بروفايل جلاد سوري

  • 2018/06/03
  • 12:14 ص
منصور العمري

منصور العمري

منصور العمري

انتشر في “فيس بوك”، خبر مقتل المقدم سومر زيدان، أحد ضباط “الأمن السياسي” بحلب، ليمارس هذا الموقع الاجتماعي سحره في نشر الحقائق وتوثيقها، وجمع الضحايا بجلّاديهم.

وصف غابرييل ك الذي يعيش في أوروبا، وهو إحدى ضحايا سومر حين كان في مدينته حلب بسوريا، كيف علم بالخبر: “في صدفة بحتة، عثرت على صورة الرائد سومر في فيس بوك. سومر الذي كان يستمتع بتعذيب الناس، وأنا وأصدقائي من بينهم، في معتقل الأمن السياسي… كُتب تحت الصورة أنه مات”.

كان سومر رائدًا حين عذب غابرييل، ومقدمًا حين قُتل، ثم رُفّع إلى عقيد شرف بعد موته، تبعًا للقاعدة العسكرية بترفيع ضباط الجيش السوري رتبة شرف، بعد مقتلهم.

تعيد الصورة والخبر غابرييل سنوات، إلى لحظات مؤلمة، وإلى مدينته حلب، التي اضطر أن يتركها، حين تعرض للتعذيب على يد زيدان:

“وأنا أنظر إلى صورته سمعت صوته. من الغريب أنه كان حريصًا على نشر صوره وهو يضحك، رغم تأكدي أنه خلال آخر سبع سنوات من حياته، وبحكم عمله الذي كان يتقنه ويستمتع به بسادية، قضى معظم وقته بين أجساد الناس الذين يعذبهم ويضربهم ويذلهم. من الغريب أنه لم ينشر أي صورة في فيس بوك تظهر حقيقة يومياته وشخصيته”.

يواصل غابرييل بوحه، ويُظهر إنسانية ووعيًا كبيرًا لوحشية جريمة التعذيب ودورها في تدمير الإنسان والوطن:

“الرائد سومر زيدان من الأمن السياسي الذي عذبني لساعات طويلة في غرفته.. جزء مني كان يتمنى أن يراه في المحكمة، قبل أن يموت. أردت أن أواجهه كشخص بلا أداة تعذيب بيده، وبلا سلاسل وكابلات كهربائية وعصيّ.. وأقول له كم كان مجرمًا بحقنا كبشر، وبحق بلدنا ومستقبلنا وحياتنا التي دمرها مع المجرمين أمثاله”.

قدم باسم س أيضًا شهادته في “فيس بوك”، على ما فعله سومر به:

“اعتقلني سومر في 2012 وأشرف على تعذيبي في بداية التحقيق.. كما استولى على سيارتي الشخصية (من نوع) السيتروين وركبها أربع سنوات. في تلك الليلة أخرجني وجردني من الملابس.. ثم شبحني وبدأ ضربي بالأخضر الإبراهيمي (أنبوب التمديدات الصحية)”.

فقد باسم الوعي، واستيقظ في الزنزانة تملؤه الدماء.

دفعني الفضول لتصفح منشورات ضابط الأمن وصوره، فهو مثال عن الجُناة والجلادين الذين عذبوا مئات آلاف السوريين وقتلوا عشرات الآلاف تحت التعذيب، منذ تولت عائلة الأسد حكم سوريا.

كنت واحدًا من الناجين، وفي أثناء تعرضي للتعذيب في الفرقة الرابعة، كانت صدمتي بمدى حقد الجلادين هناك وتوحشهم، تكاد تعادل آلام جسدي. منذ ذلك الحين وأنا أحاول فهم آلية تفكير هذه المجموعة من البشر. لماذا يحملون كل هذا الحقد؟ كيف وصلوا إلى هذه المراحل المتقدمة في الهمجية واللاإنسانية؟ من المسؤول الفعلي عن خلقهم في مجتمعنا السوري؟ وماهي آليات عمله، ومن أين استقى هذه الخبرات الكبيرة ليصل إلى هذا “النجاح الفائق” في تحويل إنسان مثلنا إلى آلة للتعذيب والقتل؟

ببحث بسيط وصلت إلى صفحة سومر وبدأت تصفحها. في التعريف بنفسه، كتب أنه حاصل على شهادة الحقوق، دون أن يذكر أي شيء عن عمله.

