اللاحل هو الحل

  • 2018/06/03
  • 2:22 ص
حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

في التراث الشعبي، حكاية الصياد والعصافير، حين كان الصياد يذبح عصفورًا اصطاده، جرت دموعه من شدة البرد، ظن عصفور واقف على الشجرة أن الصياد يبكي رحمة بالعصفورالمذبوح، لكن رفيقه سرعان ما لفت نظره قائلًا: ياصديقي لا تنظر إلى دموعه، ولكن انظر إلى ما تفعله يداه.

تلك الحكاية لا تصدق على حالة صدقها على الحالة السورية، واللافت للنظر أن معظم السوريين وغيرهم مروا على الحكاية أو على ما يماثلها، وعرفوا العبرة منها، ومع ذلك لم يترجموا معرفتهم تلك إلى سلوك يحميهم من الكوارث التي أحاطت بهم وما زالت.

حرصت الدول أصحاب المصالح على نشر أخبار باسم التسريب أو الصحافة الجادة المعروفة، أو من خلال محللين متابعين يلتقطون ما يقال هنا وهناك، ويتنافسون بنقل تلك الأخبار ليُدلل كل واحد منهم أنه الأقرب إلى معرفة حقيقة ما يجري وما يُخطط له مستقبلًا، وكانت جدية تلك الأخبار تصل إلى درجة التصريحات العلنية لكبار المسؤولين العالميين، بل لرؤساء الدول أنفسهم أصحاب القرار، وما إن تُذاع حتى تنهال التحليلات مبشرة بقرب الحل.

الحل يكون تارة بالخطوط الحمر، ولا سيما لأسلحة الدمار الشامل والكيماوي على رأسها، وضرورة معاقبة رأس النظام الذي كانت له اليد الطولى بتدمير البلاد والعباد، وطورًا بالإسراع بالمفاوضات وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وعندما يتحدى رأس النظام خطوطهم، وهم من هم قوة وضجيجًا، يجتمعون ويتدارسون ويتلاومون ويقدرون ويقلبون وتأتي النتائج مبشرة بمتابعة الإجرام. أما هم فيكتفون بالإعلان أن الحل السلمي هو الحل الوحيد لما يجري في سوريا.

أما بوتين وطاقمه فتلك حكاية أخرى، فهناك تعطيل المفاوضات واختراع أستانة من رقم 1 إلى 9، وسوتشي وما يعلن وما يَخفى، كانوا يستجلبون الوفود، التي لها قوة على الأرض بخاصة، يقابلونها ويُطمئنونها بأن الحل قادم وأن المسألة تحتاج فقط إلى بضعة أشهر ريثما تضع الحرب أوزارها، كانوا يُبدعون في شعارات الهدنة والتهدئة وخفض التصعيد وتعهد المصالحات المحلية.. تخرج تلك الوفود متفائلة مقتنعة بالنوايا الروسية الحسنة المتعاطفة مع ما حل ويحل بالشعب السوري وثورته من كوارث، مصدقة الكلام المعسول المدلس الذي يتلاعب بوتين وزبانيته بأولئك السذج به، وكأن الطيران الذي دمر البيوت على ساكنيها والأحد عشر فيتو التي حمى السيد بوتين بها المجرم صاحب السيادة، لا علاقة لها بما تفعله يداه من قريب أو بعيد، والأسوأ مؤخرًا حملة الدعاية الفيسبوكية التي تتقصد الإدارة الروسية نشرها كحامية للسوريين من الشبيحة والمعفشين، وضامنة إخراج ملالي إيران “سبب الكوارث جميعًا منذ البداية”، وكل ملحقاتهم من البلاد، كاتفاق شبه معلن مع أمريكا وإسرائيل، متلاعبة مرة أخرى بعواطف السوريين ودمائهم، مظهرة الرحمة والإنسانية والالتزام بالعهود والقوانين.

ثم تأتي الوقائع، التي جاءت قبلًا ومرت على العصفور الذي صدّق دموعهم.. تأتي من جديد لتُظهر أن ما تحتهم كان حمارًا أعرج مريضًا ولم يكن الفرس الذي يحلم السوريون به بعد أن انجلى غبار المعارك.

ترسم الوقائع مشهدًا مختلفًا تمامًا عن كل ما يقال وما يُسرب من أنباء، والحقيقة الوحيدة التي يؤكدها إعلامهم، ويُنكرها النظام الأسدي وحده، بغباء أو تغابٍ فاضح هو أن الحل والربط والعقد ومصير سوريا الأرض والوطن والشعب لم يعد بأيدي السوريين أنفسهم، وبناء على هذه المقدمة يشطبون في أي مساومات بينهم حساب السوريين وكأن هذه القطعة الجغرافية معروضة بالمزاد العلني لكل من هب ودب يحق لشذاذ الآفاق جميعًا أن يدخلوا مزادها إلا أهلها وشعبها الذي لم يعد له وجود برأيهم، ولذا حتى الاتفاقات بينهم قابلة للتحرك وفق معطيات وقائع التدمير والتهجيرأو ما يسمونه المصالحات المحلية الجديدة.

في الوقائع، يتعامل أصحاب القرار مع الحالة السورية كمقاولين بالقطعة، ولكل قطعةٍ مقاولوها وسعرها المناسب، ولذا فإن الحل في شرق الفرات يختلف عن الحل في غربه، والحل في الشمال يختلف عن الحل في الجنوب، ليس فقط في إنهاء المظاهر المسلحة والقضاء عليها بالعنف المطلق واقتلاع ساكنيها من منازلهم، فهذه ربما اتفق جميعهم على غض النظر عنها، أو عمن يسهم فيها إسهامًا فعالًا، وإنما بشروط التهدئة أو ما يسمونه زورًا المصالحة، وهكذا يُمنع دخول جيش النظام الأسدي إلى مناطق ويُسمح له بمناطق أخرى مداورة أو صراحة، ويُسمح بإنشاء إدارات ذاتية من طرف واحد بمنطقة وتمنع بمنطقة أخرى، ويكثر الكلام عن إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، ويشتد القصف الإسرائيلي على القواعد العسكرية الإيرانية (التي اكتشف الشعب السوري أنها ممتدة كالسرطان على الأرض السورية) شاملة بقايا الجيش السوري، ثم نسمع من جهة أخرى أن اتفاقًا بين إسرائيل وإيران، والأردن وروسيا وأمريكا، يقتضي بإبعادها عسكريًا عن حدود الجولان المحتل مسافة أربعين كيلومترًا، وإنهاء خطرها العسكري على إسرائيل، وإطلاق يدها بالتغيير الديموغرافي والتشييع، أو ما قيل بالأنشطة السياحية والثقافية وحرية تملك الأراضي والمنازل.

فأصحاب القرار الذين شطبوا مصالح الشعب السوري يهمهم ألا تخرج إيران من المولد بلا حمّص، وهم يريدون عدم التعرض لإمكانياتها في عرقلة خططهم وحساباتهم، هذا عدا أمور أخرى تتعلق بدول إقليمية أخرى، وبعد كل هذه الوقائع يتحدثون عن سوريا الموحدة والسلطة الشرعية والسيادة وشر ما يُبكي من الحوادث هو ما يُضحك.

بالرغم من أن أي حلٍ حقيقي للوضع السوري بمعنى تحقيق نوعٍ من العدالة يضمن استقرارًا مستقبليًا ووطنا حقيقيًا لجميع أبنائه ودولة تستعين بمقومات الحداثة لتكسب معطيات البقاء والحياة، وتحقيق الأهداف الأولية التي قيل يومًا إنها فوق التفاوض أو قبله، وفق قرارات الأمم المتحدة (المعتقلون والنازحون واللاجئون)، بالرغم من أن مثل هذا الحل لم يعد له ظلال تُرى في المستقبل القريب، فإنهم يبشرون بحلٍ قريب، …إنه حل البيع بالقطعة لمقاولي العصر، والذي لا بد منه لضمان نوع من الاستقرار لمن يلهث وراء عقود إعادة الإعمار، أجل هو اللاحل السوري ولكنه حل شركات المقاولات العالمية.

قد تُعطي مثل هذه الحلول نوعًا من الاستقرار المؤقت لمن تبقى في تلك الأماكن، وقد يُسمح لبعض المهجرين بالعودة ضمن نسبة تحتاجها شركات المقاولات لمصالحها الخاصة، لكن تلك الحلول تمثل أشد أنواع الخطر على سوريا وطنًا وشعبًا.

إن اختلاف المحتلين للقطع السورية يعني اختلافًا بالإنتاج والإدارة والجنسيات البديلة، وأساليب الحياة، يوصل إلى تكريس تقسيم فعلي من الصعوبة محوه مستقبلًا، وتجارب التاريخ الحديث والقديم شاهدة على ذلك، ليس أبعدها ما حدث من تقسيم المشرق العربي إلى دوله القطرية التي يُدافع أهلها اليوم عنها ويعضون عليها بالنواجذ التي قد تنخلع قبل الاحتفاظ بحدودها، وهو حل يستبطن نزاعات دائمة تستهلك كل إمكانية للتنمية أو التطور، إنه خطر على المشرق العربي كله وليس على سوريا وحدها، بالرغم مما ترش الدول أصحاب القرار من عسل كلامي عليه.

في ذلك يُقال: انظروا إلى أفعالهم ولا تثقوا بأقوالهم، ومع الإحساس بأن مثل هذا الحل لن يدوم لأنه ببساطة هو ظلم مطلق للشعب السوري، وأنه لا بد من نشورٍ لهذا الشعب ليفرض حله بالنهاية، لكن شمعة التفاؤل بدأت بالذوبان، فما تملكه شركات المقاولات الكبرى من أنواع الأسلحة الشاملة نارًا وإعلامًا وخُبثًا واستهانة بالقوانين الإنسانية، يجعل قوة وحدة الشعب وإرادته، هي القوة الوحيدة القادرة على تبديل الأمور لصالحه، فهل نأمل بنشور تلك القوة قبل فوات الأوان؟

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي