عنب بلدي – مراد عبد الجليل
تدريجيًا، تعود العلاقات الاقتصادية بين النظام السوري والحكومة المؤقتة الليبية، غير المعترف بها دوليًا في شرقي البلاد، والمدعومة من قوات اللواء خليفة حفتر، عبر زيارات وفود اقتصادية متبادلة وتنظيم معارض لرجال أعمال سوريين في ليبيا.
فتح ذلك باب التساؤلات حول جدوى اللقاءات والتنسيق الاقتصادي، خاصة وأن الطرفين منهكان اقتصاديًا نتيجة الحرب خلال السنوات الماضية.
التلميحات حول عودة العلاقات الاقتصادية بين ليبيا وسوريا بدأت العام الماضي، قبل توجه رئيس اتحاد المصدّرين السوري، محمد السواح، إلى مطار بنغازي ليعود برفقة وفد ليبي مكون من 70 رجل أعمال للمشاركة في معرض دمشق الدولي، في آب العام الماضي.
وشكلت مشاركة الوفد الليبي في المعرض بداية جديدة للعلاقات السورية- الليبية، إذ زار بعدها وزير الاقتصاد في الحكومة الليبية المؤقتة، منير عصر، سوريا، في شباط 2018، بدعوة من نظيره، محمد سامر الخليل، للمشاركة في معارض “صنع في سوريا” التي أقيمت على الأراضي السورية.
وقال عصر حينها، “سيتم العمل على تسهيل حركة التبادل التجاري ونقل السلع والأشخاص بين سوريا وليبيا، من أجل تزويد السوق الليبية بالمنتجات السورية، ومعرفة ما تحتاج السوق السورية من منتجات ليبية وخاصة في المجال النفطي”.
واتفق الطرفان على فتح خط تجاري بينهما لتسهيل شحن وتبادل البضائع والمنتجات التجارية، في خطوة تهدف لدفع التجارة بين البلدين وتعزيزها.
من بنغازي.. معرض صنع في سوريا
الحدث الاقتصادي الأهم كان افتتاح معرض “صنع في سوريا” الاقتصادي لأول مرة في بنغازي الليبية، في 23 من أيار الحالي، بمشاركة 100 شركة سورية وليبية مختصة بالمواد الغذائية.
المعرض شهد إقبالًا جماهيريًا وتزاحمًا من المواطنين الليبيين، برره خازن اتحاد المصدّرين السوري، إياد محمد، باهتمام الليبيين بالمنتج السوري، وهو ما أكده الإعلامي الليبي المختص بالشأن الاقتصادي، خالد بوزعكوك، في حديث إلى عنب بلدي، بقوله إن إقبال المواطنين نتيجة ثقتهم في جودة المنتجات السورية التي شملت صناعات متنوعة من ملبوسات وأغذية ومنظفات ومواد تجميل وأثاث، إضافة إلى ميلهم لمشاهدة الفلكلور السوري، إذ شهد المعرض نشاطات لفرقة دمشق للفنون الشعبية ورقصات للعراضة الشامية.
في حين برر الكاتب الصحفي الليبي عصام زبير حشد المواطنين بأن الليبيين متلهفون لتطور من هذا النوع، فهم محرومون منذ سنوات من المعارض.
ويعتقد زبير، في حديث إلى عنب بلدي، أن الشراء من المعرض سيتركز على الملابس بسبب اقتراب عيد الفطر، إضافة إلى أن المواد والسلع الغذائية مطلوبة في رمضان، خاصة وأن السوق الليبية تعاني نقصًا، والبضاعة السورية معروفة بمذاقها، لافتًا إلى أن الطرفين استغلا فرصة رمضان وعيد الفطر من أجل افتتاح المعرض.
أهداف اقتصادية في مهب الريح
وطرحت خلال الأسابيع الماضية تساؤلات حول فائدة كلا الطرفين من عودة العلاقات بينهما، في ظل الوضع الاقتصادي المتردي لكليهما.
النظام السوري المتمثل باتحاد المصدّرين السوري يعتبر السوق الليبية مفتاحًا مباشرًا لشمال إفريقيا وبوابة مهمة لدخول المنتجات السورية إلى هذه الأسواق، بحسب ما قاله السواح في تموز العام الماضي لموقع “اتحاد المصدّرين السوري”.
كما يحاول النظام ترويج المنتجات في دول داعمة له عبر افتتاح معارض، بحثًا عن سوق تصريف لها، في ظل ما تعانيه حكومته من حصار اقتصادي، إذ افتتح معرض “صنع في سوريا” في كل من العراق في كانون الأول 2018، وروسيا نيسان الماضي.
زبير اعتبر أن النظام السوري لن يستفيد من افتتاح المعرض إلا مؤقتًا، كون الميزانية الليبية تعاني من ركود وعجز، وأيضًا هناك تضييق على التسهيلات في الاعتمادات التجارية للاستيراد في ليبيا، التي تعاني من الفساد ونفوذ السياسيين، ما يجعل الأمر صعبًا في التعامل.
وأضاف أن التجارة مع سوريا محفوفة بالمخاطر بسبب الوضع الراهن فيها، وليس كما التجارة مع الغرب أو تركيا والتي هي تجارة “مؤمنة”، كما أن أسعار المنتجات السورية ستكون مرتفعة بسبب ارتفاع أسعار العملات الأجنبية أمام الدينار الليبي (حاليًا الدولار يقابل 1.37 دينار) وبالتالي لن تستطيع المنافسة، بحسب الزبير.
في حين اعتقد بوزعكوك أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ستشهد مزيدًا من التعاون الاقتصادي، لأن سوريا تريد إعادة العلاقات التجارية والأسواق لمنتجاتها ومنها السوق الليبية الواعدة، متوقعًا افتتاح خط ملاحي بين ميناءي اللاذقية وبنغازي وخط جوي بين مطار دمشق ومطار بنغازي.
السياسة قبل الاقتصاد
التطورات الاقتصادية المتسارعة بين الطرفين، والتي تمخض عنها تشكيل “مجلس أصحاب الأعمال الليبي- السوري”، في شباط الماضي، بهدف إقامة نشاطات مشتركة في كلا البلدين، يحمل أيضًا أهدافًا سياسية، وتطبيعًا بين حكومتين محاصرتين اقتصاديًا وتريدان تعزيز علاقتيهما مع روسيا.
بوزعكوك أكد على التقارب الليبي- السوري برعاية روسية، لكنه اعتبر في الوقت نفسه أن علاقة البلدين تاريخية، ورغم “ثورة 17 فبراير” في ليبيا فإن سوريا قريبة جدًا لليبيين.
بينما يعتقد زبير أن أي تعاون في الشرق الليبي هو خارج عن نطاق المجلس الرئاسي للحكومة المدعومة من المجتمع الدولي، لكن حكام المنطقة الشرقية يريدون علاقات مع سوريا بهدف التقرب لروسيا لدعمهم، وهذا ما يجعل العلاقات السورية ومنطقة الشرق في تحسن، كون حفتر ومجموعته يريدون دعمًا من موسكو سواء لوجستيًا أو معنويًا يسهم في دعمهم للتخطيط نحو السيطرة على ليبيا وتحقيق أجندات لموسكو وغيرها.
واعتبر أن أي علاقة مع سوريا هي تقرب وتملق، سواء أقاموا معارض تجارية أو غيرها، متسائلًا “ماذا ستقدم سوريا لبنغازي، وماذا ستقدم بنغازي إلى سوريا؟”.
ووصف زبير العلاقة بين الطرفين بأنها “فقاعة صغيرة سرعان ما تنفجر لأنه ليست هناك مقومات دولة في التعاون بين الطرفين، والتجار لن يتفاعلوا إلا لمجرد الخوف أو التملق لحفتر للحصول على امتيازات سرعان ما تقف عاجزة عن تحقيق الهدف”، لافتًا إلى أن “الأمر سياسي بحت ودعم وبروباغندا إعلامية فقط”.
وأوضح زبير أنه لكي يكون التعاون بنّاءً ومثمرًا ويفتح الفرص أمام التجار، يجب أن يشمل الدولة كاملة، أما التعاون بثوب سياسي فلن يفلح.
شهدت العلاقات الاقتصادية السورية- الليبية، تطورًا قبل بداية الثورة في كلا البلدين، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما نحو 241 مليون دولار في نهاية عام 2008، بحسب ما صرح وزير المالية السوري السابق، محمد الحسين في 2010.
كما تم الاتفاق في 2010 على إنشاء مجلس رجال أعمال مشترك يضم مجموعة كبيرة من نخبة رجال الأعمال في البلدين وإقامة المعارض التخصصية في كلا البلدين.
بعد سقوط الرئيس السابق معمر القذافي ومقتله في تشرين الأول 2011، دخلت ليبيا في نفق التجاذبات الدولية والتدخلات الإقليمية، لينتج عن ذلك حكومتان، الأولى حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في شباط 2016 ومقرها في طرابلس ومعترف بها دوليًا، في حين تمارس الحكومة الثانية وهي الحكومة الليبية المؤقتة سلطتها من شرقي البلاد وتحظى بدعم القائد العسكري خليفة حفتر المدعوم من مصر والإمارات وروسيا.