أول منشور لفت نظري كان اعترافًا منه باستخدام البراميل والكيماوي ودعوة لاستخدام الكيماوي ضد جميع السوريين ممن لا يؤيدون بشار الأسد، حتى المعارضين السياسيين في سوريا وخارجها:

“البراميل حرام، والمدفعية حرام، والصاروخ حرام، والكيماوي حلال، حلال، حلال على أبناء زناة التاريخ.. وصولًا إلى أصغر جرذ.. من المعارضين في الداخل والخارج”.

سومر زيدان، مقدم في فرع الأمن السياسي بحلب، التابع تنظيميًا لوزارة الداخلية وبالتالي للحكومة السورية، وفعليًا للقصر الجمهوري وبشار الأسد تحديدًا. يعني هذا أن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ووزير الداخلية، مسؤولون قانونًا عن جميع جرائمه.

غلبت على صفحته صور ومقولات ساذجة عن الحب والمرأة والحياة عمومًا، والسخرية من ضحايا نظامه بمن فيهم أطفال الغوطة. تخللت منشوراته كتابات أظهرت موافقه السياسية و”الإنسانية” والاجتماعية.

سومر ممانع ومقاوم يحب بوتين ويكره محمود عباس والعرب وأوروبا وأمريكا والسعودية وتركيا وقطر. بالطبع هو مؤيد مخلص لبشار الأسد، ففي في أحد منشوراته بعد سيطرة النظام السوري على حلب بدعم كامل من روسيا، قال “حلب سورية أسدية”.

كما أن سومر يكره الأديان كالإسلام والمسيحية. قال أحد المعتقلين المسيحيين (غ، ك) الذين تعرضوا للتعذيب على يديه، إن سومر أخبره برأي نظامه بالمسيحيين في سوريا، قال سومر “أتعتقد أن هناك مسيحيين في سوريا؟ أتظن أننا نحبكم؟ نحن نبقي عليكم هنا، لأني أستطيع أن أحضر أي بنت من الشارع إلى تختي بعلم أهلها، ولا أحد يتجرأ على التفوه بكلمة، أنتم تحت صرمايتنا”.

يتغنى سومر بالإرث الثقافي السوري الذي يعود لآلاف السنين، والقيم والأخلاق في أغنية لفيروز، وفي الوقت ذاته ينشر دعابة تحمل مجموعة من الانتهاكات التي تعبر عن ثقافة عنصرية:

“سقطت طائرة ولم ينجُ منها سوى ثلاث حريم: سعودية، لبنانية، سودانية. فصعدن على جسم الطائرة ينتظرن من ينقذهن. لبست السعودية كل مصاغها الذهبي كي يتم إنقاذها قبل غيرها. اللبنانية شلحت كل ملابسها كي تغري من سيأتي لإنقاذهن ويبدأ بها. احتارت السودانية ماذا تفعل، فكتبت على مؤخرتها: الصندوق الأسود”.

حملت هذه النكتة عنصرية مقرفة تجاه لون البشر، وتصنيف لهم بحسب دولهم في تعميم جاهل، فجميع السودانيات بالنسبة له فقيرات وبشعات، واللبنانيات يستخدمن أجسادهن. بالإضافة إلى مفردة حريم التي تجرد المرأة من إنسانيتها.

يُلهم سومر زياد الرحباني، ودريد لحام ومحمد حسنين هيكل، وصورًا ومقولات مفبركة من بينها كاريكاتير مفبرك للفنان موفق قات.

حتى ذوقه في الأغاني ارتبط بالعنف أيضًا، فنشر أغنية لجوليا بطرس وكتب: “أطلق نيرانك لا ترحم فرصاصك بالساح تكلم”

يحب سومر نشر الخوف ويكره الحرية: “الحرية تسبب حرقة في المعدة”.

بالطبع عبر سومر عن موقفه من ثورات الربيع العربي، بشتيمة البوعزيزي ضحية النظام التونسي، وإلقاء اللوم عليه، وعبر أيضًا عن فهم أحمق لسبب إحراق البوعزيزي نفسه:

“انت حرقت حالك من ورا كف..

والدنيا التعن سماها من ورا جحشنتك”

يعلق سومر صورة “اليين واليانغ” في مكتبه، المأخوذة من مذهب صيني، وتفسر نشأة الكون منذ الأزل وتوضح أو تعبّر عن الازدواجية في نظامنا الكوني. رغم أني أشك في فهمه لما تعنيه، لكنها قد تكون التعبير الأصدق لوصف حياة هذا المجرم المزدوجة.

ربما تشترك مع سومر بإحدى صفاته أو ملهميه أو أفكاره، ولكن احذر أن تشترك معه بها جميعًا، لا تكن سومر!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي