متطوعون لإعادة تأهيل الأسد

tag icon ع ع ع

إياد الجعفري – المدن

بينما تتواصل المفاوضات لترسيم الأوضاع في الجنوب السوري، وجزء من الشمال، تتضح معالم استراتيجية مشتركة، يتفق عليها معظم الفاعلين الخارجيين على التراب السوري، ألا وهي تقليم مظاهر الفشل في “الدولة السورية”، وإعادة إحياء فاعليتها.

أبرز المؤثرين في هذا الاتجاه، هم الروس. ونرى مؤشرين لذلك، الأول، سعي روسيا لمدّ نفوذ “الدولة السورية”، ممثلةً في “الجيش” الرسمي، وصولاً إلى الحدود مع الأردن، ومع هضبة الجولان المحتلة، على حساب الميليشيات المختلفة، وبصورة رئيسية، الممولة منها إيرانياً. أما المؤشر الثاني، فيتمثل في الدور الذي تحاول الشرطة العسكرية الروسية أن تلعبه، في لجم مظاهر الفشل والفساد في أوساط قوات وميليشيات النظام، في الغوطة وجنوب دمشق. وهو دور وردت معلومات تؤكده، بحيث باتت الشرطة العسكرية الروسية تتدخل بشكل دوري لإعادة مسروقات أو وقف عمليات نهب، تقوم بها ميليشيات النظام، بناء على شكاوى من أهالي الغوطة وجنوب دمشق.

يقرأ بعض المراقبين المؤشر الأخير، بطريقة مختلفة. فهم يرون أنه تعبير عن رغبة روسيا في تمتين وجودها الميداني، عبر التقرّب من الحاضنة السُنية، المناوئة للنظام، التي باتت تحت سيطرته، برعاية روسية. ويعتمد الروس على عناصر شرطة شيشانية مسلمة، بصورة تسمح بخلق تفاعل إيجابي بينها وبين المجتمع السُني في المناطق التي تمت استعادتها.

لكن، بتكبير الصورة، وضم المساعي الروسية في الجنوب السوري إليها، إلى جانب التذكير بالفلسفة الروسية الرسمية، القائلة بسيادة “الدول” وقدسية “شرعيتها”، يصبح من الجلّي، أن موسكو حريصة على تقليم مظاهر الفشل المتفاقمة، في “الدولة السورية”، وبصورة رئيسية، في مؤسستها العسكرية.

يتلاقى نظام الأسد مع هذه المساعي الروسية. فهي تخدم مصالحه، خاصة أن بشار الأسد، يحتكر شرعية الحكم في البلاد، وفق المعايير الدولية المعترف بها. لذلك نلحظ مؤخراً، مؤشرين على ذلك، الأول، تصعيد حملة النظام ضد الميليشيات القوية المحسوبة عليه، وكان أبرزها، حملته على ميليشيا أيمن جابر، في الساحل السوري. وهي حملة ظهرت نذرها الأولى منذ قرابة السنة، حينما شنّت أجهزة الأمن حملة ضد فلتان السلاح والتشبيح الذي تقوم به ميليشيات محلية، موالية للنظام، في عدد من المناطق.

أما المؤشر الثاني، فيتمثل في حرص نظام الأسد على نفي أي نيّة بالانتقام من مناوئيه. فهو يريد أن يظهر بمظهر “الدولة”، الممثلة لكل مواطنيها، والحريصة على مصالحهم. لذلك جاء تعليق وزير الخارجية، وليد المعلم، بخصوص القانون رقم 10، ورسالته إلى نظيره اللبناني، التي حملها سفير النظام في لبنان، مؤخراً.

يأتي تحرك النظام هذا، بدفعٍ من حراك بدأ في لبنان وألمانيا، وخشي النظام أن يتفاعل، ضد القانون رقم 10، الذي يرى معظم السوريين، أنه مصادرة “شرعية” لممتلكات اللاجئين منهم، خارج البلاد. ولا يريد النظام، أن يظهر بمظهر المُنتقم من مناوئيه، في وقتٍ تتطور الأحداث باتجاه إعادة تأهيله، وسط قبولٍ غربي.

مؤشرات إعادة التأهيل تلك، التي التقطها النظام، صدرت أولاً من إسرائيل. فالأخيرة قالتها بشكل صريح. هي تقبل بالأسد، شريطة أن يكون بلا إيران. بطبيعة الحال، فإن إسرائيل لا تعني ما تقول تماماً، إلا بالشطر الأول من الكلام. فإسرائيل مستعدة للقبول بنفوذ إيراني في سوريا، شريطة ألا يتضمن أي مقومات تهدد أمنها.

لتحقيق ذلك، يهم إسرائيل إعادة إحياء فعالية “الدولة السورية”. أو بكلمات أخرى، إعادة تأهيل النظام، ليصبح قادراً على الوقوف، على قدميه، دون الحاجة للدعم الميداني الإيراني. وإعادة فعالية “الجيش” الرسمي، مقابل تقليص فعالية الميليشيات المدعومة إيرانياً.

ويحاول النظام استغلال هذه الرغبة الإسرائيلية، في السعي لاسترداد نفوذه على باقي التراب السوري. بدعم من روسيا. وهو مسعى إنخرط فيه الأردن، الذي لم يُخفِ يوماً تفضيله لنظام الأسد على البديل المعارض، رغم دعمه للجبهة الجنوبية، في سياق الجهود السعودية والأمريكية، في هذا الشأن.

ذلك المسعى لإعادة تأهيل النظام السوري، لا يتعرض لأي عرقلة جدّية من أي طرف خارجي، في الوقت الراهن. وعلى أساسه، تتقدم مفاوضات ترسيم الوضع في الجنوب السوري. وفي هذا السياق، يلمّح الأمريكيون الى استعدادهم للتخلي عن التنف، وما يعنيه ذلك من تخلٍ عن المعارضة الجنوبية، برمتها.

وفي هذه الأثناء، يقوم وفد معارض، مقرّب من النظام، بزيارة القامشلي، للحديث مع الاتحاد الديمقراطي الكردي. ويستغل النظام في ذلك، الاتفاق الأمريكي – التركي، في منبج. والذي يُعتقد أنه قد يمتد إلى تل أبيض، التي تفصل بين القامشلي شرقاً، وعين العرب “كوباني”، غرباً. حيث يخسر الأكراد المزيد من الأراضي، لصالح التفاهمات الأمريكية – التركية، والروسية – التركية. ويبدو أن تلك التفاهمات تصب لصالح النظام، في دفع الفصيل الكردي الأبرز، حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، إلى التفكير في خيار التفاهم مع النظام. ويظهر وكأن الأمريكيين والروس يدفعون هذا الفصيل الكردي، دفعاً، بهذا الاتجاه.

هذه التطورات الأخيرة، التي تتم بروية، تؤكد أن الرغبة الإقليمية والدولية في إعادة تأهيل النظام، قد اكتملت، إلى حدٍ ما. وقد تكون إيران المشاغب الرئيس على هذا المسار. فهي المتضرر الأول من إعادة إحياء “الدولة السورية”، لأن استثماراتها الميليشاوية في سوريا، كانت أكبر من استثماراتها في المؤسسات الرسمية.

ببساطة، يبدو وكأن كل اللاعبين الخارجيين، برفقة نظام الأسد، يعملون بشكل حثيث على العودة إلى ما قبل العام 2011. مع بعض التعديلات الطفيفة على واجهة ذلك النظام. فـ “الدولة السورية” التي تحمل عشرات معالم الفشل اليوم، تتطلب الإقالة من عثرتها. وهو ما تتطوع أطراف عديدة لفعله. وفي نهاية المطاف، يعلم الجميع أن “الدولة السورية”، هي النظام. وأن إعادة إحياء فعاليتها، يعني إعادة تأهيل النظام، وتعزيز نفوذ الحلقة الضيقة الممسكة بزمامه، ممثلةً بـ “آل الأسد”.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة