عن المؤامرة وعين الحسود

  • 2018/06/10
  • 12:49 ص

إبراهيم العلوش

لماذا سارت أمورنا من سيئ إلى أسوأ خلال السبعين سنة الماضية، لماذا خسرت سوريا مسار تطورها الذي حاولت أن تشقه في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي؟

لماذا تحولت النظريات والمذاهب والأحزاب من دورها البنّاء إلى دور التخريب والتدمير؟

كثير من الناس، ومن المنظرين، يكتفون بالقول إن المؤامرة على العرب، وعلى الإسلام، وعلى سوريا، وعلى موقعها الجغرافي، هي السبب، ولا تعدو كل هذه المآسي إلا أثرًا من آثار عين الحسود التي لا تسود!

الإسلام جاء قبل ألف وأربعمئة سنة، وبنى حضارة، وترجم علوم الأرض كلها، وحكم نصف الكرة الأرضية، أما اليوم فجاءنا على شكل داعش والنصرة ومشتقاتهما الكريهة، التي تبيح ذبح الناس، وكأنهم تدربوا على الشريعة، وعلى الفتوى، في مسلخ البلدية.

الميليشيات الطائفية بدورها، تنادي بالانتقام للحسين وبذبح أطفال بلاد الشام، وتهجير عوائلهم، وحجز أملاكهم كتعويض للجيش الذي خان الحسين قبل ألف وثلاثمئة عام. فلماذا تحول الدين الحنيف إلى ميليشيات دينية ترفع شعارات إسلامية مسمومة بالحقد وبالدمار الشامل؟

والقومية نشأت في أوروبا قبل مئات السنين، وبنت دولًا مستقلة، وقوية، وتحترم البشر فيها، وتبيح لهم التعبير عن آرائهم، وأفكارهم، ومعتقداتهم، ولا تجبر أحدًا على التصفيق لهذا القائد الكرتوني الخالد أو ذاك. واستطاعت تلك الدول أن تهجر اللغة اللاتينية، وتترجم حتى الكتاب المقدس إلى لغة شعبها التي يفهمها ويتفاعل معها، وضحت بالبعد التاريخي للعبادة، مقابل فهم العبادة وفق اللغات القومية الجديدة ووفق الابتكارات الفكرية والدينية والثقافية المتجددة.

لكن القومية عندنا أثمرت دولة البراميل المتفجرة، والتعذيب، وبيع الاستقلال الوطني لروسيا ولإيران، مقابل استمرار الوثن الطائفي الذي يرفع شعاره الوحشي (الأسد أو نحرق البلد)، وذلك بعد الشعارات القومية الكاذبة التي تبشر بالخلود، وبالوحدة العربية من موريتانيا إلى الصومال!

والشيوعية جاءت في مطلع القرن العشرين بثورة أكتوبر1917 في روسيا، والتي كانت حدثًا كبيرًا هز العالم غربًا وشرقا، وحاولت أن تبني دولة قوية، وعلومًا ومنجزات صناعية وفضائية، قبل أن تنكمش بالاستبداد الذي حولها إلى مسخ شعاراتي، لكن روسيا بعد كل الخسائر خرجت بدولة مستقلة لها وزنها العالمي رغم كل وحشيتها.

أما الشيوعية في سوريا، وفي العالم العربي، فلا تزال مسحورة بنموذج الأب القائد كخالد بكداش، الذي يمثل دور رسول للأيديولوجيا التي دافعت عن ستالين وبررت جرائمه طوال عقود.

ما الذي يحصل لنا نحن السوريين، لماذا ننتقل من مكب نفايات إلى آخر، ومن مجزرة إلى أخرى، ماذا نفعل بحالنا، وبأنفسنا، وما هو مطلوب منا حتى نستطيع أن نكون، وأن نبني دولة تكون مرآة لطموحاتنا ولقدراتنا؟

فالأخوان المسلمون رفعوا شعار “الإسلام هو الحل” دون أي أهداف أو خطط اقتصادية وتنموية وقانونية، وبلا أي رؤية لتنوع المجتمع ولتناقضاته، فتجلى لنا الحل على أرض الواقع بالمنظومات الداعشية التي تسلخ جلود الناس، وتذبحهم في الساحات، وتجلى أيضًا بمشتقاتها التي تؤجل الذبح مؤقتًا ريثما نرجع ألفًا وأربعمئة سنة إلى الوراء.

الطائفيون يحومون حول لحومنا، وحول بيوتنا، ويفتكون بنا قتلًا وتدميرًا، رافعين شعاراتهم العتيقة، ويتسترون على خوفهم من المجهول الذي تحول إلى سموم وأحقاد مدمرة لنا ولهم.

الأصوليون والجهاديون خلعوا الحاضر تمامًا، وهجروه، وعادوا إلى الصحراء، وإلى قيمها البدوية، وهجروا الألوان كلها عدا الأسود والأبيض: أنت معي أم أنت ضدي؟ أنت مؤمن أم أنت كافر؟ أنت فريسة أم أنت ذئب؟.. إذا كنت معنا فتعال وانضم إلينا وتناول سكينك، وباشر بذبح قطعان الشعب الكافر والمرتد!

الاشتراكيون يحملون نظرياتهم ومقاييسهم التي بينت أننا شعب رجعي، ويميني يستحق الإبادة والتعذيب على أيدي الشبيحة والميليشيات التقدمية الإيرانية، وبصواريخ الطائرات الروسية، ريثما يتمكنون من إعادة بناء العالم كما تصوره ماركس ولينين وستالين وصولًا إلى تصورات عمار بكداش.

هذه العقول المالحة لم تنبت في بلادنا، خلال أكثر من نصف قرن، إلا الخراب والتهجير، والجريمة المستمرة، والمتمددة من بيت إلى بيت، ومن قرية إلى أخرى، ومن مدينة صغيرة إلى مدينة أكبر.

كيف نستطيع أن نوقف هذا الخراب، كيف نستطيع أن نوقف السرطان الأسدي الذي يمحو بلادنا من الخريطة، كيف نجبر وكلاء الله الكاذبين على التنحي عن رقابنا، كيف نقنع الاشتراكيين والقوميين العرب بأننا بشر، ولنا حقوق، ومشاعر، وأحلام خارج قواويش السجن، والاعتقال، وغرف التعذيب، ولنا طموحات، ومسارات جديدة غير مسارات التهجير القاسية والمدمرة.

الغرب الذي عاد اليوم ليدخن غليونه على شاطئ الخراب الذي يمتد على حدوده، وأرسل وكلاءه، وعملاءه، الذين يعوضون شعورهم بالدونية تجاه الأب القائد، برفع شعارات جديدة لا تختلف بشيء عن شعار الأب القائد مع تغيير الأسماء: أردوغان، أو ترامب أو ميركل أو عبد الله أوجلان أو حتى نتنياهو!

متى نعترف بأننا لسنا أنبياء، ولا صحابة، ولسنا أوصياء على الناس، ولا على الدين، وليس كل واحد منا هو المهدي المنتظر، ولسنا مركز الكون ليترك العالم أشغاله ويتفرغ للتآمر علينا. متى نعترف بأننا بشر مثل بقية الناس، ولسنا أمة خالدة تذبح معارضيها وتخلد جلاديها، متى نعترف بأننا نتوق إلى العدالة الاجتماعية، وليس إلى عودة ستالين، ولا إلى عودة لينين، أو خالد بكداش.

متى نتعلم من الغرب حضارته، وثقافته، وقدراته الإدارية والسياسية والاقتصادية، ونقيم دولة القانون والعدل والمواطنة، وليس دولة الموز والتبعية، التي تكرس الشعور بالدونية، وتهدر كرامة الناس، وتضحي باستقلال البلاد لصالح من يدفع أكثر.

أخيرًا: تسقط المؤامرة الكونية… وعين الحسود فيها عود!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي