ريف حماة – إياد عبد الجواد
شهد العام الحالي تأخرًا في هطول الأمطار، وشحًا في معدلاتها، وخاصة في الأشهر الأولى من الموسم الزراعي، الأمر الذي أسهم في تدهور إنتاج محاصيل استراتيجية، من أهمها القمح.
تعد منطقة سهل الغاب مصدرًا رئيسيًا لمحصول القمح السوري، لما تتمتع به من تربة خصبة، إذ تعد تربة السهل من أكثر الأنواع خصوبة في منطقة الشرق الأوسط، وتتميز بأنها رسوبية لحقية، كما هي الأراضي المجاورة لنهري الفرات والخابور.
خصوبة التربة جعلتها بيئة ملائمة أيضًا لزراعة أنواع كثيرة من المحاصيل مثل القطن، والشمندر السكري، وعباد الشمس، والحبوب بأنواعها، وأنواع مختلفة من الخضراوات، وجميعها لها أهمية استراتيجية.
موسم القمح مغاير للتوقعات
إبراهيم رمضان، فلاح في منطقة سهل الغاب، يملك حقلًا للقمح كان يعول عليه كثيرًا لموسم هذا العام، بحسب ما روى لعنب بلدي، وحاله حال كثيرين من مزارعي القمح، إذ حمل الموسم الفائت وفرة في الإنتاج جعلت من الفلاحين يعقدون آمالًا كبيرة هذا العام.
ويقول رمضان “وصلت تكلفة الدونم إلى أكثر من 15 ألف ليرة، فيما لم تتجاوز إنتاجية الدونم 250 كيلوغرامًا، في إشارة إلى أن إنتاج الموسم لم يوازِ تكلفته.
وأضاف أن المنظمات المعنية بالشؤون الزراعية لم تكن على القدر المطلوب لدعم زراعة القمح في منطقة سهل الغاب.
في حين عزا رئيس الإرشادية الزراعية في قرية “الحويز”، جمال الفواز، تدني محصول القمح هذا العام إلى سببين أولهما شح الهطول المطري، والثاني الأمراض التي أصابت القمح.
وأوضح الفواز لعنب بلدي أن الأمطار كانت قليلة خلال الشهر الأول من زراعة القمح، وهو شهر تشرين الثاني، إضافة إلى قصر مدة الهطول، مشيرًا إلى أن “محصول القمح محصول شتوي يحتاج لكميات كبيرة من المياه، ما أدى لظهور أمراض بشكل كبير وخصوصًا الفطرية”.
الرطوبة العالية ليلًا والحرارة العالية نهارًا سببت مرض الصدأ، الذي يلعب دورًا كبيرًا في تدني محصول القمح، كونه يبدأ من الأوراق وينتهي بالثمار، فيُحدث ضمورًا بحبة القمح ويخف وزنها، وأحيانًا يسبب فراغ السنابل من الحبوب نتيجة هذا المرض.
ويرى الفواز أن الأمطار المتقطعة، وخصوصًا الأمطار الأخيرة التي هطلت بفترة إزهار القمح، ألحقت الضرر بالزهر، وكذلك الساق التي كانت قائمة ولكنها بعد الأمطار أصبحت مائلة بشكل كبير، رغم أن السنبلة لا تحوي أي حبة قمح بداخلها، كما “أسهمت حشرة (السوني) بانخفاض الإنتاج نتيجة عدم مكافحة هذه الحشرة بالأدوية المطلوبة وعدم دعم الفلاحين من قبل المؤسسات والمنظمات بالأدوية والأسمدة اللازمة لزراعة القمح”.
المهندس الزراعي جهاد سلامة ضم صوته إلى أصوات الفلاحين، في إرجاع تدهور إنتاج محصول القمح إلى ندرة الأمطار، وأضاف في حديث لعنب بلدي سببًا آخر هو غياب مصادر الري الأخرى بسبب نفاد مخزون مياه السدود.
وأوضح سلامة أن “الأمطار المتأخرة، والتي سقطت بغزارة في المنطقة بالتزامن مع وصول الموسم إلى مرحلة الحصاد، أدت إلى إصابة المحصول بأمراض كثيرة، منها البقع والتفحم والبياض الدقيقي، ما أثر على مخزون القمح في الشمال السوري”.
سهل الغاب لم يعد مصدر ثلث الإنتاج السوري
بحسب ما رصدته عنب بلدي من شهادات الفلاحين في المنطقة، فإن إنتاجية المحصول الحالي تدنت إلى ما دون 300 كيلوغرام للدونم الواحد في كثير من القرى في المنطقة، غربي حماة.
كما أكد الفواز هذه المعلومات بإحصائيات أكثر دقة، إذ أفاد أن مساحة الحقول المزروعة بالقمح بلغت 10 آلاف هكتار، وتراوح إنتاج القمح في العام الماضي للدونم الواحد بين 700 و800 كيلوغرام، أما في العام الحالي فلم يتجاوز إنتاج الدونم الواحد 400 كيلوغرام، بينما إنتاج سهل الغاب بشكل عام من القمح في العام الماضي بلغ 250 ألف طن أما في هذا العام فلن يتجاوز 100 ألف طن، بعدما كان إنتاج سهل الغاب من القمح يعادل ثلث الإنتاج في سوريا.
ويبدأ الفلاحون بحصاد القمح في فصل الصيف، ولكن في سهل الغاب يبدأ الحصاد منذ فصل الربيع، إذ يختص بعض الفلاحين بإنتاج “الفريكة” التي تتطلب أن يكون القمح لا يزال أخضر ورطبًا ولم يصل إلى مرحلة الجفاف، ليقوم الفلاحون بإحراق السنابل ثم تقشيرها لتصبح صالحة للأكل، وتعتبر منطقة سهل الغاب مصدرًا رئيسيًا لـ “الفريكة”، والتي تباع بأسعار مرتفعة قياسًا بمنتجات القمح الأخرى مثل البرغل والطحين.
كما تعتبر منطقة سهل الغاب السلة الغذائية الثانية لسوريا، بعد محافظة الحسكة، الأمر الذي يتطلب تدخلًا من الجمعيات الفلاحية المعنية، لإنقاذ المواسم المقبلة، وخاصة من جهة مكافحة الأمراض.