عنب بلدي – خاص
بدأت ملامح خريطة الجنوب السوري تتضح بعد التفاهم عليها من قبل الدول المؤثرة، وفي مقدمتها روسيا الداعمة للنظام السوري وإسرائيل، بالرغم من تعقيدات وتشابكات المنطقة، وخضوعها لاتفاق “تخفيف التوتر” المتفق عليه بين روسيا وأمريكا والأردن، في تموز 2017.
السيناريو الذي يتم الحديث عنه في أروقة السياسة الروسية- الإسرائيلية هي عودة قوات الأسد للسيطرة على الحدود الأردنية والإسرائيلية، مقابل تحجيم دور إيران وإبعاد قواتها وميليشياتها عن الحدود مبدئيًا قبل إخراجها من سوريا بشكل كامل.
لقاءات مكثفة لصياغة الاتفاق
بعد سيطرة قوات الأسد على آخر مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” في جنوبي دمشق، في أيار الماضي، بدأ الحديث عن توجه قوات الأسد إلى محافظة درعا للسيطرة عليها خاصة عقب تصريحات روسية بأن انتهاء اتفاقية “تخفيف التصعيد” ستكون حتمية في ظل استمرار وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”.
واستباقًا لتحرك الأسد بدأت إسرائيل تبحث عن صفقة مع الجانب الروسي بشأن المنطقة، إذ أراد النظام وموسكو عدم تدخلها في المعركة المقبلة، فبدأت بتحرك واتصالات دبلوماسية، وتمكنت من خلال محادثات رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هاتفيًا، ولقاء وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، مع نظيره الروسي، سيرغي شويغو، في موسكو الخميس 31 من أيار، التوصل إلى اتفاق مبدئي مع موسكو.
وأكدت روسيا على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، التوصل إلى اتفاق بسحب القوات الإيرانية من الجنوب، وسط توقع بتطبيقه خلال أيام قريبة.
وبحسب ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مسؤول روسي، الجمعة 1 من حزيران، فإن الاتفاق تم على تحجيم دور إيران في سوريا وانسحابها، لكن روسيا ترى أن مسألة الخروج تحتاج إلى وقت وترتيبات، وتقترح طردًا جزئيًا من الجنوب فقط.
واتفق الطرفان على انسحاب إيران 20 كيلومترًا عن المنطقة الحدودية، إضافة إلى وضع تل أبيب مطلبًا أمام روسيا هو انسحاب إيران إلى مسافة 60 إلى 70 كيلومترًا بشكل تدريجي، في منطقة تمتد من مجدل شمس إلى ما بعد دمشق بقليل، ومن جهة الجنوب من الحدود المشتركة مع الأردن إلى السويداء تقريبًا.
كما منحت روسيا الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ عمليات عسكرية محدودة في سوريا بحال تعرض أمنها للخطر، بشرط ألا يؤثر ذلك على قدرات النظام السوري أو استهداف مواقعه، إضافة إلى بحث خيارات إعادة نشر قوات فصل أممية على المنطقة الحدودية، في حين ينص أحد الخيارات المطروحة على انتشار قوات الشرطة الروسية على الجانب السوري.
المعارضة وإيران “خاسرتان”
ثمن الاتفاق سيكون على حساب المعارضة السورية، إذ نقلت الصحيفة عن مصدر إسرائيلي عسكري أن وزير الدفاع الإسرائيلي تعهد أمام الروس بعدم التدخل في المعركة.
وستشمل المعركة التي ترفض تل أبيب التدخل فيها ثلاث مناطق، كان “أبو حذيفة الشامي”، القيادي العسكري في “هيئة تحرير الشام” في الجنوب، توقعها في حديث إلى عنب بلدي سابقًا، وهي معبر نصيب الحدودي الذي يسعى النظام إلى السيطرة عليه منذ سنوات، وتل الحارة الذي يُعد أعلى التلال المرتفعة في ريف درعا الشمالي، ويشرف على مساحات واسعة من ريفي درعا والقنيطرة، وبلدة بصر الحرير في ريف درعا الشرقي التي تعتبر من الأهداف التي توصف بـ “الخفية والتي لا تدركها كثيرٌ من فصائل المعارضة”، وقد تستغل قوات الأسد هذا الأمر في افتتاح معركة حقيقية أو وهمية بهدف الإشغال عن بقية المناطق.
وأفادت صحيفة “الشرق الأوسط” أن روسيا أكدت لتل أبيب أن “قسمًا من قوات المعارضة سينضم إلى الجيش السوري في هذه المنطقة وطلبوا من إسرائيل ألا تعرقل هذه المهمة”، كما طلبوا عدم الرد على القذائف التي يمكن أن تنزلق إلى داخل إسرائيل فـ”النظام السوري لا يدير حربًا معكم (مع الإسرائيليين)، وإذا وصلت إليكم قذائف من طرفهم فيكون ذلك بالخطأ”.
