هنا الحلبي – عنب بلدي
“مع صباح الشمس الحلوة ، جاء نبأ: ماجد استشهد، ودوت في ذاكرتي تلك المقولة: الصادقون لا يعمرون… كان هناك مسجى على أرض الجامع، وكل القوانين والرغبات تقف عاجزة أمام الحقيقة الخالدة الموت”؛ بهذه الكلمات نعى أبو مضر صديقه ماجد كرمان الذي استشهد يوم الأحد 23 تشرين الثاني.
وأضاف أبو مضر “أبحث عن شمس تدفئني فلا أجد، برد وكآبة وغربة؛ ألتقي بوالده، وفيما أنا أُهيّئ الكلمات وأنتقي المناسب.. إذ به يصفعني بقوله: كان عندي ابن واحد، والآن أكرمني الله وكلكم أبنائي، كل المجاهدين في الجيش الحر أبنائي”.
أعاد استشهاد ماجد إلى أحياء حلب، مشهد استشهاد القائد عبد القادر الصالح، وقد وصفته والدته بـ “الفارس الذي ترجل” في لافتة حملتها من شرفة المنزل.
وكان لعنب بلدي لقاء مع محمد ماهر كرمان، والد الشهيد، والذي يعتبر من أوائل ثوار حلب، وقد بدأ حديثه بالقول “ماجد وحيدي، وكان الشاب المدلل والجميل، الذي يحب أن يرتدي يوميًا ملابس جديدة ويتعطر.. اشتهر بأناقته، وحبه للرياضة والحفاظ على لياقته”.
وكان ماجد “الذي لا يخشى في الحق لومة لائم”، لبى نداء الثورة منذ اندلاعها، وشارك بمراحلها السلمية والعسكرية، كما أنه واحد من مؤسسي مجلس ثوار صلاح الدين، ثم التحق بالجيش الحر وشكل كتيبة الشهيد أبو عمر الزعيم، ليشارك بأغلب الجبهات المحتدمة في حلب.
وتابع أبو ماجد “نحن كعائلة اعتدنا أن نودع ماجد قبل كل معركة وداع الشهيد، وهو كان في قرارة نفسه يؤمن بأنه شهيد.. وبالفعل عندما استشهد أقمنا له فرحًا على الأرض.. أنا زففت ابني مرتين مرة يوم زفافه على الأرض، ومرة يوم استشهاده إلى السماء”، وقد تناقل ناشطون من مدينة حلب صورتين يظهر في إحداهما أبو ماجد يوم زفاف ابنه، في حين يظهر في الثانية وهو يصلي عليه بعد استشهاده.
ونقل أبو ماجد عن زوجته القول “لم ألد سوى هذا الرجل لأقدمه في سبيل الله، ويا ليتني قدمت المزيد”.
“لكن نحن بالنهاية بشر، وأنا أملك جانبًا إنسانيًا ضعيفًا لأب فقد فلذة كبده؛ يحضرني ابني عندما أقف على شرفة بيتنا فأنظر إلى مدخل البناية وأتخيل ماجد، فلقد اعتاد ولمدة سنين أن يصرخ عندما يصل إلى مدخل البناء ويقول: أنا جيت”.
يردف الوالد “إلى الآن أسمع صداها أنا جيت وهذا ما نتذكره عن ماجد في كل لحظة، فيبكينا تارة ويضحكنا تارة أخرى، وأقول لنفسي ماجد راح.. ماجد ما عاد يجي”.
كانت نقطة ضعف ماجد في الثورة المعتقلات في سجون الأسد، أكثر ما يؤرقه ويؤلمه، وحين التحق بمعركته الأخيرة (معركة نبل والزهراء)، كانت نيته أن يأسر عددًا من مقاتليها من أجل إطلاق سراح نساء سيفات، بحسب والده.
الأمر الذي أكدته رواية أبي الحسنين، القائد العسكري العام للواء حلب المدينة حيث كتب عبر صفحته في الفيسبوك، “عندما جاء ماجد إلى المعركة، قلت له اسمك غير موجود في هذه المعركة، لكنه أجاب: الله يخليك خليني فوت معكن بهذا الاقتحام، والله حاسس حالي مقصر.. نساء سيفات الله وحده بيعلم بحالن؛ إما منأسر منهم أو منموت كلنا”.
بدوره أفادنا أبو مصطفى، نائب القائد العسكري للواء الذي رافق ماجد لحظة استشهاده، “أول ما وصلنا أرض المعركة نظر ماجد وقال: نيال اللي رح يستشهد هون”.
وأضاف أبو مصطفى “خلال المعركة شعرنا بأننا حوصرنا، فانبطحنا أرضًا وبدأ إطلاق الرصاص بشكل كثيف باتجاهنا”.
لكن ماجد رفض مغادرة أرض المعركة، وقال “مالي رجعة أبدًا”، بحسب أبي مصطفى الذي أضاف أنه “تشهّد ثلاث مرات وتقدم خطوة إلى الأمام، لكنه أصيب فأسعفناه، لكنه استشهد مباشرة”.
“ترجل الفارس تاركًا أميرته الصغيرة، ودلّولته حور ذات العامين، وطفلة أخرى في أحشاء أمها لم ولن ترى والدها قط”؛ يقول والد الشهيد “هؤلاء الأيتام هم ثأرنا، وشهداؤنا هم منارتنا، ودماؤهم الزكية التي روت الأرض ستكون حافزاً للمضي في الثورة”.