عنب بلدي – درعا
أرخت سيطرة قوات الأسد على آخر مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” في الجنوب الدمشقي بظلالها على محافظة درعا، التي تصدرت المشهد خلال الأيام الماضية، بعد تصريحات تداولتها جهات رسمية سورية وإيرانية وروسية، تؤكد قرب انتقال المواجهات نحو المحافظة التي تشهد حالة من الهدوء منذ توقيع اتفاق “تخفيف التوتر”، تموز2017.
وبالتزامن مع الحديث عن المعركة المرتقبة، أكدت إيران على لسان سفيرها في عمان، مجتبى فردوسي عدم مشاركة أي قوات لها في أي عملية إن تمت بالجنوب السوري، ليترجم الأمر بتطمينات أرسلت للجانب الأردني المتخوف من تداعيات أي مشاركة للميليشيات، وخاصة “حزب الله” اللبناني، في معارك قرب حدوده الشمالية.
وقابل ما سبق معلومات نشرتها “القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية” شبه الرسمية، ألمحت فيها إلى انهيار اتفاق “تخفيف التوتر” نتيجة وجود تنظيمي “جبهة النصرة” (المنضوية في هيئة تحرير الشام)، وتنظيم “الدولة الإسلامية” في درعا.
معبر نصيب وطرق الالتفاف
تجعل التطورات السابقة من معركة درعا “مسألة وقت” فقط، لكن تعدد الأهداف واتساع الرقعة الجغرافية للمواجهات المتوقعة، جعل من الهدف المباشر لقوات الأسد غير واضح المعالم، فما قد تفرضه التدخلات، وربما التفاهمات الإقليمية أو الدولية على المعركة، قد يفرض عليها السير بخط محدد لا تتجاوزه.
معبر نصيب هو الموقع الأكثر تداولًا بين أوساط قوات الأسد والمعارضة، فمنذ سيطرة فصائل المعارضة عليه، نيسان 2015، عاش حالة من الشد والجذب والمفاوضات المتعثرة في سياق مساعٍ أردنية لإعادة تشغيله، لكن تمسك كل من نظام الأسد وهيئات المعارضة بشروطهما حال دون التوصل لأي اتفاق، ليكون الهدف الأبرز لمعركة درعا المرتقبة، كما يرى “أبو حذيفة الشامي”، القيادي العسكري في “هيئة تحرير الشام” في الجنوب.
ويقول الشامي لعنب بلدي، إن “المسافة القصيرة نسبيًا بين مواقع قوات الأسد الحالية والمعبر لا تعني أن المعركة ستكون سهلة على الإطلاق”.
وتبتعد قوات الأسد المتمركزة في بلدة خربة غزالة عن نصيب مسافة 20 كيلومترًا إلى الشمال، أما المتمركزة في درعا المحطة فتفصلها مسافة 13 كيلومترًا إلى الغرب، وفي حال انطلاقتها من هذين الموقعين باتجاه المعبر يلزمها السيطرة على عدد من البلدات في ريف درعا الشرقي، هي أم المياذن والغارية الغربية وصيدا والنعيمة ونصيب ومنطقة غرز، والسيطرة على درعا البلد النصف المتمم لمدينة درعا.
بالإضافة إلى المساحات الزراعية الواسعة بين ريف درعا الشرقي ومدينة درعا، وهو ما وصفه القيادي في “تحرير الشام” بـ “المعركة المصيرية التي لن تكون نزهة على الإطلاق”.
وتتمركز في المناطق المذكورة ثلاثة فصائل رئيسية من أبرز التشكيلات العسكرية لمحافظة درعا، هي “جيش الثورة” و “قوات شباب السنة” و “هيئة تحرير الشام”، إلى جانب الفصائل التي تشكل غرفة عمليات “البنيان المرصوص” في أحياء مدينة درعا.
ويعتبر “الشامي” أن أبرز نقاط القوة في يد فصائل المعارضة في هذا المحور هي “كثافة المقاتلين وعتادهم الكبير، بالإضافة إلى أن المعركة ستستنفر كامل ريف درعا الشرقي”.
لكنه يخشى من استخدام قوات الأسد لسياسة الأرض المحروقة في منطقة يقطنها ما يزيد على 300 ألف نسمة، ومن محاولة قوات الأسد تجنب درعا البلد والالتفاف في محيطها، وتحديدًا في منطقة الزُمل وسرية خراب الشحم والقاعدة العسكري، وهو ما سيتيح لها السيطرة على جمرك درعا القديم، وعزل ريفي درعا الشرقي والغربي عن بعضهما، وكذلك حصار درعا البلد، وجرها نحو المفاوضات مجبرةً.
تل الحارة هدف ثان
بعيدًا عن معبر نصيب يُعتبر تل الحارة الهدف الثاني الأكثر تداولًا، إذ يُعد أعلى التلال المرتفعة في ريف درعا الشمالي، ويشرف على مساحات واسعة من ريفي درعا والقنيطرة، مكنّت فصائل المعارضة من السيطرة عليها سريعًا بعد السيطرة عليه، في تشرين الأول 2014.
ويرى القيادي السابق أن التل يعتبر “هدفًا روسيًا أكثر منه هدفًا لقوات الأسد، لتتمكن روسيا من العودة إلى المنطقة وتثبيت نقاط اتصال واستطلاع”، وكما هو معبر نصيب، يلزم وصول قوات الأسد إلى تل الحارة انطلاقًا من مواقعها في قرية وكتيبة جدية السيطرة على بلدة زمرين ومدينة الحارة، وقد تُضطر لشنّ هجوم على بلدة كفر شمس كذلك.
ويعتبر “الشامي” أن سقوط تل الحارة، يعني تتالي سقوط البلدات في ريفي درعا والقنيطرة، لذلك الدفاع عنه سيكون مهمة آلاف المقاتلين في المنطقة، وهو ما سيجعل المعركة “قاسية جدًا” على قوات الأسد، مطالبًا بعدم إغفال وجود قوات الأسد على بعد كيلومترات قليلة إلى الشرق من مدينة نوى، وهو ما قد يغريها لشنّ هجوم حقيقي أو وهمي، بالتزامن مع الهجوم على تل الحارة في محاولة تشتيت فصائل المعارضة.
وينطبق الأمر السابق، بحسب القيادي، على تل المطوق إلى الجنوب من مدينة إنخل، والذي تتيح السيطرة عليه الإشراف وقطع الطريق بين مدينتي إنخل وجاسم، ولا يمكن إغفال تمركز مقاتلي “جيش خالد بن الوليد” المتهم من المعارضة بمبايعة تنظيم “الدولة الإسلامية” في ذات المنطقة.
بصر الحرير هدف خفي من الشرق
إلى جانب ما سبق، تعتبر بلدة بصر الحرير في ريف درعا الشرقي من الأهداف التي توصف بـ “الخفية والتي لا تدركها كثيرٌ من فصائل المعارضة”، وقد تستغل قوات الأسد هذا الأمر في افتتاح معركة حقيقية أو وهمية بهدف الإشغال على البلدة.
ولا تبتعد قوات الأسد إلا كيلومترات قليلة شرقًا عن البلدة داخل محافظة السويداء، كما تبتعد أقل من سبعة كيلومترات انطلاقًا من مواقعها في مدينة إزرع غربًا، وتكمن أهميتها بأن السيطرة عليها من قبل قوات الأسد تتيح لها ربطها بمدينة إزرع، وهو ما يجعل منطقة اللجاة في ريف درعا الشمالي الشرقي محاصرة بالكامل ومعزولة عن باقي المناطق المحررة.
ويوضح القيادي العسكري أن الهدف الخفي من عزل منطقة اللجاة هو “تجنب دخولها عسكريًا ومحاولة الضغط عليها للاستسلام دون قتال”، وتُعرف منطقة اللجاة بوعورتها الجغرافية الصخرية، وبيئتها العشائرية، ما يجعلها حصنًا لفصائل المعارضة يتيح لها خوض معارك قد تمتد لأشهر طويلة.
مدينة داعل وبلدة إبطع قد تكونان في المرحلة الحالية خارج أي حسابات، بحسب رؤية القيادي، الذي يعتبر أن “قوات الأسد تسعى لتحقيق انتصار يغير من موازين القوى في الجنوب، وهو ما لا تحققه له مدينة داعل وبلدة إبطع، بل قد تُدخله في معركة طويلة الأمد بأهداف محدودة”، وينطبق ذلك على بلدة محجة المحاصرة وبلدة النجيح المجاورة لها، والتي تسعى قوات الأسد ومن خلفها روسيا إلى الضغط على المعارضة فيهما للانضمام لما تُسميها بـ “المصالحة الوطنية”، وتحييدها عن العمل العسكري الذي قد يكون مُكلفًا بشريًا ولا يغير من موازين القوى كثيرًا.
انتهجت قوات الأسد سياسة تقطيع المناطق وفصل المدن والبلدات عن بعضها والضغط على فصائل المعارضة والحاضنة الشعبية لها للتسليم في معظم معاركها خلال السنوات القليلة الماضية، ونجحت بذلك في الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي وريف حمص الشمالي وغيرها من المناطق.
وتساعدها البيئة المشتتة لمحافظة درعا وانقسام المعارضة إلى عشرات الفصائل، في تكرار ذات السيناريو، إلا إذا أدركت المعارضة بكامل هيئاتها المدنية والسياسة والعسكرية نفسها فيما تبقى من زمن، وأيقنت أن المنطقة ووجودها بات اليوم على صفيح ساخن، يُلزمها إعادة ترتيب الصفوف استعدادًا للمواجهة الحاسمة.