صمت سوري ورد خجول لإيران
من جهته التزم النظام السوري الصمت والابتعاد عن التصريح الإعلامي بشأن الاتفاق بين روسيا وإسرائيل، واكتفى رئيس النظام بشار الأسد، خلال مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”، الخميس 31 من أيار، عند سؤال عن الجنوب، بالحديث عن محاربة الإرهاب واستخدام القوة ضد الفصائل الإرهابية.
في حين ربط وزير الخارجية، وليد المعلم، الدخول في مفاوضات بالجنوب بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منطقة التنف القريبة من الحدود العراقية- الأردنية.
النظام السوري لم يصرح سياسيًا لكنه بدأ بتحركات عسكرية على الأرض عبر استطلاع قائد “لواء القدس” الفلسطيني الرديف لقوات الأسد، محمد السعيد، عدة مناطق في محافظة القنيطرة والشريط الحدودي مع إسرائيل، بحسب ما قال مصدر لعنب بلدي، الذي أكد أن السعيد تجول على كل الجبهات بمحيط البلدة ومدينة البعث وخان أرنبة تمهيدًا لاستلامها.
كما وصلت خلال الأيام الماضية قوات من “الفرقة الرابعة” إلى محافظة القنيطرة، للمشاركة في العملية العسكرية المرتقبة بقيادة العقيد غياث دلة رئيس ما يسمى بـ “قوات الغيث”، والتي تضم ضباطًا وصف ضباط وعناصر من قوات الأسد في اللواء “42 مدرعات”، التابع للفرقة الرابعة.
أما الرد الإيراني فكان بشقين، الأول على الأرض عبر انسحاب نسبة كبيرة من القوات ومقاتلي “حزب الله” اللبناني من مناطق تمركزهم في الجنوب، بحسب مصدر لعنب بلدي، والثاني كان ردًا سياسيًا خجولًا لم يرق إلى حجم الاتفاق ضدها.
واكتفت بالتصريح عبر الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، الذي قال لصحيفة “شرق” الإيرانية، السبت 2 من حزيران، إن إيران تدعم مسعى تقوده روسيا لفرض سيطرة الحكومة السورية على جنوب سوريا وسط تقارير تفيد بأن دمشق تعد لهجوم عسكري كبير في المنطقة.
وعن أسباب موافقة إيران على الاتفاق وعدم مشاركتها في المعركة، أرجع موقع “ستراتفور” الاستخباراتي الأمريكي ذلك إلى رغبة إيران بالحفاظ على علاقتها مع روسيا والاعتماد عليها خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، إضافة إلى أن مشاركتها في المعركة قد تزيد مخاطر تعرضها إلى ضغوط كبيرة من قبل أمريكا التي أعربت عن استيائها من انتهاك منطقة “تخفيف التوتر”، إلى جانب رغبتها بإعادة النظام بسط سيطرته على الجنوب.
استنفار فصائل المعارضة
ومع تصاعد حدة التصريحات واقتراب زمن المعركة استنفرت “هيئة تحرير الشام” قواتها في الجنوب السوري، ونشرت وكالة “إباء” بيانًا لقائد “تحرير الشام” في درعا، “أبو جابر الشامي”، الأربعاء 30 من أيار، وجه فيه خطابًا لمقاتليه في الجنوب للاستعداد للمعارك المرتقبة في الأيام المقبلة.
وقال الشامي إنهم على شريط حدودي وبجانب بادية مفتوحة لا يمكن حصارهم، داعيًا إلى “شحذ الهمم والتجهز للتصدي لحملة النظام السوري على المنطقة”.
في حين استعرض فصيل “قوات شباب السنة” التابع لـ “الجيش الحر” قواته وعتاده العسكري في محافظة درعا، ونشر تسجيلًا مصورًا عبر “يوتيوب”، الجمعة 1 من حزيران، يظهر العشرات من الآليات العسكرية والدبابات والمدافع الثقيلة، يتم استعراضها في الريف الشرقي من درعا، وتنوعت الآليات العسكرية بين عربات “BMP” وسيارات مصفحة ثبتت عليها رشاشات متوسطة.
كما هدد قادة في “الجيش الحر” بدرعا في الأيام الماضية قوات الأسد بتحويل المنطقة إلى “مقبرة” لهم، في حال أقدمت على شن عملية عسكرية ضدهم في المنطقة، في حين حذر قائد “فرقة أسود السنة”، أبو عمر الزغلول، من الدعايات الإعلامية العارية عن الصحة، معتبرًا أن “الآلة الإعلامية للنظام تدسها من أجل إضعاف الروح المعنوية لأهلنا في الجنوب”.