وصل عبد الكريم البيوش إلى تركيا قبل شهرين، قادمًا من مدينة إدلب، بغرض استخراج جواز سفر من القنصلية السورية في اسطنبول، وأقام في مدينة غازي عنتاب، قبل أن يغادر إلى اسطنبول ليتم إجراءات استخراج الجواز “المستعجل”.
عبد الكريم، وهو ناشط إعلامي، اطلع قبل سفره على الشروط اللازمة لاستخراج الجواز، وعلى التكاليف المالية المفروضة، بما فيها أجور السماسرة الذين يحجزون مواعيد المراجعة وتقديم الطلبات، على اعتبار أن جميع الحجوزات عبر الموقع المخصص للقنصلية مغلقة لسبب مجهول، لكن الأمر اختلف عليه فالموعد تحول إلى ثلاثة مواعيد ورسوم الجواز (800 دولار) تحولت إلى ثلاثة أضعاف.
يعرض البيوش ذو الخمسة والعشرين عامًا تجربته في استخراج جواز السفر من القنصلية السورية بتركيا عبر مجموعات السوريين في “فيس بوك”، لينبههم إلى الصعوبات التي مر بها، سواء من عملية النصب التي واجهها مع “السمسار”، أو “مزاج” الموظفين وطريقة تعاملهم.
“بدنا نتصبح بوجه المواطن ونشوفو كل يوم”
بعد وصوله بأيام إلى تركيا، حجز عبد الكريم موعدًا لاستخراج جواز، عن طريق “سمسار” أرسل له 200 دولار أمريكي بحوالة لقاء ذلك، وبعد ذهابه إلى القنصلية في الوقت المحدد، لم يتمكن من إتمام عملية التسجيل، بعدما استلم الموظف (تركي الجنسية) أوراقه، وطلب منه العودة بعد 20 يومًا بموعد جديد.
أصر عبد الكريم على الموظف كي يسيّر أموره على الموعد القديم، وطلب توضيحًا عن السبب الذي أجبره على حجز موعد آخر، لكن الأخير لم يستجب وطلب منه العودة بعد عشرين يومًا بموعد جديد.
وقبل خروجه من باب القنصلية، تحدث الشاب مع السمسار الذي حجز له الموعد، ليتذرع بأن هناك خطأ في تحديد نوع الطلب عند التعبئة، ويخبره بأن عليه حجز موعد جديد لاستلام الجواز بعد المدة المحددة، وبتكلفة 250 دولارًا أمريكيًا أي بزيادة مقدارها 50 دولارًا عن الموعد الأول.
وإلى جانب التكاليف “الباهظة” التي واجهت عبد الكريم، كان السفر بين غازي عنتاب واسطنبول أكبر المشاكل التي اعترضته، وأوضح لعنب بلدي أنه لا يحمل بطاقة حماية مؤقتة (كيملك)، واضطر للسفر بسيارات خاصة للتهريب بين الولايات التركية وبمبالغ مالية أكبر من الحافلات العادية.
بعد الموعد الأول اضطر عبد الكريم لحجز موعد آخر عن طريق السمسار ذاته، وبعد عشرين يومًا توجه إلى القنصلية، وانتهى من مراحل معاملة الجواز كاملة، بينها دفع الرسوم المحددة للجواز المستعجل في البنك 800 دولار، ليؤجل الاستلام إلى فترة زمنية حددها الموظف بأسبوع.
وحتى هذه المرحلة دفع الشاب مبلغًا تجاوز 1600 دولار، بين الرسوم المفروضة، وكلفة التنقل بين غازي عنتاب واسطنبول، وقال لعنب بلدي إنه يعتقد أن القنصلية السورية أغلقت حجز المواعيد عبر الموقع الإلكتروني بصورة مقصودة، “ما يعود عليها بآلاف الدولارات من خلال شبكات واسعة من السماسرة”.
ولم تقتصر العراقيل التي تضعها القنصلية السورية على تجربة عبد الكريم، بل انسحبت على معظم السوريين القاطنين في تركيا، والمضطرين لاستخراج جواز السفر كي لا يفقدوا الإقامة السياحية أو إقامات العمل الممنوحة لهم في تركيا.
