأ منها سلسلة هجمات كان آخرها على مواقع قوات الأسد في ريف حمص الشرقي.
تمتاز البوكمال بنقاط قوة تنظر إليها أي جهة تريد السيطرة أو الحفاظ عليها، إذ تعتبر ثاني أكبر منطقة إداريًا في محافظة دير الزور، وتتوسط الطريق بين دمشق وبغداد، وهي أبرز نقطة على الحدود العراقية.
وكانت قوات الأسد أعلنت السيطرة عليها، في كانون الأول الماضي، ضمن عملية عسكرية امتدت من مطار دير الزور العسكري باتجاه الجنوب الشرقي. |
“ورقة ضغط”
رغم إعلان السيطرة الكاملة على البوكمال، والتي تحتل مكانة كبيرة لدى إيران التي شاركت بمعاركها بـ “الحرس الثوري”، بقيت مجموعات للتنظيم في محيطها، واتبعت على مدار الأشهر الماضية أسلوب المباغتة وعمليات الكر والفر، وخاصة جيب البادية.
ولم تقتصر هذه الهجمات على مواقع قوات الأسد والميليشيات المساندة لها، بل انسحبت إلى مواقع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة أمريكيًا، لكنها كانت بصورة أقل وعلى فترات متقطعة.
وتمتلك الأطراف العسكرية العاملة في المنطقة الشرقية ترسانة عسكرية كبيرة، سواء من جانب النظام وداعميه، أو من القوات الكردية والتحالف الدولي، والتي من شأنها إنهاء نفوذ التنظيم بشكل كامل من المنطقة وبفترة زمنية غير طويلة، وهو الأمر الذي بقي لغزًا لم تتضح تداعياته حتى اليوم.
وبحسب ما قالت مصادر إعلامية مطلعة على سير المعارك في المنطقة لعنب بلدي، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أن تبقي وجود التنظيم في محيط البوكمال كورقة ضغط تستخدمها في أي وقت لوصل المناطق التي تديرها في التنف بشرق الفرات.
وفي حديث لعنب بلدي قال المحلل العسكري العقيد الطيار حاتم الراوي، إن تحرك تنظيم “الدولة” يأتي خدمة لأمريكا، التي أطبقت الحصار على روسيا داخل سوريا بعد أن سيطرت على مساحة واسعة من الحدود السورية مع العراق والأردن وجزء من تركيا.
ولم يستبعد المحلل العسكري أن يكون تحرك التنظيم في المنطقة كي تجد أمريكا ذريعة لربط منطقة التنف مع شرق الفرات.
وتعتبر أمريكا قاعدة “التنف” نقطة ارتكاز للحد من النفوذ الإيراني، وقطع الطريق البري أمام إيران باتجاه دمشق، وتراها موسكو ورقة ضغط ومساومة في الخيار السوري بالنسبة لأمريكا.
وتقع قاعدة “التنف”، التابعة للتحالف الدولي في معبر “التنف” الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، حيث تتمركز قوات أمريكية تابعة للتحالف الدولي في القاعدة، وتقوم بدعم وحماية فصائل من المعارضة موجودة في منطقة الـ 55 داخل الأراضي السورية، من أبرزها قوات “الشهيد أحمد العبدو” وجيش “مغاوير الثورة”.
اتهامات تترجم على الأرض
ومن المفترض أن تشهد الأيام المقبلة تطورات “جذرية” في المنطقة الواصلة بين التنف والبوكمال، وبحسب المصادر السابقة، تدرس فصائل “الجيش الحر” في التنف بتوجيهات أمريكية بدء معركة وصل التنف بالبوكمال مرورًا بالمحطة النفطية الثانية، وبالتالي وصل منطقة الجزيرة بالشامية.
وأوضحت المصادر أن مناطق شرق الفرات بعد وصلها مع التنف لن تبقى خاضعة لسيطرة “قسد” فقط، والتي سيتحول توصيفها إلى قوات مشتركة بين العرب والكرد.
وتوازي التطورات السابقة تصريحات لوزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، اعتبر فيها أن الانسحاب من سوريا حال انتهاء المعارك ضد تنظيم “الدولة” سيكون “خطأ استراتيجيًا”.
وقال ماتيس من بروكسل، في 8 من حزيران الحالي، “في الوقت الذي تشارف فيه العمليات العسكرية على نهايتها، يجب أن نتفادى ترك فراغ في سوريا يمكن أن يستغله نظام الأسد أو داعموه”، مضيفًا “معركتنا لم تنته، وعلينا أن نكبد تنظيم الدولة الإسلامية هزيمة دائمة وليس فقط في ميدان واحد”.
وبعد أيام من حديث ماتيس، أصدرت وزارة الدفاع الروسية بيانًا قالت فيه إن “تقاعس الولايات المتحدة والتحالف الدولي سمح بتوسع داعش في سوريا”.
وأضافت أن “الجزء الأكبر من الأسلحة التي زودت بها واشنطن المعارضة ذهب إلى تنظيمي جبهة النصرة وداعش الإرهابيين”.