عنب بلدي – اقتصاد
ألقى انخفاض قيمة الليرة التركية إلى مستويات قياسية، نتيجة أسباب اقتصادية وسياسية، بظلاله على الشمال السوري، المدعوم عسكريًا واقتصاديًا من أنقرة، سواء في ضعف الحركة التجارية في الأسواق، أو تحركات المجالس المحلية من أجل دعم الليرة.
الليرة التركية شهدت هبوطًا حادًا وخسرت حوالي 18% من قيمتها أمام الدولار منذ بداية العام، في حين خسرت خلال أيار الماضي فقط 10%، بسبب صراع بين الحكومة والبنك المركزي على خفض سعر الفائدة، إلى جانب تحضيرات تركيا لإجراء انتخابات رئاسية.
واستقر سعر الصرف، السبت 2 من حزيران، عند 4.58 للشراء و4.60 للمبيع، ما جعلها حديث الأوساط الاقتصادية.
تأثير انخفاض الليرة على ريف حلب
انخفاض الليرة انعكس على أسواق ريف حلب، وأصاب الكساد بعض السلع، نتيجة ضعف الحركة التجارية، بالرغم من اقتراب عيد الفطر، الذي من المفترض أن تشهد الأسواق فيه نشاطًا اقتصاديًا.
جبران بكور، صاحب محل جملة ومفرق لبيع المواد الغذائية في بلدة صوران، أرجع سبب كساد السوق إلى استلام رواتب الموظفين بالليرة التركية وتحويلها إلى العملة السورية، وخسارتهم نحو 25 ألف ليرة سورية، نتيجة فرق العملات وانخفاض سعر الصرف في الأسابيع الأخيرة.
ويستلم معظم الموظفين (في المؤسسات الطبية والمدرسين والشرطة والمجالس المحلية) رواتبهم بالليرة التركية، ويبلغ راتب المدرّس وسطيًا 500 ليرة تركية، في حين يبلغ راتب الموظف في الشرطة 800 ليرة، وراتب الطبيب ثلاثة آلاف ليرة والمسعف 600 ليرة تركية.
ويحول الموظفون رواتبهم إلى العملة السورية للتعامل بها في السوق، وكان سعر صرف الليرة التركية يعادل مطلع العام 2013، ما بين 120 و130 ليرة سورية، في حين يتراوح الآن بين 90 و97 ليرة، ما يجعل خسارة الموظف تقدر بين 20 و25 ألف ليرة سورية شهريًا.
وحول سبب استلام الموظفين رواتبهم بالليرة التركية، قال الباحث في المنتدى الاقتصادي السوري، ملهم جزماتي، لعنب بلدي، إن معظم المنح الخارجية التي تأتي إلى المنطقة تدخل عبر الحكومة التركية، أو عن طريق منظمات المجتمع المدني التي أجبرتها أنقرة على تحويل أي مبلغ يدخل إلى مناطق ريف حلب من الدولار إلى الليرة التركية.
كما تصرف رواتب المقاتلين التابعين لـ “الجيش الحر” الذين تدعمهم تركيا في ريف حلب وإدلب بالليرة التركية، ويقدر راتب المقاتل العادي بنحو 500 ليرة تركية.
المجالس تتحرك
وبهدف دعم الليرة التركية وتخفيفًا من آثار تراجعها على المنطقة، أطلقت مجالس محلية في ريف حلب مبادرة لدعم الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي.
ودعا مجلس اعزاز في بيان، الثلاثاء 29 من أيار، جميع التجار والفعاليات الاقتصادية كافة إلى التعامل بالليرة التركية، وتحويل أموالهم من مختلف العملات إليها.
وقال رئيس المجلس، محمد الحاج علي، لعنب بلدي، إن المبادرة تأتي كـ “رد جميل” للحكومة التركية التي تدعم موظفي التعليم والشرطة والمجلس المحلي والقضاء وجميع العاملين في الدوائر الحكومية.
وأضاف أن الانخفاض الكبير الذي شهدته الليرة في الأيام الماضية، أدى إلى تضرر الموظفين العاملين في الريف الشمالي لحلب، خاصةً أنه تزامن مع حلول شهر رمضان، وازدياد حاجة الأهالي إلى التسوق.
في حين ناشد “المجلس المحلي في مدينة مارع” التجار والصناعيين والأهالي لشراء أكبر كمية من الليرة التركية، “لما لذلك من أثر في ازدياد قدرتها الشرائية، وارتفاع قيمتها السوقية، ودعم الإخوة الأتراك في الحرب الاقتصادية التي يشنها الأعداء، والإسهام في استقرار الليرة التركية”، بحسب تعبيره، إضافة إلى “الإسهام في رد الجميل الذي قدمه الإخوة الأتراك لوقوفهم إلى جانبنا في حربنا ضد قوى الظلم والتكفير الإرهابية”.
التعامل بالليرة التركية
خطوة المجالس دفعت البعض إلى الاعتقاد بأنه بداية للتعامل بالليرة التركية، خاصة في ظل وجود دعوات خلال العامين الماضيين إلى ضرورة استخدام العملة التركية في مناطق المعارضة كونها ضرورة اقتصادية للتخلص من التبعية للنظام السوري.
لكن جزماتي أوضح أن مبادرة المجالس المحلية هي لدعم الاقتصاد التركي، ولا يعني ذلك التخلي عن الليرة السورية، التي ما زال التعامل بها محليًا.
وحول المستقبل أكد الباحث الاقتصادي أن الوضع السياسي للمنطقة والتفاهمات السياسية هي من تحدد، وفي حال بقاء الأمر على ما هو عليه فإن التعاملات التجارية هي من تحدد طبيعة العملة المتداولة، خاصة بين تعامل التجار مع بعضهم أو تعاملهم مع تركيا.
وأشار إلى أن نسبة كبيرة من تجارة مناطق ريف حلب يتعاملون مع تركيا، ما يعني أنه حتى لو احتفظ المواطنون بالليرة السورية كعملة أساسية، ستكون التركية الأكثر تداولًا نتيجة التجارة، معتبرًا أنه لو خير المواطن بين الليرة السورية والتركية سيختار الأخيرة بسبب ضعف الليرة السورية وانخفاض قيمتها.