النظام وأوهام حلف الأقليات
إبراهيم العلوش
حاول النظام بشكل دائم ضمان استمراره بالترويج لنفسه بأنه حامي الأقليات، وأنه يحمي هذه الأقليات من الأغلبية، وأن كل الأعمال التدميرية التي أودت بترحيل نصف سكان سوريا من بيوتهم، وتدمير المدن والقرى والمقدرات الاقتصادية، هي باسم حماية الأقليات، وقد عمل على هذه المقولة بجهد إعلامي ودبلوماسي كبير، جعل الكثير من الجهات الغربية تقتنع بهذه المقولة قبل سنوات، وهي أن الأغلبية من الشعب السوري ما هم إلا دواعش ونصرة، ولا يستحقون إلا التنكيل والقتل.. وما إلى ذلك من التهم التي تحرض على توريط أبناء الأقليات في مجزرة العصر النازية.
تنبثق هذه المقولة التي تبناها النظام من تاريخ طويل يرجع على الأقل إلى الرسالة التي شارك بها سليمان الأسد جد بشار الأسد، والتي وقع عليها أعيان من أبناء منطقته مطالبين بضرورة بقاء الاحتلال الفرنسي، ورفض استقلال سوريا، بحجة أن الأغلبية سوف تبتلع الأقليات وتهجم على الغرب وإسرائيل أيضًا، وقد تم توقيعها في عام 1936، وصرح عنها وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس في مجلس الأمن عام 2012، ردًا على تبجحات بشار الجعفري بوطنية عائلة الأسد ونظامه.
ومنذ بدء الثورة لم يكن النظام ليتردد بتسريب الفيديوهات من داخل منظومته التشبيحية، لتوريط أنصاره، وخاصة من أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها معظم قادته. وكذلك توريط الطوائف الأخرى بتسريبات مقصودة لمئات الفيديوهات عن ممارسات أنصاره منهم، ذات الصبغة الطائفية. ولعل من أبرز تسريباته فيديوهات “بدكن حرية” وصور التعذيب، وتسجيلات أغاني فيروز التي تذاع من مآذن الجوامع في درعا، بالإضافة الى تسريبات صور عصام زهر الدين، ودخوله إلى أحد الجوامع، وتحقيره للمكان بشكل استفزازي، لم تفعله حتى إسرائيل، ليرسل رسالة للأقليات بأنهم متورطون معه في المذابح التي تقام على جميع الأراضي السورية.
ولعل رفع حزب الله لشعاراته المذهبية الشيعية على مئذنة جامع في القصير، بعد تدمير المدينة، وتهجير أهلها، هو من أوائل الشعارات الطائفية التي تورط الطائفة الشيعية الصغيرة في سوريا، والكبيرة في لبنان، وتجعلها رهينة له ولإيران التي لا تأبه بالنتيجة للشيعة، ولا لمصيرهم، بل تأبه للبازار، ولمصالحها، ولفتح الطريق الإمبراطوري المزعوم من طهران إلى بيروت مرورًا بالعراق وبسوريا.
ولقد استثمر الروس في بدايات تدخلهم مثل هذه الوسائل القذرة، والاستفزازية، بالفيديو المسرب لرجل دين مسيحي، وهو ينشر البخور حول أول طائرة روسية تباشر عمليات التدمير الممنهج للمدن السورية، والتي أصبحت الكثير من أحيائها اليوم أطلالًا مهجورة.
إذا كان النظام قد نجح بترويج صورته كمنقذ، وكشرٍّ لا بدّ منه، لدى الدول الغربية وروسيا والصين، فإن خطته في توريط الطوائف السورية لم تحظ بالشعبية الواسعة، حتى عندما كانت في أوج الترويج لها.
فالطائفة الإسماعيلية رفضت ومنذ اليوم الأول الانحياز للنظام رغم كل المضايقات التي حاولت خنقها. وأثبت ناشطوها بعدًا وطنيًا وانحيازًا للحرية ضد استبداد النظام وممارساته الإرهابية.
والدروز أثبتوا أن عصام زهر الدين ما هو إلا مجرم من شاكلة شبيحة الأسد، مثله مثل كل العصابات الانكشارية التي وقفت مع الأسد، ومن كل الطوائف، بما فيها الطائفة السنية، وصارت تعتاش من النهب والسلب والتعفيش، ولم ينجح مثل هذا الفيديو، وغيره، حتى بصراع محلي بين أهل درعا وأهل السويداء، وتعج صفوف المطالبين بالحرية من هذه الطائفة كما من غيرها، وبوصفهم مواطنين سوريين، وليس كمجرد أبناء طوائف.
والمسيحيون قدموا استنكارًا لمشهد رجل الدين الذي كان يبخر الطائرة الروسية، ومع كل تصريح لرجال الدين المسيحي يمتدح بشار الأسد، أو يغض النظر عن جرائمه، وترى الناشطين المسيحيين من أوائل المستنكرين لهذا التجييش الطائفي الذي يقوم به النظام، ويحاول به أسر الطوائف تحت يافطة “إما في حضني، أو تحت سيف داعش”، وكأنما داعش لم تخرج من سجونه التي أطلق منها حتى المجرمين الجنائيين للإسهام معه في تدمير سوريا.
أما بالنسبة للطائفة العلوية، وهي الطائفة الأكثر تضررًا من نظام الأسد، بعد الطائفة السنية، ورغم إحكام السيطرة عليها من قبل أجهزة المخابرات، وتوريط الكثير من أبنائها في جرائم التعذيب، والتعفيش، والقصف بالبراميل، فإن الكثير من ناشطيها، ومن شبابها كانوا مع الثورة، وخاصة في بداياتها، إذ اشترك الكثير من طلاب الجامعات من الطائفة العلوية بالمظاهرات بشكل حقيقي، قبل أن يروج النظام للفيديوهات الإرهابية التي أسهم هو بصنعها، وبصنع مجرميها من داعش ومن النصرة.
وقد نجح النظام بأسر الكثير من أبناء الطائفة العلوية بكل أسف، ولكن هذا الأسر لم يمنع هذه الطائفة من استقبال السوريين في مدنها وفي قراها، إذ إن عددهم اليوم في الساحل السوري يقدر بالملايين، ولم يحصل أي اعتداء طائفي عليهم خلال السنوات السبع الماضية، إلا من قبل أجهزة المخابرات وحواجزها، ولم يحصل أي تحقير، أو أي ممارسات عنصرية شعبية وواسعة النطاق، ضد السوريين من أبناء الطوائف الأخرى، وخاصة ضد أبناء الطائفة السنية الذين يعيشون في الساحل كنازحين. وهذا ما يجعل أحابيل النظام وإيران شديدة القصر على المدى البعيد، رغم كل الخطط والأكاذيب، والأساليب الجهنمية.
اليوم وقد انحسر الدور المسرحي لداعش وللنصرة ولحزب الله، وبدأت إيران تتلقى ضربات عنيفة وغير مسبوقة في سوريا، وبدا السوريون جميعًا مستبشرين خيرًا بهذه الضربات ضد ايران، رغم أنها تأتي من إسرائيل، التي كانت هي حليفة خفية لعائلة الأسد طوال السنوات السابقة.
فالقصير -مثلًا- التي احتلت بشكل طائفي ومذهبي من قبل حزب الله وإيران، بدأت تتلقى ضربات تدمر عش الوهم، والعظمة التي بدت كبيرة عند احتلالها صارت اليوم دخانًا وأوهامًا واهية، فالقصير وفق أي تسوية قادمة، لن تكون إيرانية، وسيعود السوريون الذين هجّرهم حزب الله منها إلى بيوتهم فيها، وهي نفس البيوت التي استقبلت أنصار حزب الله في أثناء حرب تموز 2006، عندما كان السوريون مخدوعين بالمقاومة والممانعة الإيرانية.
العالم يتغير اليوم باتجاه وضع حل لسوريا، وقيام جمهورية جديدة لا سلطة فيها للشبيحة، ولا للمعفشين، جمهورية تحاكم كل مجرمي الحرب، ومن كل الأطراف. ورغم أن استقلال سوريا من المحتلين ومن التدخلات الأجنبية كلها سيطول انتظاره، ولكن الحتمي والأكيد هو أن اللعب بالطوائف الدينية وبالمكونات العرقية لم يثمر تنصيبًا أبديًا لعائلة الأسد، ولن يكون ذلك مهما كان الثمن.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :