أورفة – برهان عثمان
أطفال ويافعون يسبحون في نهر الفرات، والعديد من الشباب يجلسون على شاطئه، يتبادلون الحديث، يقطعون أوقاتهم حتى حلول الغروب، مشهد يشكل إحدى الصور المعتادة قرب الجسر القديم في مدينة الرقة قبيل الإفطار.
هذا المشهد مؤشر على عودة الحياة إلى المدينة بعد ثلاث سنوات من حكم تنظيم “الدولة الإسلامية” فـ”الرقة دون الدواعش مثل الجنة، لا تتغير مهما مر عليها من مشاكل وحروب”، وصف أطلقته خولة العلي (67 عامًا)، الملقبة بالحاجة أم إسماعيل، على المدينة بعدما أصبحت تتحرك بحرية في شوارعها عقب سنوات من كتم أنفاس النساء من قبل عناصر التنظيم، قائلة لعنب بلدي “نحن نتنقل بين الشوارع ونتسوق، دون وجود من ينغص علينا حياتنا بعد كل ما عانيناه من حكم المتعصبين ووجع النزوح، فمن خرج من داره قل مقداره”.
“رمضان هذا العام مختلف وأكثر بهجة”، تقول أم إسماعيل، فالكثير من المحلات عادت إلى العمل وأجواء رمضان تحيط بالأسواق التي تتجهز للعيد، مظهرة حزنها على رحيل الكثير من جيرانها، وما حدث للمدينة من ظلم ومآس وخسائر بشريه ومادية.
غضب على “قسد”
عودة الأهالي إلى المدينة وبث الحياة فيها رافقه شعور بالحزن والقهر على ما آلت إليه، وكيف تغيرت معالمها وشوارعها وبيوتها وحدائقها التي تحولت إلى مقابر لمئات القتلى جراء قصف التحالف للمدينة، بحسب ما قاله أحمد (29 عامًا) من حي رميلة، لعنب بلدي، مضيفًا أن “كل شيء تغير، حجم الدمار مرعب ولا تزال الأنقاض في كل أنحاء المدينة”.
أحمد اتهم السلطات الموجودة حاليًا (قوات سوريا الديمقراطية) بالتقصير والتضيق على الأهالي، وحملها مسؤولية تأخر الإصلاح وعرقلة البناء، مؤكدًا أن “قسد ومجلسها المدني لم يفعلا شيئًا، فالكثير من الجثث لا تزال تحت الأنقاض أو ملقاة في مناطق مكشوفه وهي متفسخة، ولا أعلم لماذا لا يتم انتشالها ودفنها حتى اليوم”.
كما أن الكثير من عمليات البناء والترميم تم إيقافها من قبل “قسد” بحجه التنظيم واستصدار التراخيص اللازمة، إضافة إلى نقص الخدمات من كهرباء وماء وعدم كفاية الإصلاحات التي يقوم بها المجلس المدني.
وتساءل الشاب، “ماذا يفعلون سوى طلاء وتجديد التقاطعات المرورية والصور واللافتات على الجدران بذات الطريقة التي فعلتها داعش وغيرها سابقًا (…) طلاء دوار الدله لن يمسح صورة الدمار المحيطة به، ولن يعطي الناس الأمان الذي يبحثون عنه، كما أن صور أوجلان (زعيم حزب العمال الكردستاني) لن تمنح الأهالي حياة رغيدة”.
سيطرت “قسد” على كامل الرقة في منتصف تشرين الثاني 2017، منهية حكم التنظيم المتطرف، الذي كانت المدينة عاصمة له ورمز نفوذه السوري.
وعبر بعض الأهالي الذين تواصلت معهم عنب بلدي عن احتجاجهم بشكل واضح على هذه الحال، مطالبين بالمزيد من الخدمات ورافضين ما يتعرضون له من قمع على يد عناصر “قسد”.
واعتبر محمد الحسين (48 عامًا)، الملقب بـ “أبو عبد الله”، أن الخوف عاد للمدينة من مخلفات الحرب ومن قمع “قسد” ومن انتشار السرقة والقتل، إضافة إلى تصرفات بعض العناصر التي تزعج الأهالي وخاصة في شهر رمضان كالإفطار العلني، وعدم مراعاة العادات والتقاليد وهدم بعض المنازل والمحلات والاعتقالات العشوائية.
صيف ساخن
الاحتجاجات المتصاعدة من قبل الأهالي والتوتر المتزايد بين الفصائل المحلية العربية ضمن “قسد” من جهة والعناصر الكردية من خارج المدينة من جهة أخرى يتزايد ووصل إلى اشتباكات مسلحة بينهم، وكل ذلك يهدد الاستقرار ويمنع تحقيق التقدم.
الناشط براء طه اعتبر لعنب بلدي أن لجوء “قسد” إلى العنف أحيانًا وقمعها لبعض المظاهرات المدنية بالسلاح، أدى إلى زيادة التوتر، كما أن تأخرها في تقديم الخدمات الضرورية للأهالي وتسريع عجلة الإصلاح في المدينة، سيجعل منها هدفًا سهلًا لخصومها الذين يحرضون الناس ضدها.
ويبدي طه خشيته على النسيج الاجتماعي المتنوع في الرقة، لأن الكثيرين يدمجون، سواء بحسن أو سوء نية، بين “قسد” كتنظيم مدني وسياسي وعسكري، وبين الكرد الذين يشكلون أحد المكونات الاجتماعية في الرقة.
وأكد عدد من الشهود لعنب بلدي أن الأشهر الثلاثة الأخيرة شهدت انتشار كتابات على جدران المدينة، تطالب “قسد” بالخروج منها، وخاصه في المناطق التي شهدت صدامات بين عناصرها والأهالي المحتجين مثل أحياء رميلة والمشلب والبرازي والأسدية .
وبالرغم من صعوبة الحياة في الرقة لم يمنع ذلك مئات الأهالي من العودة إليها، إذ تشهد الرقة تزايدًا ملحوظًا بعدد السكان، وسط توقعات بعودة الآلاف من النازحين واللاجئين خلال الأعياد، وخلال الأشهر المقبلة.