وكانت المحطة اللافتة في تجربة الشاب عند عودته لاستلام الجواز عقب أسبوع، أنه تفاجأ بغياب الختم القنصلي على جوازه، ونقل على لسان الموظف المسؤول عن تسليم الجوازات قوله، “نحنا منحب نشوف المواطن ونتصبح بوجهو مشان هيك التغى قرار الختم”، أي: تعال مرة أخرى لنختم لك الجواز.
ويعتبر الختم القنصلي أساسيًا، ولا يمكن لأي سوري أن يتنقل بدونه بين المطارات الدولية، ويكون على الصفحة الخامسة من الجواز، ممهورًا بتوقيع الوزير المستشار في القنصلية، برهان الخطيب.
وبعد نقاش مطول بين عبد الكريم والموظف، طلب الأخير حجز موعد ثالث لوضع الختم على الجواز، وبحسب السمسار، تبلغ تكلفة هذا الموعد 150 ليرة تركية (31 دولارًا)، لكن عبد الكريم عاد إلى غازي عنتاب ورفض حجز الموعد الثالث بسبب صعوبة الطريق و”الذل” الذي تعرض له على مدار شهر من السفر.
وقال لعنب بلدي إن التكلفة الكاملة التي دفعها منذ البدء بمعاملة الجواز تخطت حاجز 2400 دولار، وهو رقم لا يمكن لأي لاجئ سوري تحمله، ويعادل بالليرة السورية مليونًا و100 ألف.
والرقم الذي ذكره عبد الكريم ليس رقمًا رسميًا، ويرتبط بظروف كل شخص، والسمسار الذي التقى به، ومكان إقامته.
عنب بلدي التقت عدّة حالات أخرى لمواطنين سوريين جمعتهم المشقة على أبواب القنصلية لساعات طوال، توحّدوا في دفع مبالغ كبيرة والشعور بالظلم والاستغلال مقابل الحصول على أوراق ثبوتية.
كما أجرت عنب بلدي استطلاعًا للرأي عبر صفحتها على “فيس بوك” وطلبت من متابعيها مشاركة قصصهم والأحداث التي تعرضوا لها خلال استخراجهم لجوازات السفر من القنصلية السورية في اسطنبول، واتفق أغلبهم على أن القنصلية هي المسؤول الأول عن تعقيد إجراءات استصدار وتوقيع الأوراق الرسمية، وأنها المستفيد الأول أيضًا.
أكثر من 150 مستخدمًا شاركوا تجاربهم من خلال التعليقات على الاستطلاع الذي أجرته عنب بلدي عبر كل من “فيس بوك” و”إنستغرام”، وتحدثت أغلب تلك القصص عن المبالغ الكبيرة التي يتم دفعها للقنصلية عند تجديد جواز السفر أو تصديق الأوراق الرسمية أو إجراء الوكالات.
السيدة فريحان وردة عرضت قصتها من خلال صفحة عنب بلدي، وكتبت “حصلت على موعد عن طريق مكتب محام أكد أن الموعد مضمون، وأخذ 350 دولارًا، وبعد جهد جهيد وانتظار مرير وبكل احتقار وذل لنا، وقفنا على باب القنصلية”.
وأضافت السيدة فريحان أنها قضت باقي يومها في القنصلية، لكن تسليم الجواز تأخر شهرًا كاملًا عن الموعد المحدد، واضطرت أيضًا للدفع لسمسار “طيار” لتسلم الجواز.
أما السيد رامز أبو صطيف فأشار إلى أنه “مدد” جواز سفره قبل نحو عام، وفوجئ بالرشاوى التي يتم دفعها، وعلّق بالقول، “حكم القوي على الضعيف”.
ويتشارك أبو صطيف مع الشاب عبد الكريم بيوش معاناة السفر وصولًا إلى القنصلية، إذ يقطن الأول في مدينة أورفا في أقصى جنوب تركيا، ويحتاج للسفر مدة 20 ساعة ليصل إلى اسطنبول، حيث يمتزج عذاب الغربة ببيروقراطية المؤسسات السورية الحكومية.
خطوات استصدار جواز سفر من القنصلية السورية في اسطنبول:
– حجز موعد من السماسرة 250 – 350 دولار (إجراء غير رسمي – رشوة).
– مراجعة القنصلية لتسليم الأوراق.
– انتظار الموافقة الأمنية لمدة تتراوح بين أسبوع وشهر.
– مراجعة القنصلية بنفس الموعد ودفع الرسوم 300 دولار للجواز العادي و800 دولار للمستعجل.
– الرسوم تدفع في بنك العمل التركي (iş bankası) 31 ليرة تركية عمولة.
– حجز موعد جديد لتصديق الجواز (إجراء غير لازم تم فرضه لإجبار المراجع على العودة إلى القنصلية بموعد جديد يشتريه من السماسرة).
(ملاحظة: التصديق مطلوب من دائرة الهجرة والجوازات التركية للتأكد من أن الجواز غير مزور)
– مراجعة القنصلية ودفع رسوم التصديق 25 دولارًا + 31 ليرة تركية عمولة البنك.
– الحصول على الموعد وحده لا يكفي للدخول مباشرة ويجب الانتظار على طابور الدور أمام القنصلية، وغالبًا يؤجل المراجعون إلى اليوم التالي.
– ينتشر سماسرة أمام باب السفارة متعاملون مع الشرطة التي تنظم الطوابير، ويمكن الاستعانة بهم لتسريع الدخول 50 لـ 100 ليرة تركية.
تجار وزبائن..
سماسرة القنصلية: نشتري من الخارجية ونبيع للمواطنين
بصفة “زبون”، تواصلت عنب بلدي مع عدد من مكاتب السماسرة في منطقة الفاتح باسطنبول، والذين ينشطون بتقديم خدمة حجز المواعيد علنًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد أخذ وردّ وطلب تخفيض السعر، تحدّث بعضهم عن مصاعب الحصول على الدور والتكاليف التي تترتب عليهم لقاء تحصيل الموعد.
بعض أصحاب المكاتب قالوا إن الحجوزات تصلهم من موظفين في الخارجية السورية في دمشق أو في القنصلية، يتحكمون بنظام الحجز الإلكتروني، مقابل عائد مادي، لكن السماسرة لم يكشفوا عن قيمة شرائهم لهذه المواعيد.
كما شارك نحو 1700 مستخدم في التصويت على سؤال: “هل تعتقد أن بيع السماسرة لموعد مراجعة القنصلية السورية في اسطنبول يتم دون علم القنصلية أم بالتنسيق معها؟”.
وأجاب 87٪ من المستطلعة آراؤهم، أن هذا الأمر يتم بالتنسيق مع القنصلية، فيما اعتبر 13٪ فقط أن القنصلية لا علاقة لها بالأمر، والسماسرة هم المتهمون.
وكتب المستخدم بسام عبد الوهاب في التعليقات على الاستطلاع ،”مو بس بعلم القنصلية وإلهن حصة، يلي عم يبيع المواعيد هنن الخارجية السورية والحكومة بسوريا”، وأيده المستخدم حمودة حمدان الذي علّق ” 50 دولارًا من الرشوة تذهب إلى السمسار، بينما الباقي أي حوالي 250$ تذهب الى القنصلية، وأغلبها يذهب إلى القنصل”.
وخلت التعليقات بشكل شبه كامل من أي تعليق إيجابي تجاه القنصلية، بل دعا أحد المستخدمين إلى تنظيم احتجاجات أمام مبنى القنصلية للاعتراض على ما وصفه بعض المستخدمين بـ “السرقة والإذلال”.
عنب بلدي حاولت الاتصال بالقنصل العام في اسطنبول لإطلاعه على الموضوع، والاتصال بالقنصلية على الأرقام المدرجة في الموقع الرسمي، لكن الاتصالات تبقى عند حدود المجيب الآلي ولا يمكن التواصل بشكل مباشر مع موظفي القنصلية.
وبتحوّلها إلى التجارة بالمواطنين، تخالف القنصلية السورية بموظفيها قانون العقوبات السوري الذي يحظر تداول الرشاوى، وتعاقب من يقدم على هذا الفعل بالحبس.
50 دولارًا من الرشوة تذهب إلى السمسار، بينما الباقي أي حوالي 250$ تذهب إلى القنصلية، وأغلبها يذهب إلى القنصل
|
وتقول المادة 341 من قانون العقوبات، إن “كل موظف وكل شخص ندب إلى خدمة عامة سواء بالانتخاب أو بالتعيين، وكل من كلف بمهمة رسمية كالحكم والخبير التمس أو قَبِل لنفسه أو لغيره هدية أو وعدًا أو أي منفعة أخرى ليقوم بعمل شرعي من أعمال وظيفته عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة أقلها ضعفًا قيمة ما أخذ أو قبل به. (هنا الجريمة تعتبر جُنحية الوصف)”.
أم المادة 342 فتقول “كل شخص من الأشخاص السابق ذكرهم التمس أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعدًا أو أي منفعة أخرى ليعمل عملًا منافيًا لوظيفته أو يدعي أنه داخل في وظيفته أو ليهمل أو يؤخر ما كان عمله واجبًا عليه عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة لا تنقص عن ثلاثة أضعاف قيمة ما أخذ أو قبل به”، وهذه الجريمة مشددة تعتبر جنائية الوصف.
كما يعاقب القانون أي موظف يقوم بإعاقة تطبيق القوانين والأنظمة أو تأخير تطبيقها، أو إعاقة تنفيذ قرارات قضائية، أو إعاقة تنفيذ أي أمر صادر عن السلطات ذات الصلاحية.
تخبط في القرارات القنصلية نتيجته “مزيد من الدفع”
ترافقت تعقيدات استصدار جوازات السفر للسوريين في تركيا وتصديق الأوراق الرسمية من القنصلية السورية في اسطنبول، مع مجموعة من القرارات المتخبطة التي تحكمت بالمعاملات القنصلية على مدى سبعة أعوام، ودفعتها إلى مستوى من التعقيد لا ينطبق على أي معاملات خارجية للسوريين في باقي دول العالم.
وتتخذ تلك القرارات بطرق مفاجئة ويتم في الغالب تعميمها عرفيًا بين الناس على حسب التجربة والخبرة، أو عبر أوراق رسمية تعلق على أبواب القنصلية ويتبدل مضمونها بشكل دوري.
وارتبطت أغلب القرارات بموضوع استصدار جوازات السفر والتكاليف الخاصة بها وقيمة الرسوم الإضافية، بينما يصدر قسم منها عن حكومة النظام، وقسم آخر يتعلق بالقنصلية بشكل مباشر.
عادي ومستعجل وموافقة أمنية
في الأول من أيار عام 2017 أعلن مدير إدارة الهجرة والجوازات في سورية، ناجي النمير، إلغاء لصاقة تمديد جوازات سفر السوريين في جميع أنحاء العالم، مبررًا ذلك بوقوع عمليات تزوير لهذه اللصاقة في بعض الدول، ومنذ ذلك الحين أصبح يتوجب على السوريين تجديد جوازات سفرهم في حال انتهاء تاريخ صلاحيتها، بالحصول على دفتر جواز جديد.
وفي كانون الأول من عام 2017، فرضت القنصلية السورية باسطنبول على الراغبين بتجديد جوازات سفرهم الحصول على موافقة أمنية قبل إتمام العملية، بعد أن كانت القنصلية ألغت في نيسان 2015، شرط الموافقة الأمنية لتمديد جوازات السفر السورية.
كما أعيد فرض تقديم دفتر خدمة العلم على الراغبين بتجديد جوازاتهم من الشبان الذين غادروا سوريا، حتى وإن كانوا قد خرجوا قبل بلوغهم سنّ الخدمة.
ويتم استصدار نوعين من الجوازات للسوريين في الداخل والخارج، مستعجل وعادي، وتتراوح مدة تسليم الجواز العادي في الدول التي تحتوي على ممثليات دبلوماسية سورية تصدر جواز السفر السوري بين 20 يومًا وثلاثة أشهر، بينما تصل مدة إصدار الجواز عن القنصلية السورية في اسطنبول إلى أربعة أشهر.
ويحتاج الجواز المستعجل من يوم إلى ثلاثة أيام وسطيًا لإصداره في أغلب دول العالم، عدا تركيا التي يستغرق إصدار الجواز السوري المستعجل فيها حوالي الشهر.
ومن المفترض أن طالب الجواز المستعجل يعفى من الموافقة الأمنية، لكن القنصلية فرضت في آذار الماضي قرارًا بتطبيق طلب الموافقة الأمنية على الجوازات المستعجلة والعادية.
دور آخر لتصديق الجواز
من المفترض أن تقوم القنصلية بتصديق جواز السفر فور إصداره، وهو ما كان يجري بشكل طبيعي حتى شهر آذار الماضي، وعقب ذلك أصبحت القنصلية تسلم الجوازات دون إرفاقها بالختم القنصلي.
ويفرض على صاحب الجواز أن يقوم بحجز دور جديد عن طريق أحد السماسرة، ودفع نحو 100 ليرة تركية، أي ما يعادل 25 دولارًا أمريكيًا، لتسليم الجواز واستلامه مصدقًا بعد يومين.
وأضاف هذا القرار مزيدًا من الأعباء على السوريين إذا باتوا يدفعوا تكاليف موعدين بدل موعد واحد، ويضطرون لقضاء نهارين آخرين ضمن الطوابير التي تتجمع يوميًا أمام باب القنصلية.
التجديد سنتان “إلا لمن رحم ربي”
تمنح القنصلية السورية أصحاب طلبات تجديد جواز السفر تجديدًا لسنتين، إلا في حالات قليلة وشبه نادرة يتم تجديد الجواز لمدة ست سنوات.
وكانت عنب بلدي تواصلت سابقًا مع بعض مكاتب تسيير المعاملات للسوريين، وقالوا إن فترة ست سنوات لا تمنح إلا في حالات معينة، فلا يستطيع الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و42 عامًا، الحصول على تجديد لست سنوات، إلا في حال كان الشخص وحيدًا أو معفيًا بشكل نهائي من الخدمة الإلزامية.
أما كبار السن، ممن غادروا الأراضي السورية بشكل نظامي، فاستطاعوا الحصول سابقًا على تجديد لست سنوات، لكن بعض الحالات رُفضت بعد انتظار ثلاثة أشهر، ولم يحصل أصحابها سوى على تجديد لسنتين.
ويمكن للنساء اللاتي خرجن من سوريا بشكل نظامي، ولديهن ختم خروج على جوازهن القديم، الحصول على تجديد لست سنوات، بعد تقديم طلب في القنصلية خلال موعد التجديد.
وكان القرار الذي تحدث عنه أصحاب مكاتب تسيير المعاملات قال إن جميع المواليد الجدد في اسطنبول يحصلون على جواز سفر لست سنوات، بعد تقديم طلب في القنصلية، لكن عنب بلدي رصدت حالات لأطفال منحوا تجديدًا لجوازاتهم لمدة سنتين فقط.
رسوم إضافية “دون مبرر”
جواز السفر السوري الأغلى عالميًا بتكاليف تصل إلى 800$ للجواز المستعجل، و300$ للعادي |
فرضت القنصلية السورية في مدينة اسطنبول خلال آذار الماضي رسومًا إضافية على المراجعين السوريين الراغبين بإصدار وثائق رسمية أو تجديد جوازات.
وتبلغ قيمة الرسوم الإضافية 31.5 ليرة تركية (8.5 دولار) تحت بند “لقاء خدمات” تدفع في حساب القنصلية في البنك.
ولم تعمم القنصلية القرار لكن البنك، حيث يتم دفع الرسوم، علّق ورقة كتب عليها “الرجاء من الإخوة السوريين دفع مبلغ 31.5 ليرة للقنصلية السورية لقاء خدمات”.
استغلال اللاجئين لرفد خزينة النظام بالدولار
ترفد رسوم تجديد الجواز لملايين السوريين في الخارج، وخاصة في تركيا، خزينة النظام السوري بالقطع الأجنبي (الدولار)، إذ رفعها مرتين خلال السنوات الماضية، في ظل عجز المعارضة عن إصدار جوازات تثبت هوية جميع السوريين الموجودين في دول الجوار وتجعلهم يستغنون عن جوازات النظام والتجديد في قنصلياته وسفاراته.
خلال سنوات الثورة كان رسم إصدار الجواز في سفارات النظام يكلف 200 دولار فقط، الأمر الذي كان يدر على خزينة النظام في بداية 2015 تسعة ملايين دولار، بحسب ما صرح به مدير إدارة الهجرة والجوازات، أحمد خميس.
لكن في نيسان 2015 أصدر رئيس النظام، بشار الأسد، مرسومًا نص على رفع الرسم القنصلي لمنح جواز السفر للسوريين المقيمين بالخارج بنسبة 100% ليصبح 400 دولار بدلًا من 200 دولار، كما حدّده بـ 200 دولار لتجديد الجواز أو تمديده.
وأكد خميس لصحيفة “الوطن”، المقربة من النظام، في تشرين الأول 2015، أنه بعد صدور قرار رفع الرسوم بلغت إيرادات الهجرة خارج البلاد أكثر من 512 مليون دولار.
المرة الثانية التي رفعت فيها الرسوم كانت في نيسان 2017، عندما أصدر النظام قرارًا منع فيه تمديد الجواز باللصاقة المعمول بها منذ سنوات، وحصر المواطن باستخراج جواز جديد برسوم جديدة كل سنتين، وحدد سعر الجواز ضمن نظام الدور العادي بـ 300 دولار، وبشكل فوري ومستعجل بمبلغ 800 دولار أمريكي، ما جعل رسم استصدار جواز السفر للمغتربين خارج سوريا هو الأعلى في دول العالم.
وفي أحدث إحصائية صادرة عن وزارة الداخلية في حكومة النظام حول القيمة المستوفاة من تجديد الجواز بعد رفع الرسوم الجديدة، كانت في أيلول العام الماضي، عندما ذكرت صحيفة “الوطن” أن 41 مليون دولار هي قيمة ما تم منحه من الجوازات خارج القطر خلال أول تسعة أشهر من 2017.
فوضى وازدحام على باب القنصلية.. مسؤولية تركيا أم النظام؟
على مدى السنوات الماضية، عانى السوريون في تركيا من استخراج أوراقهم في قنصلية النظام باسطنبول، التي أصبحت مقصد مئات آلاف السوريين الموجودين في جميع الولايات التركية من أجل إخراج وثائق ثبوتية في مقدمتها جواز السفر، للحصول على إقامة قانونية، أو التقدم للجامعات أو السفر إلى بلدان أخرى.
وتعددت طرق حجز الموعد في القنصلية خلال السنوات الماضية، إذ كان عبر الحجز الإلكتروني في موقع القنصلية الرسمي، قبل أن تلغي في آب 2016 الحجز بالمواعيد وتحولها إلى الحجز عن طريق الحضور شخصيًّا للسفارة، وأصبحت توزع أرقامًا على المراجعين أمام مبناها، “وحسب أولوية الحضور وطاقة القنصلية على استقبالهم”.
لكن ذلك سبب فوضى وصعوبةً في الحصول على الوثائق الرسمية للسوريين، ما دفع القنصلية إلى إعادة العمل بنظام حجز المواعيد إلكترونيًا في تشرين الثاني من نفس العام، لكن ذلك لم يخفف الازدحام.
تساؤلات كثيرة طرحت من قبل المراجعين حول أسباب الازدحام وعدم تجهيز مكان أفضل وعدد أكبر من الموظفين لاستيعاب العدد الكبير من مراجعي القنصلية، لكن موظفي القنصلية ألقوا اللوم في ذلك على تركيا، وبرروا ذلك بعدم سماح أنقرة بزيادة عدد الموظفين لاعتبارات سياسية نتيجة العلاقات بين البلدين منذ سنوات.
إلقاء اللوم على تركيا جاء أيضًا على لسان رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية في مجلس الشعب، بطرس مرجانة، الذي برر الازدحام في بعض السفارات والقنصليات، بقلة عدد الموظفين فيها.
وقال مرجانة لصحيفة “الوطن”، في 17 من أيار الحالي، إن “المشكلة ليست في وزارة الخارجية بل في الدول التي أغلقت السفارات السورية فيها، وحددت عدد الموظفين الذين يجب أن يكونوا على أراضيها”، معتبرًا أن الدول تضيق على الخارجية السورية في هذا المجال، ما يسبب الازدحام الكبير، خاصة وأن المعاملات لا تقتصر على جوازات السفر، ما يشكل ضغطًا كبيرًا.
وبالرغم من عدم صدور أي تصريح من الجانب التركي حول الازدحام ومعاناة السوريين على أبواب القنصلية، في منطقة “شيشلي” وسط اسطنبول ، إلا أن عددًا من المراجعين قالوا إنهم لاحظوا خلال الأشهر الماضية، وجود عدد من الموظفين الأتراك يساعدون الموظفين السوريين.
“الحصانة تحول دون المحاسبة”
موظفو القنصلية يسرحون ويمرحون تحت سقف القانون بعكس ما يظنه الكثير من السوريين، أن مبنى سفارة دولة ما في بلد أجنبي يخضع لقوانين هذه الدولة (الدولة المعتمدة)، فإن القانون الدولي حدد مجال تطبيق القانون المحلي على السفارات والبعثات الدبلوماسية.
وفي الحديث عن تقاضي مكاتب متعاملة مع القنصلية السورية في تركيا مبالغ مالية “عالية” لقاء شراء دور للحصول على الأوراق الثبوتية من السفارة، وهو ما يشكل جرم “الرشوة” في القانون السوري، يتساءل السوريون عن سبب سكوت القانون عن محاسبة هؤلاء السماسرة، ومحاسبة أعضاء البعثة، وما إن كان القانون التركي أو القانون السوري هو المطبق في هذه الحالة.
وبحسب ما أوضحه إبراهيم علبي، مدير “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، لعنب بلدي، فإن “القانون المطبق على القنصلية السورية في تركيا هو القانون التركي”، وهو أمر يجهله الكثيرون.
ولكن تطبيق هذا القانون يكون شكليًا في بعض الأحيان بسبب تمتع أعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية بالحصانة، وهي التي تكفل عدم ملاحقتهم أو محاسبتهم، أو حتى محاكمتهم أمام الدول المعتمدين لديها، وهذه الحصانة يكفلها القانون الدولي في اتفاقية “فيينا”.
ويضيف علبي أنه رغم خضوع القنصلية السورية في تركيا للقانون التركي “لا يحق للقوات التركية اقتحام السفارة أو دخولها إلا بموافقة السفير أو رئيس البعثة الدبلوماسية”.
وتشمل الحصانة الممنوحة لأعضاء البعثات الدبلوماسية الأعمال التي يرتكبونها والتي تعتبر خرقًا لهذا القانون فلا يمكن ملاحقتهم قانونيًا لا بقضايا مدنية ولا بجرائم جنائية، بغض النظر إن كانت هذه الجريمة مرتبطة بعملهم في البعثة أو بحياتهم الشخصية، وبالتالي لا يمكن اعتقالهم.
ويمكن للدولة المضيفة مطالبة البعثة مغادرة الدولة المعتمدين لديها في حال خرقهم أو خرق أحدهم لقوانينها، لأن المفروض احترام هذه القوانين، بحسب اتفاقية فيينا، ولكن في نفس الوقت لا يحق لها اعتقال أحدهم بسبب الحصانة.
ولم يعف قانون العقوبات السوري أعضاء بعثاته من العقوبة، فجعلها من الاستثناءات على تطبيق القانون السوري خارج الحدود السورية، إذ نصت المادة 21 من قانون العقوبات السوري أنه “يطبق القانون السوري خارج الأرض السورية على الجرائم التي يقترفها موظفو السلك الخارجي والقناصل السوريون ما تمتعوا بالحصانة التي يمنحها لهم القانون الدولي العام”.
وهذا النص يؤكد أنه في حال إفلات البعثات السورية من المحاسبة على الجرائم المقترفة في الدول المعتمدين لديها من قبل قانون تلك الدول، فإن القانون السوري سيحاسبهم.
وتبدأ المحاسبة في القانون السوري بسحب الحصانة من موظف البعثة، بطلب يقدم إلى رئيس بعثته.
أما فيما يتعلق بحقوق السوريين بالحصول على وثائق شخصية، بما فيها جواز السفر، أكد العلبي أن القانون الدولي يكفل حق الشخص بالحصول على ما يعرف عنه في نص المادة 6 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، “لكل إنسان في كل مكان الحق بأن يعترف له بالشخصية القانونية”، ويضيف العلبي، “يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قانونًا دوليًا عرفيًا، أي إنه ملزم لجميع الدول، والتي توضح أن لكل شخص الحق في أن يكون له اعتراف قانوني، فمن حق المواطن أن يحصل على جواز سفر يثبت شخصيته، وإن سلب هذا الحق منه يعتبر خرقًا لحقوق أخرى مثل حقه بالحصول على الرعاية الصحية والحق في التعليم”.
كيف يجري السوريون معاملاتهم في القنصليات الأخرى
خلال عملية بحث قامت بها عنب بلدي حول إجراءات التعامل التي تتبعها القنصليات السورية في الدول الأخرى، بما يخص الأوراق الثبوتية وجوازات السفر، تبين أن الإجراءات التي تتبعها القنصلية في تركيا تخالف ما تقوم به نظيرتها في البلدان الأخرى، مع توحيد الرسوم المالية الملزمة للجميع.
في ألمانيا، التي استقبلت حوالي نصف مليون من اللاجئين السوريين، بإمكان الشخص التوجه للقنصلية لاستخراج جواز سفر دون حجز أي موعد، سواء عبر الإنترنت أو بوساطة “سمسار”، بل بنظام الدور، إذ ينتظر الشخص على باب القنصلية حتى مرور الأشخاص الذين قدموا قبله، وبحسب ما قال لاجئون سوريون لعنب بلدي يجب على الشخص القدوم في ساعات الصباح الباكر لإنجاز معاملته بسرعة.
وينقسم السوريون في ألمانيا إلى قسمين، الأول الحاصلون على إقامة لمدة ثلاث سنوات، والثاني الحاصلون على إقامة لمدة سنة واحدة.
ولا يمكن للقسم الأول استخراج جواز سفر من القنصلية السورية، وفي حال تم ذلك يتم إسقاط صفة اللجوء من قبل الحكومة الألمانية، أما القسم الثاني بإمكانه استخراج الجواز كونه لا يحمل الميزات التي منحت لأصحاب الإقامة الطويلة.
تشابه الرسوم المالية للقنصلية في ألمانيا الرسوم في تركيا، لكن طريقة التعامل وتسيير الأمور هي النقطة الفارقة، إذ يصل جواز السفر للسوريين في ألمانيا بالبريد بعد إتمام عملية التسجيل ودفع المستحقات المالية.
أما السوريون في مصر فلا يعانون من نفس التعقيدات في استخراج أوراقهم الثبوتية من السفارة السورية الموجودة هناك، ويكون حجز المواعيد للحصول على الثبوتيات عن طريق الموقع الإلكتروني والذي يكون متاحًا من الساعة الواحدة حتى الساعة الثالثة صباحًا.
وتحدد فترة تسليم الجوازات البطيئة من شهرين ونصف حتى ثلاثة أشهر، بينما الجوازات المستعجلة تسلم بعد أربعة أيام من تاريخ التسجيل عليها.
إلى لبنان الذي يحوي قرابة مليون سوري، إذ يتم الحصول على موعد لاستخراج جواز سفر من القنصلية السورية عن طريق الموقع الإلكتروني، لكن جميع المواعيد تكون بعيدة، من شهر ونصف إلى شهرين، بحسب ما وصل إلى عنب بلدي، من مراجعين حصلوا على جوازاتهم.
الموعد المستعجل بـ 800 دولار والبطيء بـ 300 دولار أي بنفس الرسوم المفروضة في تركيا وألمانيا، ويتركز عمل السماسرة في تقريب موعد الحجز لقاء مبالغ مالية، بالإضافة إلى استخراج وثائق وثبوتيات للأشخاص المنشقين عن خدمة العلم والمطلوبين أمنيًا.
وتختلف معاملات السوريين في القنصليات السورية ببلدان الخليج عن باقي الدول الأخرى، وتتميز بسهولة التسجيل على أي وثيقة أو ورقة قانونية من جهة وتعامل الموظفين من جهة أخرى.
الحصول على جواز في دولة الكويت مثلًا، لا يحتاج لأي موعد، بل يتطلب من الشخص الذهاب إلى القنصلية وحجز دور من الموظف الموجود على بابها.
وتتراوح مدة إنجاز أي وثيقة من الساعة إلى ساعة ونصف، وبحسب ما قال أحد المراجعين لعنب بلدي، فإن الرسوم تبلغ بالدينار الكويتي 245 دينارًا للجواز المستعجل و 92 دينارًا للبطيء، ولا تتعدى مدة استلام الأول أربعة أيام مشمولة بالموافقة الأمنية، والثاني بحدود الشهر كحد أقصى.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :