السويداء – نور نادر
رغم ضعف حركة البيع والشراء العقاري الذي تشهده محافظة السويداء، ما زال التوسع العمراني في تزايد كبير ضمن المحافظة، التي تغلب عليها الأراضي الزراعية.
عرفت السويداء منذ بداية الثورة في سوريا كمنطقة آمنة ووجهة مناسبة لكل من يضطر للنزوح داخليًا، ما دفع المواطنين للخوض في سوق الإيجارات كتجارة رابحة مع الشلل في الحركة الصناعية والتجارية في المنطقة.
ويصل عدد النازحين في السويداء إلى نحو 300 ألف، وهي من أكثر المحافظات استقبالًا للنازحين، الذين يبحثون عن بديل لمراكز الإيواء المؤقت، على شكل غرفة أو شقة للإيجار.
أبنية على حساب الأراضي المزروعة
عكف بعض أهالي السويداء على استغلال كل متر مربع في أراضيهم لبناء غرفة للإيجار، علّها تدر عليهم ربحًا جيدًا وسط ارتفاع عام لأسعار الإيجارات في سوريا.
أيهم (طلب عدم كشف اسمه الكامل لأسباب أمنية)، هو مهندس معماري يقطن في مدينة السويداء، قال في لقاء مع عنب بلدي إن عمله يتسع في هندسة رقع غير مناسبة للبناء من حيث الشكل والمساحة، “بسبب رغبة الناس في زيادة الدخل وهذا ما لا تحققه لهم الزراعة، كمصدر دخل أساسي لأهالي السويداء سابقًا”.
ويعيد المهندس أيهم سبب توجه السكان هذا إلى “ضعف العلاقات التجارية بين السويداء وجارتها درعا، إضافة إلى الحواجز المنتشرة على طريق التصدير الداخلي، والتي يمكن أن تزيد من خسارة كل شحنة بسبب الرشاوى والفساد”.
ويضيف “أما بالنسبة للإيجارات فهي مرتفعة جدًا، وتحقق دخلًا عاليًا بسبب زيادة الازدحام والضغط السكاني على المحافظة”.
وحول الفرق بين حركة البناء قبل انطلاق الثورة وبعدها، أوضح المهندس أن اهتمام أغلبية أهالي السويداء انحصر سابقًا بتأمين مكان للعيش، وكان امتلاك الأرض هو الأهم بالنسبة لهم، فإن امتلك أحد السكان فائضًا ماليًا، بنى بيتًا إضافيًا فوق أرضه يورثه لأبنائه.
أهالي المحافظة يعتبرون الزراعة وملكية الأراضي الزراعية جزءًا من تاريخهم وتراثهم وتركة أجدادهم، وكان بيع الأرض في السابق “فعلًا يقترب من الفاحشة في نظرة المجتمع إليه”.
”النقد” أو الاكتفاء الذاتي
نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع الغذائية، كان أمام قسم من أهالي السويداء خياران، إما الاحتفاظ بأراضيهم الزراعية، وما تحققه لهم من اكتفاء ذاتي على مستوى المزروعات، أو استبدالها بالنقد عبر البناء والتأجير.
تقول رشا (اسم مستعار)، وهي شابة عشرينية تقطن في السويداء، “عشت في منزل تحيط به حديقة من المزروعات كالكرز والتين والمشمش، إضافة لدوالي العنب والزيتون، لكن والدي بنى شقتين في الحديقة مضطرًا، كي لا يجمد مبالغ مالية بالليرة السورية، إضافة لرغبته كموظف حاله حال غيره من موظفي الدولة بزيادة دخل الأسرة”.
وتضيف رشا، التي رفضت ذكر اسمها الحقيقي لأسباب أمنية، “كانت الخسائر كبيرة على جميع الأصعدة إذ خسرنا الحديقة والاكتفاء الذاتي السنوي الذي وفرته سابقًا من مؤونة الزيت والزيتون والفاكهة الصيفية والزبيب والدبس”.
وتشير الأرقام الرسمية إلى تردي الواقع الزراعي في السويداء، إذ تراجعت المساحات المزروعة بالعنب من 14 ألف هكتار إلى تسعة آلاف هكتار حاليًا، وفق تصريحات لرئيس دائرة الوقاية في مديرية زراعة السويداء، المهندس حسن الحايك، نشرت في جريدة “البعث” الحكومية في أيار الماضي.
وخلال عام 2016 تراجعت المساحات القابلة للحصاد من محصول القمح 56%، والشعير 45%، والحمّص 82%، وفق تصريحات صادرة عن بسام الجرمقاني، مدير زراعة السويداء.
دور الحكومة والقانون
لم يتم اتخاذ أي خطوة من قبل الحكومة من أجل ضبط التوسع العمراني، وتراخيص البناء على الأراضي الزراعية.
كما لا توجد قوانين تحكم قيمة الإيجار الشهري، إذ تم تعديل قانون الإيجارات رقم 20 الصادر عام 2015، بإلغاء بند التخمين من قبل مديرية المالية، والذي كان ينصف المستأجر.
وتتفاوت أسعار إيجار العقارات في السويداء بحسب المنطقة، ومساحة العقار المؤجر، فقد يتجاوز إيجار شقة سكنية بشكل متوسط 40 ألف ليرة سورية (100$)، بينما لا يتجاوز متوسط راتب الموظفين الحكوميين 35 ألف ليرة سورية.